من ذاكرة المام ـ رئيس ـ طالباني: جمعت بين دراسة القرآن والحديث النبوي والمدرسة الاعتيادية.. وتركت الشيوعي لأنهم لا يعترفون بالكرد كأمة

الرئيس العراقي يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن ذكرياته.. ويكشف عن ظروف انتمائه للحزب الديمقراطي الكردستاني (الحلقة 3)

طالباني صبيا في مدينة كويسنجق عام 1946 («الشرق الأوسط»)
TT

كان مقدرا للرئيس جلال طالباني أن يكون أحد شيوخ التكية الطالبانية، مثلما كان أجداده ووالده، حسام الدين طالباني، ولو أنه لم يسلك منذ طفولته طريق السياسة، إذ تمكن من إدارة دفة سفينة حياته بنفسه ومنذ طفولته نحو عالم آخر. فهو المولود عام 1933، نشأ في بيت متدين ووسط عائلة متدينة، وترعرع بين جدران التكية الطالبانية في مدينة كويسنجق، التي كان يشرف عليها والده، متعلما، كتلميذ، أصول الدين وحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والفقه الإسلامي باللغتين، العربية والكردية.

حدث ذلك إلى جانب دراسته الاعتيادية في مدرسة كويسنجق الابتدائية الأولى، ومترددا على مكتبات هذه المدينة التي تبعد مسافة ساعة ونصف الساعة عن مركز السليمانية، المدينة التي عرفت باعتبارها واحدة من ثلاث مدن اشتهرت، ومنذ وقت مبكر، بالثقافة والأدب والسياسة والروح الثورية، وعندما كان على طالباني أن يحسم أمره وأمر مستقبله فيما بين أن يبقى تلميذا في المدرسة الدينية في التكية ليرث «المشيخة» الدينية عن والده ويواصل طريق أجداده، لا سيما وهو الولد الوحيد للعائلة، ليحفظ للتكية اسمها، كما كانت والدته تحثه في هذا الاتجاه وتريد، أو أن يمضي مبكرا للغاية في طريق العمل السياسي، فإنه اختار بلا تردد الطريق الثاني.

في هذه الحلقة من ذكرياته التي يسردها لـ«الشرق الأوسط» يخوض الرئيس طالباني المنابع الأولى في حياة طالباني، عائدا إلى العائلة وجذورها، وإلى بدايات الوعي السياسي الذي جاء، مغايرا لدراسته وبيئته الدينية، وعيا ماركسيا، يساريا، ومذ أول كتاب سياسي يقرؤه.

في اليوم التالي لوصولنا إلى مدينة السليمانية، لم نتمكن من لقاء الرئيس طالباني، حيث أمضى أول أيامه في مدينته في رئاسة بعض الاجتماعات السياسية للاتحاد الوطني الكردستاني، لينتقل بعدها بيومين إلى منتجعه في دوكان، فهناك له بيت بسيط يطل على بحيرة دوكان، تلك البحيرة الساحرة بزرقة مياهها في أحضان الجبال المحيطة بها، إذ تشكل وديان مجموعة الجبال المتصلة مع بعضها خزان مياه طبيعي أنشئ عليه سد سمي سد دوكان.

اتفقنا، وبمقترح منه أن أبقى هناك قريبا منه، نتحين الفرص المتاحة من وقته لإجراء الأحاديث التي تتعلق بتاريخه وذكرياته، وإن كان الرئيس طالباني قد اختار أن نبدأ مع تاريخه السياسي، فإننا فضلنا أن يتسلسل النشر بدءا بتاريخه العائلي كي لا نضيع على القارئ خيط نسيج هذه الذكريات.

ينحدر جلال حسام الدين طالباني من عائلة متدينة (دينية)، ويقول: «كان والدي مرشد التكية الطالبانية في كويسنجق، وطالباني عائلة وليست عشيرة، عائلة تنتمي إلى عشيرة (زنكنة) في كركوك، ورأس هذه العائلة شخص اسمه ملا محمودي زنكنة، وكان يعيش في قرية اسمها طالبان تقع شرق جمجمال، وكان ملا ذكيا ونشطا بحيث إن رئيس عشيرة زنكنة زوجه من ابنته فصارت عنده مكانة اجتماعية كبيرة إضافة إلى مكانته الدينية».

