سيارة الأجرة «بلاك كاب» في لندن تخشى على مستقبلها

قد ينتهي بها الأمر في المتاحف مثل حافلات «روت ماسترز» والهواتف العامة الحمراء اللون

سيارات الأجرة السوداء اختيرت أخيرا الأفضل في العالم. سائقها يتمتع بقدرات عالية من المعرفة بشوارع لندن. لكن وصول أنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية يسمح الآن بالقيام بالعمل نفسه من قبل أي سيارة (تصوير حاتم عويضة)
TT

يخشى سائقو سيارات الأجرة السوداء «ذي بلاك كاب» (سيارة الأجرة السوداء)، التي تجوب شوارع العاصمة البريطانية بلونها وشكلها المميز وتعتبر من معالم لندن، أن تختفي في مواجهة الانتشار الكبير لسيارات الأجرة «ميني كاب» غير المميزة ولا تختلف عن أي سيارة تشاهدها في الطرقات.

هذا ما حصل لبعض معالم لندن الأخرى مثل الحافلات الحمراء ذات الطابقين التي أحيلت إلى التقاعد، وكذلك بالنسبة إلى التلفونات العامة الحمراء أيضا التي أزيلت من شوارع بريطانيا وبيعت في مزادات عامة وأصبحت تحفا فنية في البيوت، وحولها بعض الناس إلى دوشات وضعت على أطراف مسابحهم الخاصة في الهواء الطلق أو داخل الحمامات في البيوت.

بالنسبة للسائح القادم إلى بريطانيا، أو حتى الشخص الذي لم تطأ قدماه العاصمة لندن، هناك معالم أصبحت مطبوعة في ذهنه تميز هذه المدينة عن غيرها من مدن العالم، مثل سيارة «بلاك كاب» وبيغ بن وقصر باكينغهام، وسابقا الحافلات والتلفونات.

هذه سيارة السوداء، التي ظل يطلق عليها اسم السيارة السوداء، حتى بعد أن طلي بعض منها بألوان مختلفة (الأبيض والزهري والأخضر)، أصبحت على مر السنين سفيرا للمدينة. واستخدمت أحيانا من قبل أشخاص في بعض النشاطات السياسية والخيرية لتظهر تضامن لندن الإنساني مع بعض الحركات السياسية حول العالم. وعندما أراد الممثل والكاتب البريطاني الشهير ستيفن فراي القيام بجولة في المدن الأميركية خلال تصويره فيلما تسجيليا حول التغييرات الثقافية في الولايات المتحدة الأميركية، استخدم السيارة السوداء في جولته التي جابت الولايات المتحدة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها. وكان الكثير من الأميركان يستقبلونها بحفاوة بالغة كونها ترمز إلى مدينة لندن. كما قام غيره برحلات قطع فيها القارة الأفريقية مستخدما نفس السيارة.

لكن التغييرات التكنولوجية وسياسة السوق وعوامل عملية أخرى أدت إلى اندثار بعض هذه المعالم المهمة في صورة لندن عند الآخرين، ومنذ عام 2002 أدى تحرير السوق إلى اجتياح «الميني كاب»، وهي سيارات لا يميزها أي شيء وتأتي لاصطحاب الزبون من أي مكان يريد شرط أن يكون حجز السيارة مسبقا عبر الهاتف أو الإنترنت. لكن سيارة «بلاك كاب» تحتفظ وحدها بحق التوقف في الشارع ليصعد إليها المارة.

وهذه الأخيرة، وبعكس سابقتها، فإن العمل عليها لا يحتاج إلى الكثير من العناء في التأهيل. الرخصة العامة في قيادة السيارة هي كل ما تحتاجه، إضافة إلى أن يعمل الشخص من خلال أحد المكاتب المسجلة، التي تم تنظيمها مؤخرا بعد سلسلة الجرائم التي اقترفت، خصوصا الاعتداءات الجنسية على النساء من قبل أشخاص يمارسون المهنة في ساعات متأخرة من الليل للحصول على بعض الجنيهات من رواد النوادي الليلية.

