السعوديون يشربون عشرات الأصناف من القهوة

استخدام الحبوب «العضوية» وإعادة تدوير الأكواب.. عاملان استجدا لتحديد خياراتهم

تزايد أنواع القهوة العربية والغربية في السعودية يشعل المنافسة بين المقاهي على جذب أكبر شريحة من الناس («الشرق الأوسط»)
TT

إذا أتيحت لك فرصة تذوق القهوة العربية في السعودية فلا تعتقد أن وصفة تحضيرها واحدة، فهناك القهوة القصيمية والقهوة الحساوية وأخرى حائلية، وبحسب كل منطقة سعودية تبرز الاختلافات بين فنجان قهوة وآخر. فيما يصاحب هذا التنوع منافسة أخرى من جانب أكواب القهوة الأميركية ووصفات التحضير الخاصة بالمقاهي، الأمر الذي ضاعف من أصناف القهوة التي يشربها السعوديون والتي تختلف بحسب مصدر الحبوب وطريقة حمصها وتحضيرها، كما أوضح إبراهيم الشبيلي مدير عام شركة «يوم القهوة» في الرياض.

ويؤكد الشبيلي لـ«الشرق الأوسط» أن عدد مسميات مشروبات القهوة التي تصل إلى المتذوق النهائي من 35 إلى 50 مشروبا، وأردف بأن المشهور منها في السعودية في حدود 15 نوعا، مضيفا: «غالبية رواد المقاهي يفضلون القهوة المقطرة (فيلتر كافي)، التي لها نكهات كثيرة». وأفاد بأن هذا التنوع في أصناف القهوة يعود بالدرجة الأولى إلى طريقة تحميصها، لكون تحميص البن يعد فنا في حد ذاته، موضحا أن درجة التحميص من غامق إلى فاتح تدفع إلى ولادة أصناف جديدة من القهوة وإن كانت الحبوب الخضراء المستخدمة جاءت من نفس البلد المنشئ.

ويشرح الشبيلي ذلك بقوله: «هناك الحبوب الكولومبية والعربية وأخرى من البرازيل وثانية من إندونيسيا وشرق آسيا، وتختلف طريقة تحميص كل واحدة، وهناك من يخلط الحبوب الكولومبية مع الصومالية، أو البرازيلية مع العربية»، موضحا أن هذه العملية تتم داخل شركات القهوة المتخصصة التي توزع حبوب القهوة النهائية على المقاهي. وتابع قائلا: «حبوب القهوة نوعان: (الأرابيكا) وهي الحلوة، وعادة تكون غالية ومنشؤها الأصلي في اليمن والصومال، وهناك (الروبوستا) ويمتاز طعمها بالمرارة وتأتي من البرازيل وكولومبيا وأحيانا من شرق آسيا».

وينتقل صراع أصناف القهوة المستوردة ليجتاح القهوة العربية، التي تحاول مؤخرا إثبات حضورها في بعض المقاهي السعودية، بعد إطلاق سراحها من (الدلة) وبروتوكول صبها، لتقدم جنبا إلى جنب مع «الكابتشينو» و«الموكاتشينو»، في حين توجهت فئة كبيرة من المقاهي السعودية إلى التسابق على ابتكار مشروب القهوة الخاص بها والذي يقدَّم بنكهات جديدة، أدخلت الموز والتوت وحلوى «المارشميلو» ضمن مكونات تحضير القهوة، حيث يؤكد الشبيلي أن فكرة المشروب الخاص وسيلة للترويج تجذب الكثير من الزبائن وتحظى باهتمامهم.

من جهتها، أوضحت فرح الغامدي مسؤولة التسويق لسلسلة مقاهي «أوتاكوشي» في المنطقة الشرقية، لـ«الشرق الأوسط»، أن معظم السعوديين أصبحوا يبحثون عن النكهات المبتكرة للقهوة، راجعة ذلك إلى رغبة الكثير منهم في تجديد المذاق بدلا من الأنواع التقليدية المعروفة، وعن المقومات الأخرى للانجذاب إلى مقهى دون آخر، تقول: «الناس وعيهم ازداد وصار هناك من يفضل مقهى معينا لأن أصحابه والعاملين فيه سعوديون»، في إشارة منها إلى دعم بعض الزبائن للعمالة الوطنية الذين تمكنوا من كسر الاحتكار الشرق آسيوي الذي استمر لسنوات في قطاع المقاهي.

وبدا من الطريف ما ذكرته الغامدي بشأن بعض الأفراد الذين يفضلون صنفا من القهوة دون آخر لكون حبوب البن فيه عضوية وفق ما يُعرف بـ«الأورغانك فود»، أو لكون المقهى يدعم التجارة العادلة، أو لكون الأكواب المقدمة فيه يعاد تدويرها وبالتالي تحافظ على البيئة، وهي عوامل تبدو جديدة في آلية تحديد خيارات السعوديين، وهو ما تؤكد الغامدي أنه يهم فئة الشباب بالدرجة الأولى، بقولها: «كنت في جامعة الملك فيصل بالدمام وفوجئت عندما سألتني إحدى الطالبات: هل هذا الشاي أورغانك 100 في المائة أم لا؟».

يأتي ذلك في حين تشير إحصاءات حديثة إلى أن السعودية تستورد سنويا نحو 18 ألف طن من البن، بقيمة تتجاوز 203 ملايين ريال (54.1 مليون دولار)، في حين يقدَّر حجم الاستهلاك العالمي من القهوة بنحو 400 مليار فنجان سنويا، الأمر الذي يجعلها سلعة دولية هامة، وتستمر أهميتها طوال العام. حيث يوضح ماجد محمد، البائع في أحد المقاهي بمدينة الدمام، أنه لا يوجد موسم محدد لسوق القهوة، قائلا: «في الشتاء يرتفع الطلب على القهوة الساخنة، وفي الصيف على المثلجة»، مما يراه دافعا لانتشار العديد من أكشاك القهوة على الطرق السريعة في الفترة الأخيرة.

هذا التنامي في صنع القهوة أسهم في دعم سوق المقاهي السعودية، التي يقدر حجمها بنحو 15 مليار ريال (4 مليارات دولار). في المقابل فإن المنافسة ازدادت شراسة بين المقاهي المحلية والأخرى ذات الشهرة العالمية كـ«ستاربكس» و«كوستا». وهنا تعود الغامدي لتؤكد أن التنوع وكثرة الخيارات جاء لصالح المستهلك وأنعش قطاع المقاهي ككل، مشيرة إلى قيمة هذه المقاهي لدى السعوديين بعد أن تحولت اليوم إلى جزء من حياتهم اليومية، ومكان لاجتماع عائلي، أو عقد الصفقات التجارية، أو للاستذكار، أو حتى لتصفح شبكة الإنترنت والاختلاء مع النفس.