صادف في ذلك الوقت أن وصل إلى قرية طالبان أحد شيوخ الطريقة «القادرية» المشهورين (نسبة إلى الشيخ عبد القادر الكيلاني الذي يقع ضريحه بجانب الرصافة من بغداد)، وهو الشيخ أحمد الهندي. ويقول طالباني: «عندما وصل الشيخ أحمد الهندي من الهند عن طريق إيران، وكان أحد المشهورين باعتباره من أتباع الطريقة القادرية، وهو في طريقه إلى بغداد لزيارة مرقد الكيلاني، مر بقرية طالبان ونزل ضيفا عند ملا محمودي زنكنة، وقد أعجب بالملا زنكنة وطروحاته فسماه خليفته، ومنذ ذلك الوقت أصبح الملا زنكنة من أتباع الطريقة القادرية. ثم رزق الملا زنكنة بولد سماه أحمد، تيمنا بالشيخ أحمد الهندي، ولأن أحمد ولد بقرية طالبان سمي الشيخ أحمد طالباني». من هذا المصدر اشتق اللقب، ويواصل الرئيس موضحا: «وعندما كبر الشيخ أحمد وتزوج رزق بأحد عشر ولدا، انتقل بعدها إلى كركوك وبنى هناك تكية طالبانية، وعندما كبر أولاد الشيخ أحمد درسوا الدين الإسلامي وحصلوا على شهادات علمية دينية، ثم توزعوا في مناطق كردستان العراق وإيران لنشر الطريقة القادرية، ومنهم من سافر إلى خانقين، وكفري (داخل العراق)، ومنهم من رحل إلى منطقة سردشت في إيران، وهو جدنا الشيخ غفور طالباني الذي ننحدر نحن منه»، وعندما بقي جده طويلا في إيران طلب الأتراك من شيخ الطريقة القادرية في كركوك عودته (الشيخ غفور طالباني) من إيران كي لا يبقى تحت النفوذ الإيراني، فعاد».

كان هناك في مجلس الشيخ في كركوك بعض أغوات الحويزة، وفي كويسنجق توجد عائلتان للأغوات، العائلة الحويزية والعائلة الغفورية، وعندما كان أغوات الحويزة يذهبون إلى كركوك فإنهم ينزلون في التكية الطالبانية كضيوف، إذ لم تكن آنذاك هناك فنادق، وكويسنجق كانت تابعة لكركوك، لهذا، ولدى وجود أحد أغوات الحويزة في مجلس الشيخ طالباني في كركوك طلب منه إرسال أخيه إلى كويسنجق على أن يهيئ له الأغوات تكية خاصة به، ويضيف الرئيس: «بالفعل جاء جدي الكبير إلى كويسنجق وبنى هناك تكية طالبانية لا تزال موجودة حتى اليوم في كويسنجق». وعندما زرنا التكية في كويسنجق وجدناها مثلما كانت، بسيطة، تضم غرفا للدرس ومضيفا لاستقبال الضيوف ومسجدا للصلاة.

نتتبع مع الرئيس طالباني الطريق إلى منبعه الأول، فيقول: «أما والدي فقد كان في قرية كلكان، حيث ولدت عام 1933، يعمل في الزراعة، وعندما توفى عمه الشيخ عز الله الذي كان مرشد التكية، تم انتخابه من قبل العائلة لأن يحل محل عمه ويصبح مرشدا للتكية الطالبانية في كويسنجق، وقد صدرت بحقه إرادة ملكية لأن يكون في هذا الموقع، كما كان معمولا به وقتذاك، ولا تزال هذه الإرادة موجودة لدينا ومحتفظين بها، بناء على ذلك انتقل والدي من قرية كلكان إلى مدينة كويسنجق، وكان عمري أربع سنوات، وهكذا ترعرعت في هذه المدينة وأنهيت فيها دراستي الابتدائية والثانوية».

