خادم الحرمين الشريفين: القضية الفلسطينية لم تتأثر بعدوان سنوات.. بالقدر الذي ألحقه بها الفلسطينيون في شهور

قال في برقية لأعضاء المؤتمر السادس لفتح: ليس من الطبيعي أن يحارب الشقيق الشقيق أو أن يتآمر الصديق على الصديق

فلسطيني يحمل صورة للرئيس محمود عباس أمس في رام الله حيث تعقد حركة فتح مؤتمرها السادس (أ.ب)
TT

صارح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأعضاء المؤتمر السادس لحركة فتح، بالقول «إن العدو المتكبر المجرم لم يستطع عبر سنوات طويلة من العدوان المستمر أن يلحق من الأذى بالقضية الفلسطينية ما ألحقه الفلسطينيون أنفسهم بقضيتهم من أذى في شهور قليلة».

واعتبر الملك عبد الله بن عبد العزيز، في برقية وجهها تجاه بيت لحم حيث المؤتمر السادس لحركة فتح، أن من غير الطبيعي أن يحارب الشقيق الشقيق، أو أن يتآمر الصديق على الصديق، في إشارة إلى الانقسام الفلسطيني، مستذكرا نشأة حركة فتح بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات، في برقيته التي جاء فيها: «الأخ الرئيس محمود عباس والإخوة الكرام أعضاء المؤتمر السادس لحركة فتح ـ بيت لحم ـ فلسطين.

من ربوع البيت الحرام أستذكر الآية الكريمة (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). إنني أشعر أن هذه الآية الكريمة قد أقامت وحدة روحية حقيقية خالدة بين المسجدين ووحدة إيمانية لا تنفصم بين الذين يؤمّون المسجد الحرام وبين المقيمين في رحاب المسجد الأقصى، ومن هذا المنطلق تجيء رسالتي هذه من الأرض المقدسة لا تحمل مشاعري فحسب بل مشاعر ألف مليون عربي ومسلم يشعرون أن قضيتهم الكبرى، قضية فلسطين، توشك أن تدخل نفقا مظلما لا خروج لها منه إن لم تتداركها رحمة الله.

أيها الإخوة المناضلون.. عندما انطلقت حركة فتح بقيادة الأخ الشهيد المناضل ـ ياسر عرفات ـ رحمه الله ـ كانت بمثابة الشعلة التي أحيت الصمود العربي، وحولت اليأس أملا، وانتقلت فتح من نصر إلى نصر وتولت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بجدارة واقتدار حتى ارتبط اسمها في الوجدان العربي والإسلامي بالنضال الصلب والكفاح الصادق، وأنا اليوم لا أخاطب فتح الحركة، وإنما فتح الرمز الفلسطيني العربي الإسلامي، وأخاطب من خلال فتح كل الفصائل الفلسطينية وكل مواطن فلسطيني ومواطنة فلسطينية بلا استثناء.

أيها الإخوة المناضلون..

من طبيعة الأشياء أن يلقى الإنسان العداوة والبغضاء من أعدائه، وأن يخوض معهم المعارك والحروب، إلا أنه ليس من طبيعة الأشياء أن يحارب الشقيق الشقيق وأن يتآمر الصديق على الصديق في مخالفة صارخة للتوجيه الرباني الكريم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، وفي خروج صارخ على كافة القيم النبيلة والمبادئ السامية، إننا نفهم عدوان العدو الغادر الغاشم، وحقد الحاقدين، ومؤامرات الحاسدين ولكننا لا نفهم أن يطعن الشقيق شقيقه، ولا أن يدب القتال بين أبناء الوطن الواحد رفاق السلاح والمصير المشترك.

أيها الإخوة المناضلون..

إن ما يحدث في فلسطين صراع مروّع بين الأشقاء لا يرضي الله ولا المؤمنين. إن قلوب المسلمين في كل مكان تتصدع وهي ترى الإخوة وقد انقسموا إلى فريقين يكيل كل منهما للآخر التهم ويتربص به الدوائر، وأصارحكم أيها الإخوة أن العدو المتكبر المجرم لم يستطع عبر سنوات طويلة من العدوان المستمر أن يلحق من الأذى بالقضية الفلسطينية ما ألحقه الفلسطينيون أنفسهم بقضيتهم من أذى في شهور قليلة، والحق أقول لكم أيها الإخوة إنه لو أجمع العالم كله على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ولو حُشد لها كل وسائل الدعم والمساندة لما قامت هذه الدولة والبيت الفلسطيني منقسم على نفسه شيعا وطوائف، كل حزب بما لديهم فرحون.

أيها الإخوة المناضلون..

أذكّركم ونفسي بقوله عز وجل: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)، وبقوله جل شأنه: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، وإنني باسم إخوانكم في مهبط الوحي، وباسم إخوانكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أذكّركم بأيمانكم ومواثيقكم المغلظة يوم اجتمعتم في البيت الحرام أمام الكعبة المشرفة، إنني استحلفكم بالله، رب البيت الحرام، أن تكونوا جديرين بجيرة المسجد الأقصى وأن تكونوا حماة ربوع الإسراء، أستحلفكم بالله أن يكون إيمانكم أكبر من جراحكم، ووطنيتكم أعلى من صغائركم، استحلفكم بالله أن توحدوا الصف وترأبوا الصدع وأبشركم إن فعلتم ذلك بنصر من الله وفتح قريب، وهو سبحانه القائل ووعده الحق: (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

أيها الإخوة المناضلون..

عشتم، وعاش الشعب الفلسطيني موحدا أبيّا، وعاشت الدولة الفلسطينية المستقلة التي أراها ـ بإذن الله ـ قادمة لا ريب فيها، ترفع رايات الحرية في رحاب الإسراء الطاهرة».

من حهة أخرى أشاد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية أمس، بموقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من القضية الفلسطينية، وتأكيده على ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي أضر بالقضية الفلسطينية، وهو الموقف الذي جاء في برقية خادم الحرمين الشريفين إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بمناسبة انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح في مدينة بيت لحم.

وقال موسى في تصريح لوكالة الأنباء السعودية «إنني أقرأ رسالة خادم الحرمين الشريفين بمثل وضوحها، وهذا شيء ضروري، لأن الملك عبد الله بن عبد العزيز تحدث باسمنا جميعا بأنه لا بد من وضع حد للنزاع الفلسطيني والخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه القضية الفلسطينية بسبب هذا النزاع والانقسام الفلسطيني».

وأشار الأمين العام لجامعة الدول العربية في قراءته لما ورد في برقية خادم الحرمين الشريفين للرئيس الفلسطيني إلى أهمية توحيد الصف الفلسطيني، وإنهاء هذا الانقسام الذي أضعف الصف الفلسطيني إضعافا لا مزيد عليه.

كما أشادت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بالمضامين الصافية للرسالة وصنفتها ضمن اهتمام خادم الحرمين الشريفين بفلسطين وشعبها وفي إطار ما يبذله رعاه الله من جهود لرأب الصدع وتوحيد الصف بين الفصائل الفلسطينية.

وأكد الأمين العام للرابطة الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي أن ما ورد في هذه الرسالة يتوجب على الفلسطينيين الأخذ به خارطة للطريق السوي الذي تتطلع إليه شعوب الأمة الإسلامية.