السعودية: «الإغراق» عامل يقف أمام قيام صناعة «الإطارات» منذ أكثر 20 عاما

رجال أعمال لـ«الشرق الأوسط»: دراسات الجدوى تجمع على عدم قدرة المنافسة سعريا.. و«المواصفات» و«الجمارك» حلول ناجحة

قيام كيانات مختصة بصناعة الإطارات غير مجد في السعودية على الرغم من توفر رؤوس الأموال والمواد الأولية («الشرق الأوسط»)
TT

فتحت دعاوى الإغراق المتوالية على بعض المنتجات السعودية في عدد من الدول الآسيوية مؤخرا، ملف تعطل بعض الصناعات المجدية لقطاع الأعمال السعودي، تبرز أهمها صناعة الإطارات، وإنشاء شركات متخصصة مستفيدة من توفر المواد الأولية والوسيطة لديها، منها المواد البتروكيماوية.

ووفقا لعبد الرحمن الزامل، رئيس المجلس التنفيذي لمركز تنمية الصادرات السعودي، فإن الإغراق يمثل واحدا من أبرز العوامل التي أدت إلى تجنب المستثمرين السعوديين الدخول في هذه الصناعة، لا سيما مع وجود منتجات من الإطارات من جميع الدول، وخاصة آسيا، تملأ الأسواق السعودية.

وأضاف الزامل، الذي يقود مطالب قطاع الأعمال السعودي من المصدّرين حاليا بضرورة مواصلة تحرك الحكومة السعودية بالضغط على حكومتي الصين الشعبية ودولة الهند، لفك قرار فرض الضريبة الاحترازية التي فرضتها على بعض المنتجات البتروكيماوية السعودية في الوقت الراهن بدعاوى إغراق.

وذكر الزامل أن المستثمرين السعوديين أعدوا عشرات الدراسات للنظر في جدوى صناعة الإطارات، حيث أظهرت أن الصناعة يمكن أن تصبح إحدى أقوى الأنشطة التجارية المربحة، نتيجة حجم الاستهلاك الضخم في سوق إطارات السيارات بالمملكة.

وزاد الزامل بالقول: «الدراسات التي أجريت لأكثر من عقدين من الزمن جميعها أجمعت على أن الصناعة، وعلى الرغم من توفر جميع العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تحقيقها نجاحا باهرا، فإن إغراق السوق المحلية من الإطارات من جميع الدول العالمية، ومنها آسيا تعطل كل تلك المميزات وتهدد بفشل المشروع».

وقال الزامل: «20 عاما ورجال الأعمال والمستثمرون ووكلاء السيارات يرغبون في إقامة مشاريع لصناعة الإطارات، ولكنهم يدركون أن الأسعار الإغراقية المتوافرة من الواردات لا تجعل من المستثمر لديه رغبة في خوض غمار المغامرة».

ومعلوم أن حجم سوق الإطارات في السعودية كبير، حيث قدرت بعض الدراسات الأولية أن كمية الاستهلاك تتنامى سنويا وتبلغ حاليا قرابة 6.5 مليار ريال سنويا (1.7 مليار دولار) تشمل جميع أنواع وفئات الإطارات، وسط تزايد حضور الإطارات من دول شرق آسيا بشكل مكثف في الأسواق المحلية، بعد أن كان حجم السوق لا يتجاوز 2.5 مليار ريال في عام 2002.

وكانت مطالب قطاع الأعمال منذ فترة دعت إلى وجود تكتلات، من بينهم فهد بن محمد التميمي، أحد رجال الأعمال في المنطقة الشرقية المختصين في إطارات السيارات، حيث أكد في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» على وجود مقترحات بإنشاء مصنع للإطارات في السعودية شراكة بين 4 أو 5 موزعين، مع ضرورة عمل دراسة جدوى اقتصادية، موحيا بصعوبة توفر المواد الداخلة في تصنيع الإطارات، وضرورة الاعتماد على التعاون الفني مع أحد الأسماء الكبيرة في تصنيع الإطارات في اليابان، أو فرنسا، أو كوريا.