شكلت مدينة كويسنجق أهم العلامات في تاريخ ومستقبل طالباني، فهذه المدينة الوادعة، والمطمئنة بفيء الجبال والبساتين، لا تزال أزقتها الضيقة تحتفظ بخطوات ذلك الطفل الذي كان يشع ذكاء وحضورا، على حد وصف الدكتور فؤاد معصوم. هذه المدينة، بناسها وتكيتها ومدارسها ومكتباتها ومقاهيها هي التي صقلت شخصية الطفل والفتى الذي سيكون له في المستقبل القريب شأن سياسي متميز. ويقول الرئيس: «أنا مدين، في الحقيقة، لهذه المدينة وأهلها بتربيتي وخاصة السياسية والثقافية، لأنها كانت مدينة الأفكار الجديدة والنشاطات السياسية والثورية، كما أنها كانت مدينة الأدب والإبداع الكردي، فمثلا من الشعراء الكرد المعروفين الذين ينحدرون منها هو الشاعر حاجي قادر الكووي (نسبة إلى كويا، مختصر اسم مدينة كويسنجق)، الذي كان أول من قال القصائد الوطنية الكردية باللهجة السورانية (لهجة كردية إلى جانب البهدينانية)، وله تمثال يذكر به وبإنجازاته موجود في كويسنجق، كما كانت عائلة جلي زادة، من أشهر العوائل الدينية، ومقرهم موجود في كويسنجق، وكان مسجدهم بمثابة جامعة كبيرة يأتي إليها الطلبة من مختلف أنحاء كردستان للدراسة فيها، وكل من طلب العلم. كانت كويسنجق عبارة عن مركز أدبي وديني إسلامي وسياسي، إضافة إلى أن مشاعر أهالي هذه المدينة وطنية وثورية، وبعد الحرب العالمية الثانية سادت فيها الأفكار الاشتراكية، واصطبغت باليسارية والماركسية، وأنا فخور أني تربيت بهذه المدينة وأسمي نفسي تلميذ مدرسة كويسنجق الوطنية».

مثل هذه الأجواء التي نشأ فيها طالباني، وخاصة الأجواء الدينية التي تنتمي إليها عائلته وبيئته الأصلية كانت من الممكن أن تجعل منه رجل دين أكثر مما تجعل منه رجل سياسة؟

ويقول: «نعم لهذا والدتي (رحمها الله، رحمها الله) كانت تنصحني دائما وتقول لي: ابني.. يجب أن تدرس في المدارس الدينية وليس في المدارس الاعتيادية حتى تكون ملا ورجل دين وتمسك المشيخة والتكية. وأنا كنت أتردد دائما منذ طفولتي على التكية وباستمرار حيث كانوا يحفظوننا القرآن ويدرسوننا الفقه الإسلامي، وكنا نصوم ونصلي منذ طفولتنا، لكن مع ذلك فإن الجلسات التي كانت تعقد في التكية خلال أماسي وليالي شهر رمضان، وكذلك في ليالي الأشهر الأخرى تدور خلالها نقاشات وأحاديث عن الحرب العالمية الثانية التي كانت شاغلة العالم، وأتذكر.. كنت طفلا في مقتبل عمري، أنه عندما حدث العدوان الألماني على الاتحاد السوفياتي، وكنت أجلس هناك أستمع لأحاديث الكبار، ومنهم وكيل قائمقام كويسنجق، الشيخ فاضل طالباني، وهو من كركوك، وكان أيضا مدير ناحية طقطق، وكان رجلا مثقفا وميوله يسارية. قال: هذه بداية نهاية ألمانيا، فكما اندحر نابليون في موسكو فسوف يندحر هتلر هناك أيضا. وقد بقيت هذه الملاحظة في ذهني وأتذكرها جيدا، هذا نموذج للأحاديث التي كانت تدور في مجلس والدي في التكية الطالبانية، إضافة إلى أحاديث وقصص ونقاشات عن ثورة بارزان (ملا مصطفى بارزاني)، وأنا أجلس أستمع لكل هذه الأحاديث، لهذا كان تأثير التكية كبيرا علينا، ومزدوجا من ناحيتين، دينية ووطنية (سياسية)، وأثرت في وعينا المبكر وتربيتنا الوطنية، كما أثرت الأحاديث والدروس الدينية كثيرا في تربيتنا وثقافتنا، حيث كنا ندرس ونحفظ القرآن الكريم، باللغة العربية طبعا، ودروسه والفقه والأحاديث النبوية، التي كنا نحفظها بالعربية ويترجمون شرحها لنا باللغة الكردية، وهذا ما هيأني لأن أتعلم العربية بسرعة وبسهولة».

