إسلام آباد تؤكد مقتل بيت الله محسود زعيم طالبان باكستان

اجتماع سري لقيادات الحركة لاختيار خليفته.. وحكيم الله المتحدث باسمه الأكثر ترشّحاً

بيت الله محسود زعيم حركة طالبان الباكستانية في أحد لقاءاته النادرة مع ممثلي الإعلام (أ.ب)
TT

قال وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، إنه تسلم تقارير استخبارية تفيد بأن زعيم طالبان الباكستانية بيت الله محسود قد قتل في غارة صاروخية منتصف الأسبوع، وان موفدين حكوميين توجهوا إلى المنطقة للتيقن من صحة هذه الأنباء. وقال الوزير الباكستاني، في مؤتمر صحافي عقده في إسلام آباد أمس، انه «من اجل أن نكون متيقنين مائة في المائة، نحن ذاهبون إلى الموقع للتأكد». وأكدت مصادر في المنطقة أن محسود قد قتل بالفعل، ودفن في مكان غير بعيد عن موقع الغارة الصاروخية. من ناحية أخرى أعلن الناطق باسم البيت الأبيض، روبرت غيبس، أمس، أن الولايات المتحدة «لا يمكنها تأكيد» مقتل زعيم طالبان باكستان، بيت الله محسود، على الرغم من تأكيد مصادر متطابقة كثيرة خبر مقتله.

وصرح غيبس للصحافة «لا يمكننا تأكيد مقتله».

إلى ذلك قال مسؤول باكستاني، إن الأنباء التي تحدثت عن مقتل محسود مبنية على معلومات تم التقاطها ورصدها عبر وسائل اتصالات. وأكد مسؤولون باكستانيون وبعض سكان وزيرستان الجنوبية (شمال غرب)، معقل بيت الله محسود، أن الأخير قتل الأربعاء في هجوم شنته طائرة أميركية من دون طيار، وأودى أيضا بحياة زوجته الثانية. من جهته، قال وزير الداخلية الباكستاني، رحمن مالك، للصحافيين صباح أمس، إن السلطات الباكستانية لديها «معلومات» تفيد بمقتل محسود. وأضاف أن «الأمر الجيد هو أن هذه المعلومات تصدر عن جماعته»، لكنه استطرد قائلا «لا يسعني تأكيد (النبأ) طالما أنني لا املك أدلة دامغة». ووردت المعلومات الأولية في هذا الخصوص الأربعاء من واشنطن، حيث صرح مسؤول أميركي طالبا عدم كشف هويته، انه لا يوجد أي أدلة مادية بل «مؤشرات» تدل على مقتل محسود. وإذا تأكد نبأ مقتل محسود سيكون انتصارا لواشنطن، التي عرضت مكافأة قيمتها خمسة ملايين دولار؛ للقبض عليه حيا أو ميتا، في حين عرضت إسلام آباد مكافأة بـ615 ألف دولار.

وقال ضابط مخابرات في وزيرستان الجنوبية، إن جنازة محسود شيعت بالفعل، بينما نقلت وسائل إعلام باكستانية عن مصادرها الأمنية الخاصة قولها إن محسود توفي. وقال الضابط :«قتل مع زوجته ودفن في نارغوسي»، مشيرا إلى بلدة صغيرة على بعد نحو كيلومتر من موقع الهجوم الصاروخي، الذي يعتقد أن طائرة أميركية من دون طيار نفذته. وقال دبلوماسيون في إسلام آباد، إن وفاة محسود ستمثل انقلابا كبيرا لباكستان، لكن الكثيرين تشككوا في أن تساعد القوات الغربية التي تقاتل تمردا لطالبان في أفغانستان، حيث إن معظم تركيز محسود كان ينصب على مهاجمة القوات الأمنية الباكستانية. وقال البريجادير المتقاعد محمود شاه، الرئيس السابق لقوات الأمن في المناطق القبلية، إن وفاة محسود ستكون هزيمة كبيرة لطالبان. وأضاف، انه الرجل الوحيد الذي نظم حقا صفوف طالبان وحافظ على الوحدة بينها ودفع عملها إلى الأمام بالكثير من التفكير الاستراتيجي». وقالت مصادر مقربة من طالبان، إن قيادات الحركة تجتمع في مكان سري؛ لاختيار خليفة لمحسود، وذلك رغم أن طالبان لم تعترف حتى الآن بمقتل قائدها. وأكد مسؤولون في المخابرات وأقارب قي وقت سابق مقتل زوجة محسود الثانية في الضربة الصاروخية، التي استهدفت منزل والدها في منطقة قريبة من قرية ماكين في المنطقة القبلية بوزيرستان الجنوبية.

