استعدادات في أميركا ودول الشمال لموجة جديدة محتملة من إنفلونزا الخنازير

انزعاج في منظمة الصحة من وصوله إلى دول فقيرة وأقل تجهيزا

TT

بعد انتشار أول إنفلونزا وبائية في نصف الكرة الجنوبي خلال 41 عاما،، تتسابق دول الشمال والولايات المتحدة استعدادا لقدوم موجة ثانية من إنفلونزا الخنازير. في ذات الوقت أبدت منظمة الصحة العالمية انزعاجا متزايدا بوصول الفيروس إلى المناطق الفقيرة والأقل استعداد لمواجهة المرض في العالم.

وقال مسؤولون من الولايات المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، إنه نتيجة السمعة السيئة التي تحظى بها أنواع الفيروسات فإن التوقعات تبدو أمرا مستحيلا فمن الممكن أن تضرب موجة جديدة نصف الكرة الشمالي خلال أسابيع، تؤدي إلى ارتباكات كبيرة في المدارس وأماكن العمل والمستشفيات. وقال ويليام شافنر، خبير الإنفلونزا في كلية طب جامعة فاندربلت الذي يقدم المشورة لمسؤولي الصحة الفيدراليين الأميركيين: «إن الفيروس لا يزال موجودا ومستعدا للانفجار، لذا فإننا نتوقع حدوث فوضى عارمة».

وقال جون بيرنان، نائب مستشار مجلس الأمن القومي لمحاربة الإرهاب والأمن الداخلي: «الجميع يعرفون أن فيروس إتش1 إن1 سيكون تحديا لنا جميعا. هناك أفراد سيصابون بالمرض هذا الخريف ويموتون. والاستراتيجية والجهد الواجبين على الحكومات هو التعاون للتأكد من تخفيف تأثيرها».

وقد انتشر الفيروس منذ ظهوره في المكسيك في الربيع الماضي، في 168 دولة على مستوى العالم، مما أدى إلى إصابة ما يزيد على 162.000 حالة، وكان سببا في وفاة 1.154 شخصا من بينهم 436 في الولايات المتحدة وحدها.

وكان العلماء يراقبون عن كثب انتشار الإنفلونزا، بحثا عن أدلة على كم المخاطر التي يمكن أن يسببها هذا الخريف. وحتى الآن لم تظهر دلائل على تحور الفيروس إلى صورة أكثر خطورة، فغالبية المصابين يعانون من مرض معتدل نسبيا. وقد تفشى الفيروس بصورة كبيرة بين الشباب في أستراليا ونيوزيلندا والأرجنتين والدول الأخرى، مما دفع المدارس والمسارح إلى إغلاق أبوابها وسبب ازدحاما في غرف الطوارئ والعناية المركزة في بعض الأماكن، وأجبر الأطباء في بعض الأحيان على تأجيل بعض أنواع الرعاية الأخرى مثل الجراحات الاختيارية.

من ناحية أخرى بدأت إنفلونزا الخنازير في الانتشار في جنوب أفريقيا أيضا، حيث وقعت حالتا وفاة وتقاطرت العينات على المعمل الوطني بحاجة إلى الفحص، وفي الهند باتت الفتاة الهندية التي تبلغ من العمر 14 عاما أول مريضة في ذلك البلد ذي الكثافة السكانية المرتفعة. وفي بريطانيا تزايد القلق نتيجة حالات إصابة المشاهير مثل روبرت غرينت بطل فيلم (هاري بوتر)، ولذا يحاول الأطباء تحديد السبب وراء الزيادة الحادة في الحالات المبلغ عنها خلال الأسابيع الأخيرة.

وقال أرنولد مونتو خبير الأمراض المعدية بجامعة ميتشغان الذي يقدم استشارات لمنظمة الصحة العالمية ومركز الوقاية والسيطرة على الأمراض الأميركي والوكالات الصحية الفيدرالية الأخرى: «هذا شيء يمكننا توقعه هنا في القريب العاجل. ومن ثم يجب أن نقلق حيال قدرتنا على التعامل مع ارتفاع نسب الحالات الحرجة». وأشار إلى أن بعض غرف الطوارئ اكتظت بالنزلاء أواخر الربيع الماضي في مدينة نيويورك سيتي.