التكية الطالبانية هيأت جلال طالباني لأن يستوعب الدرس السياسي مبكرا جدا، ويقول: «في عام 1945 كنت طالبا في مدرسة كويسنجق الابتدائية الأولى، تلك السنة كانت سنة غليان في كردستان، فقد قامت في كردستان العراق ثورة ملا مصطفى بارزاني الثانية، وفي كردستان إيران كانت هناك حركة نشطة في مهاباد أدت إلى قيام جمهورية مهاباد المعروفة، وكان هناك شعور عام بين الكرد مفاده أن هناك أصدقاء يدعمون الشعب الكردي، حيث كان السوفيات موجودين في إيران والجيش الأحمر (السوفياتي) موجود في قسم من المنطقة الكردية، وكان هذا يغذي الميل الوطني لدى الكرد، إذ انتهى الشعور الذي كان سائدا بين الكرد بأن ليس لهم ملاذ سوى الجبال، أما الآن لهم ملاذ آخر وهو الاتحاد السوفياتي، في تلك المرحلة أنا كنت تلميذا في المدرسة الابتدائية، وكنت أنجح كل سنة بتفوق، والأول، (عندما زرنا مدرسته الأولى في كويسنجق وجدناها تخضع للترميم، فهي مدرسة قديمة بنيت في العهد العثماني، وأعمال الصيانة أدت إلى نقل جميع وثائقها إلى مكان آخر، وقال لنا أحد معلمي المدرسة إن الإدارة تحتفظ بسجلات امتحانات الطالب جلال طالبني، ودرجاته منذ الصف الأول، وحتى تخرجه في الدراسة الابتدائية هي الأعلى بين طلبة المدرسة الابتدائي ـ البكالوريا)». ويقول الرئيس طالباني: «عندما أنهيت الدراسة الابتدائية وفي الامتحانات العامة (البكالوريا) حُزت المرتبة الأولى وبتفوق على مدارس لواء (محافظة) السليمانية كله».

ويضيف أنه بسبب تفوقه «فقد كان الأساتذة من المعلمين يكلفونني بإلقاء القصائد خلال الاصطفاف الصباحي قبيل بدء الدراسة في المدرسة، وكنت باستمرار أختار القصائد الوطنية، حيث كان عندنا أساتذة يتمتعون بمشاعر وطنية وكانوا يلقنوننا ويعلموننا القصائد الوطنية، من هناك بدأ الشعور الوطني ينمو في داخلي، ويترسخ في ذهني، إلى جانب ما ذكرته من النهوض الكردي لثورة بارزاني وجمهورية مهاباد، وكانت مشاعري وطنية كردية يسارية بسبب تأييد الاتحاد السوفياتي لنا وقتذاك، وسيادة المد اليساري في المنطقة، وهكذا صرت أعمل بين الطلبة بدعم من أحد أساتذتنا الوطنيين، وهو، والحمد لله، حي حتى اليوم واسمه كمال عبد القادر نشأت، وكان مدرس الرياضة وقد كلفني بمسؤولية لعبة البينغ بونغ (كرة المنضدة)، وبهذه المناسبة كنت مع زملائي الطلبة نجتمع معه ليتحدث إلينا عن الشعور الوطني الكردي، وهو الذي دفع بنا وحرضنا لتشكيل جمعية كردية سرية للطلبة اسمها (جمعية التقدم الثقافي)، وبالفعل قمنا بتشكيل هذه الجمعية السرية عام 1946، وقد انتمى إليها عدد كبير من الطلبة، وخاصة طلبة الصف السادس، وعبر هذه الجمعية انخرطت بطريقة ما بالعمل التنظيمي السياسي، وكنت ألقي أشعار في الاحتفالات العامة في مدينة كويسنجق وفي أعياد نوروز».

وهنا يوضح الدكتور معصوم قائلا: «منذ أن كان جلال طالباني طالبا في المدرسة الابتدائية فهو يحمل لقب مام جلال (العم جلال)، إذ لا تعني مفردة مام العم بالصيغة العمرية، بل تعني الحكيم بصورة وبأخرى، إذ إن العم لا بد أن يكون حكيما وذكيا، وهو كان يترأس الوفود الطلابية في المناسبات السياسية والاجتماعية».

يستطرد الرئيس طالباني، بحديثه، قائلا: «ولأنني صرت سكرتير جمعية التقدم الثقافي فقد كنت على رأس الطلبة لحضور الاحتفالات الوطنية أو الاجتماعية مثل الأفراح والتعازي، وتحول وجودنا إلى ظاهرة معروفة في كويسنجق». كان عمره، وقتذاك، أقل من 13 عاما، وهو يترأس جمعية طلابية سياسية.

