الصكوك عود على بدء

TT

كنت في حديث هاتفي مع أحد الإخوة، حيث تحدث معي عن المشاريع التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في مجال البنية التحتية، التي بلغت نحو 300 مليار ريال (80 مليار دولار) حتى اليوم، فيما تعتزم المملكة إطلاق المزيد من المشاريع في الخمس سنوات القادمة، وبمبالغ قد تتجاوز الخمسة ترليونات ريال (1.33 تريليون دولار). وذكر أنها أي هذه المشاريع يمكن أن تكون وسيلة لتطوير سوق الصكوك في المملكة، وتمنى علي أن أفرد هذا الموضوع بمقال، إلا أنه بالرجوع لضبط مقالاتي التي نشرت في هذه الزاوية، وجدت أنني قد تطرقت لهذا الأمر في الكثير منها. حيث إنني من المهتمين بهذه الأداة وتطويرها، ومحاولة المساهمة في لفت النظر إليها، فكتبت في هذه الزاوية في 5 سبتمبر 2006 م مقالا بعنوان «صكوك الإجارة وتمويل توسعة (الخطوط الحديدية)» ذكرت فيه أنه يمكن للدولة استخدام صكوك الإجارة لتمويل مشروع توسعة الخطوط الحديدية، وهي إحدى مشاريع البنى التحتية المهمة، ثم كتبت مقالا آخر نشر في هذه الزاوية بتاريخ 13 مايو 2008، بعنوان «الصكوك إدارة لإدارة السيولة» حاولت من خلاله لفت انتباه الجهات الرقابية إلى أهمية الصكوك في مجال إدارة السيولة في أسواق دول الخليج، وضربت مثالا بالسوق السعودي، الذي يتعرض لضخ سيولة هائلة من قبل الدولة عبر المشاريع العملاقة التي تنفذها. وفي 20 مايو 2008 كان عنوان مقال هذه الزاوية هو «صكوك المشاركة أداة لتمويل مركز الملك عبد الله المالي» حيث اقترحت في هذا المقال على المؤسسة العامة للتقاعد، أن تقوم بإصدار صكوك مشاركة لتمويل إنشاء مركز الملك عبد الله المالي، وبينت فيه أهمية مثل هذا الإصدار لجميع الأطراف من مصدر وحملة صكوك وسوق المالية، وفي 26 مايو 2009 كان عنوان مقال هذه الزاوية هو «عصر الصكوك» تحدثت فيه أن سوق الصكوك مقبلة على طفرة غير مسبوقة، وبينت أسباب ذلك، ومنها دخول المملكة كلاعب رئيس في هذه السوق، وذلك بإطلاقها للسوق الثانوية لتداول الصكوك. إلا أن جميع هذه الاقتراحات والمبادرات لم تلق آذانا صاغية بعد من قبل المعنيين بها، مع مسيس الحاجة لها نظرا لحاجة الدولة لضمان مصادر تمويل مستقلة لمشاريعها المستقبلية، بعيدا عن إرهاق ميزانية الدولة أو تأثر استمرارية هذه المشاريع بتقلبات أسعار النفط، بحيث يساهم المجتمع بجميع مكوناته من أفراد ومؤسسات في تمويل هذه المشاريع. كما أن هذه الأداة قادرة على اجتذاب الاستثمارات الخارجية الباحثة عن الفرص الآمنة، وذلك لما تتمتع به المملكة من تصنيف ائتماني قوي يضمن تغطية أي إصدار تقوم الدولة بإطلاقه، حيث تتمتع الصكوك السيادية بجاذبية أكثر لدى المستثمرين.

لقد عنيت هذه الزاوية عناية خاصة بالصكوك، فحاولت المشاركة في تقويم التجربة ولفت النظر للمخاطر وجوانب القصور التي تعاني منها هذه الصناعة، حيث كتبت فيها عن مخاطر الصكوك وعن الخلاف الفقهي وأثره على سوق الصكوك، وأهمية تفريق مؤسسات التصنيف الائتماني بين الصكوك والسندات عند تصنيفها للصكوك والتوريق أهميته ومخاطره، وعن أهمية وجود تشريعات خاصة بالصكوك بحيث تحمي المصدر وحملة الصكوك والسوق، التي بلا شك ستدفع بالسوق للنمو وتساهم في استقراره.

يجب على المعنيين في دول الخليج، وبالأخص في المملكة العربية السعودية، أخذ زمام المبادرة للاستفادة من هذه الأداة، التي تسعى جميع الدول الغربية اليوم للاستفادة منها في استجلاب الأموال للتغلب على آثار الأزمة العالمية، فها هي فرنسا تسعى لتبني تشريعات خاصة بالصكوك، وهي التي أغلقت أبوابها في وجه الصيرفة الإسلامية ردحا من الزمن، محاولة منافسة بريطانيا التي سبقتها في هذا الجانب. كما أن أستراليا تسعى للحاق بالركب هذا في أوروبا، أما في آسيا فنجد أن المنافسة على أشدها بين ماليزيا وسنغافورة وهونغ كونغ، للفوز بالحصة الأكبر من أموال هذه الصناعة، فيما دول الخليج تمشي الهوينا كما يمشي الوجل الوحل، وكأن الزمن قد توقف لديها فليست في عجلة من أمرها، وكأن هذه المنافسة لا تعنيها في شيء، فلا تشريعات خاصة بهذه الأداة، ولا إصدارات سيادية، مع أن الجميع يتنافس للفوز بالحصة الأكبر من أموالها لتمويل مشاريعهم في البنى التحتية والصناعية والتجارية، والمساهمة في تقليل البطالة وتحقيق الرفاهية لشعوبها، وإن لم تتدارك دول الخليج هذا الموقف فتقوم بسن التشريعات المناسبة، وإصدار الكثير من الصكوك السيادية فستجد أن أموالها قد هاجرت إلى هذه الأسواق في الوقت الذي هي فيه في أمس الحاجة إليها، لدفع عجلة التنمية فيها وتمويل مشاريع بناها التحتية، والمساهمة في خلق فرص العمل لأبنائها.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]