وقال جوزيف بريسي الذي يرأس فرع الوقاية وعلم الأوبئة في مركز السيطرة على الأمراض: «هناك الكثير من الأطراف التي تتحرك في مواجهة المرض، من الجيد أننا لن نصاب بالذعر لكن يوجد مستوى معقول من القلق والاستجابة».

و قد لا يسبب الفيروس أكثر من موسم حمى عادي بالنسبة لنصف لكرة الشمالي هذا الشتاء، لكن الكثير من الخبراء يتوقعون أن تكون الموجة الثانية أكثر شدة من موسم الإنفلونزا العادية التي تصيب حوالي 200.000 شخص وتسهم في وفاة 36.000 شخص، ولأن المرض جديد فغالبية الأفراد لا توجد لديهم مناعة ضد المرض.

وقال مارك ليبستك، أستاذ علم الأوبئة في كلية هارفارد للصحة العامة الذي يساعد في مشروع مركز السيطرة على الأمراض للتخفيف من وطأة الموجة القادمة: «سينتقل هذا المرض الوبائي أكثر من المعتاد. ومن المنصف القول إنه سيكون هناك عشرات الملايين من الإصابات ومئات الآلاف من المرضى وعشرات الآلاف من الوفيات. وهذا ليس أمرا عاديا لكنه يعتمد على كم عشرة آلاف ستكون ضحية للمرض».

ربما يكون اللافت للنظر في كل الدول التي ينتشر بها المرض هو تأثيره في الأطفال الصغار والشباب أكثر من الإنفلونزا العادية.

وقال بريسي: «حدوث قدر كبير من الإصابات والوفيات بين الأطفال والبالغين بالنسبة لمرض وبائي سيكون ملحوظا للرأي العام، وسيسود شعور بتفاقم للمرض حتى وإن كانت المحصلة الإجمالية للوفيات قليلة». غالبية الأفراد الذين تطور معهم المرض وماتوا كانوا يعانون من مشكلات صحية أخرى، مثل السكري والربو والبدانة. إضافة إلى أن النساء الحوامل معرضات للخطورة على نحو خاص، ويمكن للفيروس أن يؤدي إلى وفاة أشخاص أصحاء أيضا.

لا يزال الفيروس مستمرا في التقدم ببطء في الولايات المتحدة متسببا في تسجيل أكثر من 80 إصابة في الجامعات في 40 ولاية. وتشير تقديرات العلماء إلى إصابة ما يقرب من مليون أميركي.

ومن المتوقع أن ترتفع حالات الإصابة في الوقت الحالي نتيجة لإعادة المدارس فتح أبوابها خلال الأسابيع القادمة، كما قد يسهم انخفاض درجات الحرارة والجفاف في عودته ليصل إلى ذروته على الأرجح في شهر أكتوبر (تشرين الأول). ولا يتوقع أن تطرح الدفعة الأولى من لقاحات إنفلونزا الخنازير قبل منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الذي تشير الدراسات إلى أنه آمن وفعال. كما أن على المسؤولين الإجابة عن العديد من الأسئلة الرئيسية منها عدد الجرعات التي يحتاج الفرد إلى تناولها. إذا كانت اثنين حيث يشكك البعض، فقد يستغرق الأمر خمسة أسابيع حتى يحصل من حصلوا على التطعيم على الحماية الكاملة. في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية الذي يسوده فصل الشتاء في الوقت الذي يسود فيه النصف الشمالي فصل الصيف، تسببت إنفلونزا الخنازير في بداية موسم الإنفلونزا في وقت مبكر أكثر من المعتاد، وفي أن يصبح الموسم أكثر شراسة. ففي الأرجنتين، التي انتشرت فيها إنفلونزا الخنازير، تم مد العطلات المدرسية وتأثر الاقتصاد حيث تجنب الناس الذهاب للمطاعم والنوادي وغيرها من الأماكن العامة. تقول كريستينا مالاغا التي تعمل كخادمة في بيونس آيرس التي التزمت البيت لأسبوع كامل في شهر يوليو (تموز) تخوفا من الفيروس: «كان هناك رعب وقد شعرت أنا أيضا به. لقد كنت خائفة. فأنا أستقل ثلاث حافلات كي أصل إلى مقر عملي؛ وفي الغالب تكون هذه الحافلات مكتظة وبها العديد من الأشخاص الذين يسعلون».

