مصر: «غرامات التأخير» تؤرق البنوك الإسلامية

البعض يعتبرها «ربا».. وآخرون يطالبون بصرفها في أوجه الخير

الغموض لا يزال يحيط بالطريقة التي تتصرف بها البنوك الإسلامية المصرية إزاء غرامات تأخير أقساط القروض وبطاقات الائتمان التي تعتبر من الأموال الربوية («الشرق الأوسط»)
TT

بينما تضم مصر ثلاثة بنوك إسلامية بجانب والمصرف المتحد الذي يسعى إلى تحويل كل تعاملاته إلى إسلامية، إضافة لبعض البنوك التجارية التي تقدم تعاملات إسلامية، فإن الغموض لا يزال يحيط بالطريقة التي تتصرف من خلالها تلك البنوك الإسلامية إزاء غرامات تأخير أقساط القروض وبطاقات الائتمان التي تعتبر من الأموال الربوية، والمحرم تضمينها في إيرادات البنوك الإسلامية.

وفيما يؤكد البعض أن تلك الأموال يجب توجيهها إلى أعمال الخير عبر صندوق متخصص في ذلك، فإن البعض الآخر يشير إلى أن تلك الأموال يمكن تضمينها في أرباح بعض البنوك الإسلامية في مصر بناء على قرار من الهيئة الشرعية في البنوك.

واعتبر خبراء الغموض الذي يحيط بتصريف أموال «تأخر سداد أقساط القروض» جزءا من الغموض الذي يحيط بالتعاملات الإسلامية ككل، لعدم وجود جهة رقابية على تلك البنوك التي تختلف تعاملاتها عن تعاملات البنوك التجارية الأخرى.

وقال خبراء إن على البنوك التجارية التي تقدم تعاملات إسلامية أن تفصح عن حجم التعاملات الإسلامية لديها، وما هي مصادر إيراداتها، وما حجم تلك الإيرادات، لكي تكون هناك رؤية واضحة لحجم التعاملات الإسلامية في مصر. وهاجم الخبراء أوضاع الصيرفة الإسلامية في مصر، ووصفها محمد الدقدوقى المدير العام بالبنك الوطني المصري «بالمتجمدة» منذ أزمة شركات توظيف الأموال في مصر، مشيراً إلى أن مصر كانت رائدة في التعاملات الإسلامية إلا أن دول الخليج والدول الأوروبية والآسيوية سبقتها بكثير، وأكد في حديثه مع «الشرق الأوسط» إلى افتقار مصر للكثير من القيادات والخبرات في هذا المجال.

ويشير عبد الحليم أبو موسى محافظ بنك فيصل الإسلامي إلى أن أموال الغرامات والتأخير في مصر يخضع تصريفها إلى الفتوى الصادرة من الهيئة الشرعية التابعة لكل بنك.

وأضاف أن بعض البنوك تُضَمن أموال الغرامات إلى إيراداتها والبعض الآخر يستخدمها فقط كأداة لترهيب العميل لكي يقوم بدفع الأقساط المستحقة عليه ولا يضمها للأرباح، في حين تقوم بعض البنوك بتحصيلها و صرفها في أعمال الخير.

وأشار أبو موسى إلى أن البنوك الإسلامية تتجه في العادة إلى أخذ غرامات من العميل في حالة تعنت العميل عن دفع الأقساط المستحقة عليه من القرض، وخاصة في حالة اكتشاف أن سمعة العميل الائتمانية جيدة (يقوم بتسديد أقساط القروض المستحقة عليه لدى بنوك أخرى بانتظام).

وبحسب موسى، فإن غرامات السداد في مصر أكبر بكثير من دول الخليج التي يحرص عملاؤها على السداد بأي طريقة كانت للحفاظ على سمعتهم.