وترى الدراسات خارج السعودية أن المملكة تمثل إحدى الأسواق الاستهلاكية الضخمة التي ينتظر أن تكون فيها مصانع متخصصة في صناعة الإطارات، مع وجود حجم استهلاكي مع ما تتسم به سوق الإطارات في الدول العربية بالنمو المستمر، الذي يصل إلى 5 في المائة سنويا.

وأكدت الدراسة، حينها، أن المملكة في مقدمة الدول العربية استخداما للمركبات، حيث من المتوقع وصول عدد السيارات في الوطن العربي إلى 36 مليون مركبة عام 2010، في حين يتوقع أن تصل احتياجات الوطن العربي من الإطارات إلى نحو 45 مليون إطار عام 2010، وهو ما يزن نحو 900 ألف طن.

وأعلن أواخر العام المنصرم 2008، عن قيام شركة وطنية بدراسة خاصة لإنشاء مصنع لإعادة تدوير الإطارات المستعملة، بينما استطاعت في عام 2004 مجموعة من المستثمرين السعوديين والإيرانيين الحصول على ترخيص لإنشاء مصنع مشترك في مدينة الجبيل الصناعية، هو الأول من نوعه في السعودية لتصنيع الإطارات بمختلف أنواعها، باسم مصنع شركة «غولد استون» للإطارات السعودية، يبلغ إجمالي تمويله 700 مليون ريال (186.6 مليون دولار)، بطاقة إنتاجية قوامها 25 ألف طن سنويا من إطارات السيارات والمركبات والآلات الزراعية والإنشائية والحافلات والشاحنات.

وعلى الرغم من ذلك فإن الأنباء والمعلومات انقطعت بعد الإعلان عنها حتى اللحظة، بل إن مصادر قريبة أكدت لـ«الشرق الأوسط» عدم قدرة تلك الشركات والتحالفات الجديدة على الإنتاج، ومواكبتها للتطورات، ومنافستها للمنتجات المستوردة من الخارج، مفيدة أن مصانع أخرى حاولت التخصص في صناعة تلبيس إطارات الشاحنات والطائرات وباءت المحاولات بالفشل، لعدم قدرتها على المنافسة.

وأوضح الزامل في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن نتيجة كميات الإنتاج الكبيرة في العالم دعت الشركات العالمية المصنعة، لا سيما في دول كالصين وفرنسا وكوريا إلى التنافس على السوق السعودية، بل صارت تورد بأسعار رخيصة في وقت لا تفرض سوى 5 في المائة كجمارك لدخول تلك المنتجات.

وأفصح الزامل أن جميع الدراسات التي تمت توضح أن تكلفة الإنتاج في المراحل الأولى ستكون أكثر من تكلفة الكثير من الإطارات المستخدمة حاليا مع إغراق السوق بعشرات العلامات التجارية من جميع الدول، من بينها دول العالم الثالث. مفيدا أن الأمر مختلف في مصر، على سبيل المثال، حيث تثبت دراسات الجدوى نجاح مصانع، لوجود جمارك عالية مطبقة على استيراد الإطارات، لذا قيام مشروع استثماري في صناعة الإطارات «مجد».

ودعا الزامل إلى أن من بين العوامل التي ستدعم صناعة الإطارات في السعودية زيادة المواصفات ومتطلبات السلامة، مؤكدا أنه في حال فرض مواصفات صناعة وسلامة استخدام، لا سيما المتعلقة بدرجات تحمل الحرارة، فإن السعودية ستشهد قيام مصانع متعددة لصناعة الإطارات، حيث ستنكشف عشرات الواردات من الإطارات، وكذلك الأمر حين تطبيق نسب جمارك أعلى من الحالية، لتحفز على قيام الصناعة محليا.

ولفت الزامل إلى أن السعودية لا بد أن تكون المركز الإنتاجي للشرق الأوسط، لا سيما أن لديها كل المزايا من المواد الخام الأساسية والمنتجات الوسيطة والثانوية، البتروكيماوية كـ«الكاربون» و«كاربون بلاك».