بعد 40 عاما هل لا تزال روح وودستوك حية؟

بعضهم انضم للحزب الجمهوري وبدلا من تناول المخدرات يتناولون الفياغرا ويتساقط شعرهم

الحفلة التي شكلت في الواقع النفس الاخير للثورة الثقافية التي شهدتها الستينات ولم تشكل ابدا بزوغ فجر جديد (أ.ف.ب)
TT

الهيبيون في وودستوك رقصوا في الوحول وغنوا على إيقاع أنواع من موسيقى معادية لمؤسسات الدولة تطالب بكل أنواع التحرر. لكن بعد ذلك قصوا شعرهم الطويل وبدأوا يعملون والتحقوا بالمؤسسات الخاصة والحكومية.

بالنسبة للأشخاص الذين شاركوا في وودستوك بين 15 و18 أغسطس (آب) 1969 شكلت حفلة الروك التي نظمت في الواقع في بلدة بيثيل شمال نيويورك، وعدا بحقبة جديدة مشرقة.

لكن اليقظة كانت صعبة ومع مرور أربعين عاما يصعب معرفة ما إذا كانت وودستوك قد غيرت شيئا بالفعل.

ويعتبر ريتش هانلي أستاذ الإعلام في جامعة كوينيبياك، أن الحفلة شكلت في الواقع النفس الأخير للثورة الثقافية التي شهدتها الستينات ولم تشكل أبدا بزوغ فجر جديد. ويقول لوكالة فرانس برس «انتهى كل شيء في عام 1971. فالتظاهرات كانت أقل بكثير وجيل وودستوك اضطر إلى إيجاد عمل والعمل وضع حدا للحفلة».

ويضيف هانلي ساخرا «اليوم الهيبيز أصبحوا جميعا جمهوريين، وبدلا من تناول المخدرات يتناولون الفياغرا ويتساقط شعرهم».

كانت ميشيل دين «فتاة لطيفة وحسنة السلوك» حين وصلت إلى مهرجان وودستوك للروك في عام 1969، لكنها لم تبق كذلك لفترة طويلة... ذلك أن أول من استقبل هذه الطالبة البالغة 17 عاما كان «شابين وفتاة خرجوا عراة من بحيرة».

مر أربعون عاما على هذا الحدث ولا تزال ميشال دين الموظفة التقنية لدى شركة «آي بي إم» راهنا (57 عاما) مدهوشة: «يا إلهي! لم نكن معتادين في تلك الحقبة على هذا النوع من المشاهد».

ثم وصلت الجماهير التي قارب عددها نصف مليون شخص فلم يصمد الحاجز الأمني طويلا أمامهم، وعلى مدى ثلاثة أيام رقص هؤلاء والكثير منهم عراة على وقع موسيقى الروك وتعاطوا الكثير من المخدرات.

وأشارت دين، التلميذة في المدرسة الثانوية آنذاك، «لم يفارقني الذهول طوال المهرجان». وهي لا تزال مدهوشة حتى بعد مرور أربعين عاما على الحدث.

وشكل مهرجان وودستوك بالنسبة إلى المشاركين فيه حينذاك لحظة سحرية: تم كسر كل القواعد، وتولى الهيبيون زمام الأمور في حين كان عمالقة في مجال غناء الروك أمثال جيمي هاندريكس في ذروة عطائهم.

قال ميل لورانس أحد منظمي المهرجان الذي أقيم على بعد مئات الكيلومترات من نيويورك، إن وودستوك كانت معجزة حقيقية.

كاد المهرجان أن يفشل بعدما سحب سكان بلدة وولكيل القريبة من مدينة وودستوك الصغيرة، حيث كان سيقام المهرجان، موافقتهم على انعقاده.

بيد أن المنظمين وجدوا موقعا جديدا غير بعيد عن وودستوك، في مزرعة في بيثيل. وكان أمامهم أقل من شهر لتجهيز المسرح والصوت وتأمين الأمور اللوجستية فضلا عن الكهرباء، لاستقبال عشرات الآلاف من الأشخاص.

وقال لورانس «لم يكن أمامنا سوى 28 يوما من أجل تنظيم الموقع، بينها عشرون يوما انهمرت خلالها الأمطار وعلى الرغم من نفاد المال الذي في حوزتنا أكملنا التحضيرات».

هذه كانت بداية التحديات بالنسبة إلى المنظمين الذين توقعوا حضور مائة ألف شخص غير أنهم واجهوا أربعة أضعاف هذا العدد في المحصلة.

حين سقط الحاجز الأمني أضحى المهرجان حدثا مجانيا. اكتظت الطرق بالسيارات إلى حد اضطرار سائقيها إلى التخلي عنها، فيما لم يكن عدد المراحيض كافيا وكذلك الأمكنة المتوافرة للنوم. وروى ميل لورانس «وفي اليوم الثاني نفد الطعام».