يؤكد محمد الدقدوقى أنه لا يجب تضمين غرامات السداد في أرباح البنوك لأنها تعتبر أموالا ربوية، ويجب وضعها في صندوق يتولى صرف تلك الأموال في أعمال الخير. وأشار إلى أن كل بنك له هيئة شرعية خاصة لها أسس وقوانين ولوائح، تنظم تعاملاته، وأكد أن الأهم من ذلك هو وجود لائحة عامة تضع الأساسات والقواعد لتلك الهيئات الشرعية التابعة للبنوك الإسلامية، وتتولي عملية تنميط الفتاوى وجعل أغلبها في قالب واحد لكي تسير عليه جميع البنوك التي تقدم تعاملات إسلامية.

وأشار إلى اقتراح سبق طرحه بإنشاء هيئة شرعية واحدة تتولى الرقابة على الهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية تتبع الغرفة الإسلامية التي يرأسها الشيخ صالح كامل، إلا أنه لم يُفعل حتى الآن، معتبراً هذا جزءا من الجمود الذي أصاب الصيرفة الإسلامية في مصر. وكان خبراء في المصرفية الإسلامية قد دعوا في وقت سابق إلى أهمية وجود لائحة داخلية في البنوك الإسلامية، توضح كيفية توجيه ريع غرامات تأخير سداد أقساط القروض وبطاقات الائتمان، لأوجه الخير والبر وآلية توزيعها. وقالوا في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» بضرورة استحداث إدارة رقابة لمراجعة عمليات صرف المبالغ المحصلة من غرامات التأخير، وضمان عدم دخولها ميزانيات تلك البنوك وعدم صرفها لصالح أنشطتها الدعائية والإعلامية. وتواجه المصارف الإسلامية بعض الانتقادات المتعلقة بالشفافية والإفصاح حول آلية صرف الأموال الخبيثة، أو ما يعرف بالمكاسب غير المشروعة، التي لا تدخل في حسابات البنك الإسلامي. وتتمثل المكاسب غير المشروعة في غرامات التأخير التي تفرضها البنوك الإسلامية على بعض العملاء، الذين وقعوا معها عقود مرابحة أو إجارة بغرض الحصول على تمويل، أو لجوء المصارف الإسلامية إلى استغلال حساب المكاسب غير المشروعة في الصرف على مصالح المصرف، سواء عن طريق رعاية الندوات والمؤتمرات أو عن طريق الاستفادة من مبالغ هذا الحساب في برامج التسويق والترويج والإعلام. وأمام ذلك فإن كثيرا من المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية التي لديها فروع في المصرفية الإسلامية، تسعى بين فترة وأخرى للإعلان عن رعايتها ودعمها لبعض الفعاليات والمؤتمرات، وهذا الدعم يأتي في الغالب من الأموال المستقطعة من (الكسب غير المشروع). وفي الوقت نفسه فإن الهيئات الشرعية تشدد على ضرورة أن يكون صرف هذه المبالغ في أوجه الخير والبر، التي قد لا يكون من ضمنها الرعايات والدعاية والإعلام. ويرى بعض الخبراء أن الهيئات الشرعية تلزم البنوك الإسلامية بتوضيح مصدر الأموال وجهات صرفها، وأن كثيرا من علماء ومشايخ الوقت الحاضر أجازوا للبنوك فرض غرامات تأخير على العملاء المتهاونين في التسديد.

وأضافوا أن الهيئات الشرعية اشترطت ألا تدخل المبالغ المتحصلة من غرامات التأخير وغيرها في حسابات وميزانية البنك الإسلامي أو في أي مصلحة للبنك، وأنها تدقق في هذه المبالغ والأوجه التي صرفت فيها، نافيا أن تكون الهيئات الشرعية متهاونة في هذا الجانب مع إدارة المصرف الإسلامي. كما أوضحوا أن هناك تعاملات تحصل بين المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية، وأن بعض هذه التعاملات يحصل من ورائه مبالغ كفائدة للبنك الإسلامي، مفيدا أنه يحق للبنوك الإسلامية أن تحصل على هذه الفوائد بشرط أن تصرف في أوجه الخير والبر. وأجمع خبراء في المصرفية الإسلامية، على أهمية وجود لائحة داخلية في البنوك الإسلامية توضح كيفية توجيه ريع غرامات تأخير سداد أقساط القروض وبطاقات الائتمان، لأوجه الخير والبر وآلية توزيعها.