وفي مستشفى «غوتيريز» للأطفال أضاف المسؤولون ملحقا مكونا من حجرات للفحص، وللمساعدة في استيعاب عدد المصابين الذين يتدفقون على المستشفى، يقول إدواردو لوبيز الذي يترأس القسم الطبي بالمستشفى: «لم ينهر النظام لأننا أعددنا وحدات خاصة للتعامل مع المرضى داخل المستشفى وخارجها».

وتقول بولا موري ربة المنزل التي تعيش في حي من الأحياء الراقية ببيونس آيرس، إنها وأصدقاءها قد توقفوا عن المشاركة في شرب الشاي المحلي والذي يتم تقديمه في الأكواب الخشبية، مضيفة أنهم أصبحوا يحضرون معهم أكوابهم الخاصة. كما أصبحت موري أكثر حرصا على غسيل يدي ابنتها ذات الأربعة أعوام بانتظام وعلى حمل أحد المطهرات سريعة الاستخدام لكي تتمكن من تطهير يديها كلما لمست أي شيء مثل مقابض الأبواب وغيرها. وتقول موري: «يجب عليها أن تتعلم رعاية نفسها». وقد أثار ظهور الفيروس في دول مثل جنوب أفريقيا والهند المخاوف من أن يصبح تأثير ذلك الوباء أكثر تدميرا إذا أصاب عددا أكبر من الأشخاص في تلك المناطق ذات الموارد القليلة.

وفي كينيا، كان العاملون بالرعاية الصحية يقدمون في مطار نيروبي استفتاءات ويضعون الملصقات البراقة التي توعي الناس بالفيروس على جدران مقاهي وسط البلد. وقد خلفت بعض الإنذارات الكاذبة التي تتعلق بالفيروس إحساسا بالرعب في بعض الأماكن؛ فعندما تشككت إحدى العيادات الصحية في مجمع نيروبي التجاري في أن أحد مرضاها مصاب بالفيروس، انتشرت الأنباء في كل مكان وتبادل الناس الرسائل الإلكترونية التي تحذر الناس وتنصحهم بالابتعاد عن المكان. وتم إغلاق العيادة لمدة يوم.

وفي بريطانيا، قال المسؤول الطبي ليام دوالدسون، إنه يوجد عدد من التفسيرات المحتملة للإصابات بما فيها الدور الذي تلعبه لندن كمحور للنقل الدولي. وفي إطار جهودها لتخفيف العبء عن الأطباء، افتتحت الحكومة أخيرا المركز الدولي لوباء الإنفلونزا والمزود بخط تليفوني وخط إنترنت ساخن يسمحان للمرضى بتشخيص حالاتهم بأنفسهم ووصف الدواء كذلك.

وفي نفس الوقت، يقول المسؤولون في فيرجينيا، وماريلاند، والديستريكت، والعديد من المناطق الأخرى إنه كانت هناك استعدادات طوال فصل الصيف تحسبا لعودة انتشار فيروس إنفلونزا الخنازير؛ التي اشتملت على وضع خطط لإنشاء عيادات خاصة لعلاج المصابين وتلقيحهم إذا كان ذلك ضروريا.

وبالرغم من أن أنواع الفيروس التي ظهرت أخيرا كانت مقاومة لعقار التاميفلو وهو أحد العقارين المتاحين لعلاج الفيروس، فإن العلماء يقولون إن كلا العقارين ما زالا يبديان فعالية في علاج الفيروس. وقد شحنت الحكومة الأميركية 11 مليون جرعة من الدواء إلى الولايات تضاف إلى 23 مليون تم شحنهما قبل ذلك كما أنها ابتاعت 13 مليون جرعة إضافية لسد احتياجاتها. وكان وباء الإنفلونزا الذي انتشر في 1968 ـ 69 أدى إلى مقتل حوالي مليون شخص في كافة أنحاء العالم بما فيها حوالي 34 ألف شخص في الولايات المتحدة. وبعد ظهوره، استمرت العديد من فيروسات الإنفلونزا في الانتقال من شخص لآخر لسنوات، بينما اختفى البعض الآخر أو اندمج من أنواع أخرى من الفيروس.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»