قبل أن ينتمي طالباني تنظيميا للحزب الديمقراطي الكردي في العراق، هكذا كان اسم الحزب الديمقراطي الكردستاني وقتذاك، فإنه انتظم بطريقة أو بأخرى بالحزب الشيوعي العراقي، وحسبما يوضح هو: «في صيف 1946، كنت ضمن حلقة ثقافية تعود للحزب الشيوعي العراقي، حيث قادني إلى تلك الحلقة فاتح رسول، وكان أكبر منا عمرا، حيث كان في الدراسة المتوسطة، وكان نشطا وجمعني مع بعض الطلبة في حلقة ثقافية كان ينظمها لنا أسبوعيا، لم تكن رسميا تابعة للحزب الشيوعي لكنها كانت معروفة أنها من حلقات الحزب الشيوعي العراقي. وقتذاك كانت في كويسنجق مكتبتان، الأولى (مكتبة كويسنجق) وكانت تابعة للحزب الشيوعي العراقي، ومكتبة (حاجي قادر الكووي) وتابعة للحزب الديمقراطي الكردي، وحسب توجيهات حلقتنا الثقافية ورسول فإننا سجلنا أنفسنا كمشتركين في مكتبة كويسنجق لاستعارة الكتب، لم أكن أعرف اللغة العربية آنذاك، لكني أتذكر أن أول كتاب كلفونا بقراءته هو (حليفنا الاتحاد السوفياتي) وكان باللغة العربية.

كانت طبعا عضويتي في هذه الحلقة الثقافية مستمرة حتى صيف 1946، حيث اختلفنا حول موضوع يتعلق بالأكراد، وخلال نقاشنا فيما إذا كان الكرد شعبا وأمة أم لا، وقد فوجئت بأن مسؤول وأعضاء الحلقة ينفون أن يكون الأكراد أمة أو شعبا حسب طروحاتهم الشيوعية في ذلك الوقت، وبالتالي هذا يعني أنه ليس للكرد حق تقرير المصير، لكني كنت أصر على أن الكرد هم شعب وأمة، ولو أنهم منقسمون، لكنهم شعب، وحتى إذا لم تتوفر كل شروط ستالين للأمة فهم (الكرد) شعب ولهم قضية ونضال قومي متواصل والدليل قيام جمهورية مهاباد، وأن السوفيات أيدوا مهاباد، وهذا يعني أن هناك مباركة اشتراكية للحركة الكردية، على أثر ذلك اختلفت مع هذه الحلقة وطروحاتها وتركتهم».

تلك الحادثة هي التي جعلت طالبــاني يتبنــى فكريا طروحات الحزب الديمقرطي الكردي العراقي الذي كان قد تأسس توا وقتذاك، وحسب تأكيده: «فإن علاقتي فكريا بالحزب الديمقرطي الكردي العراقي تعود إلى عام 1946». ويشــرح مســترسلا: «كان في كويسنجق مقهى يجلس فيها المثقفون وخاصة طلبة الجامعات الذين كانوا يدرسون في بغداد خلال عودتهم إلى عوائلهم صيفا، وأنا كنت أحب الجلوس في هذه المقهى، وفي أحد الأيام استدعاني عمر مصطفى، والمعروف باسم عمر دبابة، كان يدرس وقتذاك في بغداد وعائد إلى أهله، قال لي أنت تلميذ ذكي وعاقل، ولا يجب أن تنجر وراء الدعايات السياسية (كان يعني حلقة الحزب الشيوعي العراقي)، ثم تحدث لي عن الحزب الديمقراطي الكردي العراقي الذي كان قد تأسس حديثا وقتذاك، وأن (الحزب) من تأسيس الملا مصفى بارزاني، وأن الاتحاد السوفياتي يؤيد هذا الحزب، ثم أعطاني البيان التأسيسي للحزب الديمقراطي الكردي العراقي بتوقيع ملا مصطفى، باللغة العربية، ومنذ ذلك الوقت ارتبطت روحيا وفكريا بالحزب الديمقراطي الكردي، ونصحني بأن أسجل في مكتبة حاجي قادر الكووي، وبالفعل ذهبت واشتركت في هذه المكتبة وانسحبت من مكتبة كويسنجق».