وحصل ضباط مخابرات على معلومات بأن قادة من عدة فصائل في طالبان يعتزمون عقد مجلس شورى في مكان ما بوزيرستان في وقت لاحق أمس.

وهناك تكهنات بأنهم سيختارون زعيما جديدا وطرحت أسماء حكيم الله محسود، ومولانا عظمة الله، وولي الرحمن كمرشحين محتملين. والأكثر ترجيحا لخلافة بيت الله محسود، هو حكيم الله محسود، وهو أحد أقارب بيت الله محسود وكان ناطقا رسميا باسمه. وقد أصبح بيت الله محسود البالغ من العمر 35 عاما، في السنوات الأخيرة العدو الأول في باكستان؛ لما نسب إلى حركته من اعتداءات عديدة أبرزها الاعتداء الذي أودى بحياة رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو في ديسمبر (كانون الأول) 2007. وتبنت حركة طالبان باكستان جزءا من الاعتداءات الانتحارية، التي أدمت البلاد منذ يوليو (تموز) 2007 (نحو ألفي قتيل). لكن الجيش الباكستاني الذي يخوض عمليات عسكرية ضد طالبان أيضا في شمال غربي البلاد في سوات يتردد في شن هجوم بري ضد محسود في معقله في وزيرستان الجنوبية، وهي منطقة قبلية نائية محاذية لأفغانستان يصعب السيطرة عليها وتتمتع بحكم شبه ذاتي.

أما الأميركيون الذين كانوا يركزون انتباههم حتى الآن على عناصر طالبان، الذين يهاجمون قواتهم في أفغانستان، فاقتنعوا على ما يبدو في الأشهر الأخيرة بضرورة القضاء على بيت الله محسود، الذي يعتبرونه حليفا أساسيا لتنظيم القاعدة في المناطق القبلية. وأصبحت الهجمات الصاروخية على المناطق التي يسيطر عليها محسود في وزيرستان الجنوبية أمرا متكررا، بعد أن أمرت باكستان بشن حملة ضد مقاتليه في يونيو (حزيران). وكان المبعوث الأميركي لباكستان وأفغانستان ريتشارد هولبروك قال أواخر يونيو (حزيران)، إن «بيت الله محسود هو من الأشخاص الأكثر خطورة وعنفا في المنطقة، والولايات المتحدة لم تركز الانتباه عليه بشكل كاف حتى وقت قريب جدا»، لافتا إلى أن تصفيته أصبحت هدفا استراتيجيا مهما بالنسبة لواشنطن.

ومنذ ذلك الحين اشتد الطوق على زعيم حركة طالبان باكستان، خصوصا مع قيام طائرات أميركية من دون طيار بقصف معقله في وزيرستان الجنوبية؛ مما أدى إلى مقتل أكثر من 150 من رجاله، وتصفية قسم كبير من حراسه بحسب مسؤولين باكستانيين. وفي الوقت نفسه، فان الاعتداءات الانتحارية التي كانت كثيرة في باكستان حتى أواخر يونيو (حزيران)، توقفت تقريبا. واعتبر الأخصائي في شؤون المناطق القبلية، رحيم الله يوسفزاي، أول من أمس، أن مقتله «سيشكل ضربة هائلة لحركة طالبان باكستان»، وسيؤدي إلى أزمة زعامة خطيرة، خصوصا وأنه «لا يوجد على ما يبدو زعيم آخر من وزنه».