أما بالنسبة للعمل على «ذي بلاك كاب» (سيارة الأجرة السوداء)، كما هي معروفة بهذا الاسم الرسمي، فإن ذلك يحتاج جهدا وعملا دؤوبا يستمر عدة سنوات من التدريب على معرفة شوارع لندن قبل التأهل في العمل عليها. ولكي يصبح المرء سائقا لإحدى هذه السيارات يجب النجاح في مسابقة صعبة معروفة باسم «المعرفة»، وتتطلب سنوات من الدراسة ليحفظ عن ظهر قلب كل شوارع لندن والطرق الأسرع وفقا للساعة أو حركة السير وغيرها.

ويقال إن الحصول الشهادة الجامعية في بريطانيا أسهل من الحصول على رخصة قيادة السيارة السوداء لصعوبة الامتحان.

و«الميني كاب» التي تقول إنها أقل كلفة من «بلاك كاب» غير مجهزة بعداد، والسعر يحدد قبل بدء الرحلة وفقا للمسافة. وفي غضون سنوات قليلة شهد عددها ارتفاعا كبيرا، وباتت الآن في حدود 50 ألفا، أي أكثر بمرتين من منافساتها التاريخية.

ويقول سائق سيارة أجرة «تقليدية» وهو يحتسي الشاي: «ما عسانا نفعل مع (الميني كاب)؟ يمكنني أن أقول لكم، لكن سيبدو ذلك مثل العصور الوسطى: حرقها أو طمرها بالقطران وإعدامها في الساحة العامة...».

ويضيف أحد زملائه، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية: «سينتهي بنا الأمر مثل الحافلات بطابقين أو أكشاك الهاتف الحمراء»، في إشارة إلى معلمين آخرين من معالم لندن.

وكان عشرات من سائقي سيارات الأجرة السوداء عبروا عن استيائهم في فبراير (شباط) عبر تعطيل حركة السير في ساحة ترافلغار سكوير، في إجراء نادر الحدوث في بريطانيا. وسيارات الأجرة السوداء هذه توفر نوعية خدمة عالية، وقد اختيرت أخيرا الأفضل في العالم على ما أظهرت دراسة عالمية. لكن وصول أنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية يسمح الآن بالقيام بالعمل نفسه أو تقريبا نفسه عبر ضغط بعض الأزرار.

ويحذر جون غريفين الرئيس المؤسس لـ«أديسون لي»، أكبر شركة «ميني كاب»، بأن «على سائقي سيارات الأجرة أن يتنبهوا، إذ في حال عدم تطورهم سينتهي أمرهم».

وقد استثمرت شركة «أديسون لي» الملايين في نظام متطور جدا يرسل أوتوماتيكيا رسالة قصيرة إلى الزبائن لإبلاغهم بوصول التاكسي.

وتنوي سيارات «ميني كاب» الذهاب أبعد من ذلك، فتدرس السلطات إمكانية السماح لها بأخذ الزبائن عند مخارج المطارات. ويشكل هذا الأمر القشة التي تقصم ظهر البعير بالنسبة لسائقي «بلاك كاب».

ويهدد غرانت ديفيس رئيس «لندن كاب درايفرز»، النادي الذي يؤكد أن عدد أعضائه يبلغ 1500 سائق «بلاك كاب»: «لقد تظاهرنا في فبراير (شباط)، وبعدما تحدثت إلى أعضاء النادي أظن أنه في حال لم يتخذ أي إجراء فإن الأمر سيتكرر، ربما على صعيد يومي».

وتحاول الهيئة المكلفة إدارة نظام النقل في لندن «ترانسبورت فور لندن» تهدئة الأجواء، وترى هذه الهيئة أن سيارات الأجرة، سواء كانت سوداء أو غير سوداء، توفر خدمة «عالية الجودة».

أما ستيف رايت من جمعية «لايسينسند برايفت هاير كار اسوسييشن» التي تمثل «الميني كاب» فلا يتوقع مستقبلا زاهرا لمنافسيه، قائلا: «أظن أن الكثيرين سيضحكون بعد عشرين سنة من الآن عندما سيقال لهم إنه من زمن ليس ببعيد كان ينبغي على المرء النزول إلى الشارع واستدعاء تاكسي يمر في الشارع وعليه ضوء برتقالي مضاء».