إزاء الفوضى التي بدأت تظهر، تكاتف المنظمون غير المهيئين بالشكل اللازم وقادة الثقافة المضادة وأصحاب النفوس المحافظة في تلك المنطقة مع حشود محبي الروك من أجل إنجاح الحدث.

قدم الأهالي وجبات الطعام وحصل المنظمون على الصحون البلاستيكية وسمح ذلك بتقديم «الفطور الشهير لأكثر من 400 ألف شخص قابعين في أسرتهم» في حقل غمرته مياه الأمطار.

وأشارت ميشال دين إلى أن المشاركين أثبتوا أنهم يتمتعون بروح هيبية حقيقية، ذلك أنهم تقاسموا كل شيء من دون إثارة المشاكل. وأوضحت حين كان يبدأ اثنان في العراك كان الناس «يحوطونهم فيعدلان عن ذلك ويتعانقان».

وروى الشرطي السابق روبرت فينك، 73 عاما، ما جرى قائلا: كان علي الالتحاق آنذاك بمقري المستحدث في إحدى المقطورات. حين وصلت إلى المكان كان قد فات الأوان. لم يكن في الإمكان الدخول إلى مقري وتعذر على السائقين إيجاد مكان يركنون فيه سياراتهم».

وعند سؤاله «لو تمكنت من الوصول يومئذ، كيف كنت لتوقف زحف عدد من الناس يوازي عدد سكان مدينة صغيرة؟» أجاب «كان الأمر مستحيلا، كانت لحظة خارجة عن أي سيطرة».

وبالنسبة إلى المنظم ميل لورانس «من غير الممكن التخطيط لحدث مماثل. يجب أن يكون ثمرة سلسلة من الظروف التي تتقاطع بشكل غامض».

وفي الحقيقة فقد لحق الواقع سريعا بأبناء وودستوك. ففي ديسمبر (كانون الأول) 1969 بعد أقل من أربعة أشهر على الحفلة الأسطورية نظمت حفلة مماثلة في التامون سبيدواي في كاليفورنيا انتهت في فوضى عارمة تخللتها مشاجرات دامية واستهلاك مفرط للمخدرات. ولم تكن بقية العالم في حال أفضل كذلك. فرغم التظاهرات المناهضة للحرب لم تنسحب القوات الأميركية من فيتنام قبل عام 1973 وبعد عام على ذلك غادر ريتشارد نيكسون البيت الأبيض جراء فضيحة ووترغيت.

ويقول ويد لورينس مدير متحف وودستوك في بيثيل لوكالة فرانس برس «أظن أن الناس فقدت أوهامها. يبدو أن مرحلة السلام والحب قد ولى عليها الزمن».

فجزء كبير من المكونات التي جعلت من وودستوك أسطورة بات باليا في المجتمع الحالي الأقل براءة.

لكن هيبيز سابقين أمثال المصور مايكل مرفري الذي يبلغ السادسة والخمسين راهنا لا ينبذ شيئا من شبابه. ويقول مبتسما وهو يجوب أروقة المتحف وقد تملكه الحنين «السلام والحب والسعادة، لقد ناضلنا في سبيل هذه المبادئ».

لكن باستثناء الموسيقى والسراويل الواسعة الرجلين يبقى إرث وودستوك ضئيلا. وللمفارقة فإن تأثير هذه الحفلة المباشر كان هيمنة أوساط الإنتاج الموسيقي على حفلات الروك التي حولت إلى آلة لدر الأموال.

ويؤكد ستان غولدشتاين أحد منظمي هذه الحفلة التاريخية أن «وودستوك غيرت وجه صناعة الموسيقى. فللمرة الأولى أدركنا أن الفنانين بإمكانهم ليس فقط جذب الجماهير بل الجماهير والأموال».

لكن في غضون أربعين عاما غابت كليا تقريبا روح وودستوك وهي مزيج من السلمية والنضال السياسي الذي يطلق عليه غولدشتاين اسم «الوعي الهيبي».

وتقول سارة دونكان البالغة العشرين والتي تزور المتحف مرتدية قميصا هيبيا بامتياز، إن جيلها سيكون عاجزا عن تنظيم وودستوك جديدة.

وتؤكد «في تلك الفترة كان يكفي أن تكون حرا ومنفتح الذهن. لا أرى أن أصدقائي يمكنهم القيام بذلك. وتختم ساخرة «اليوم الناس يعبرون عما يفكرون به ليس بالتظاهر أو عبر الفن. بل عبر الرسائل الإلكترونية».