في العالم الرقمي.. الكتب المدرسية المطبوعة في ذمة التاريخ

بعض الولايات الأميركية تتوقع أن التحول سيكون كاملا خلال 5 سنوات

مئات الجامعات حاليا، منها معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في السعودية، تعتمد على وتتشارك بدورات تعليمية تقوم على مصادر مفتوحة (نيويورك تايمز)
TT

داخل «مدرسة إمباير الثانوية» في فيل بولاية أريزونا، يعتمد الطلاب في تلقي دروسهم والاضطلاع بواجباتهم المدرسية والإنصات إلى دروس العلوم التي يلقيها المدرسون على حواسب آلية وفرتها المدرسة. وبالجوار، بإمكان طلاب «مدرسة سينيغا الثانوية» ممن يمتلكون أجهزة حاسب آلي نقالة تسجيل أنفسهم في «الأقسام الرقمية» فيما يخص العديد من الدروس بمواد اللغة الإنجليزية والتاريخ والعلوم. وبمختلف أرجاء الضاحية، يجري تنفيذ مبادرة تحت شعار «فيما وراء الكتاب المدرسي» ترمي لتشجيع المدرسين على خلق والاشتراك في دروس تجمع بين عروض نفذوها باستخدام برنامج «باور بوينت»، علاوة على مقاطع فيديو ومواد بحثية حصلوا عليها عبر استكشاف مواقع شبكة الانترنت الموثوق بها. ورغم أن الكتب المدرسية لم تختف تماما بعد، فإن الكثير من المعنيين بالتعليم يؤكدون أنه لن يمضي وقت طويل قبل أن يتم استبدالها بنسخ أخرى رقمية، أو التخلي عنها كلية لصالح دروس يجري تجميعها من الألعاب ومقاطع الفيديو والمشروعات التعليمية المنتشرة على شبكة الانترنت. في هذا السياق، أعربت شيريل آر. أبشير، رئيسة الشؤون التقنية بنظام مدارس كالكاسيو باريش بمنطقة ليك تشارلز في ولاية لويزيانا، عن اعتقادها بأن «الأطفال يتميزون بعقلية مختلفة هذه الأيام، ذلك أنهم يتمتعون بذكاء رقمي، ويتمتعون بالقدرة على الاضطلاع بمهام متعددة وتغيير مواضع الكلمات بالجمل والقيام بتقدير استقرائي. وينظرون إلى المعرفة باعتبارها لا متناهية». واستطردت دكتورة أبشير بأن الأطفال «لا يتفاعلون مع الكتب المدرسية ذات الطبيعة المحدودة وذات هيكل مستقيم وتقوم على التلقين والحفظ. إن المدرسين بحاجة إلى موارد رقمية للوصول إلى الوثائق والمدونات ومواقع الويكي التي تنقلهم إلى ما وراء المنهج الدراسي البسيط في الكتب المدرسية». في كاليفورنيا، أعلن أرنولد شوارزنيغر، حاكم الولاية، هذا الصيف عن مبادرة من شأنها استبدال الكتب المدرسية الخاصة بالعلوم والرياضيات بنسخ أخرى رقمية مجانية تعتمد على مصادر مفتوحة. ومع مرور كاليفورنيا بظروف اقتصادية عصيبة، يأمل الحاكم في أن تتمكن هذه الخطوة من توفير مئات الملايين من الدولارات سنويا. وبالنظر إلى أن الطلاب يحصلون بالفعل على قدر بالغ من المعلومات عبر شبكة الانترنت وأجهزة «آي بود» وموقع «تويتر»، قال شوارزنيغر إن الكتب الرقمية ربما توفر على الطلاب تصفح كتب مدرسية «عفا عليها الدهر وثقيلة ومرتفعة التكلفة». تعد هذه المبادرة الأولى من نوعها على مستوى ولاية بأكملها، وقد جذبت قدرا كبيرا من الاهتمام، نظرا لأن كاليفورنيا، بجانب تكساس، تهيمنان على سوق الكتب المدرسية على مستوى الولايات المتحدة. على الجانب الآخر، يبدي الكثير من المديرين حماسهم حيال الفكرة. على سبيل المثال، قال ويليام إم. هابرميل، مدير مجموعة مدارسة أورانج كاونتي التي تضم 500 ألف طالب: «في غضون خمس سنوات، أعتقد أن غالبية الطلاب ستستخدم الكتب المدرسية الرقمية. ومن الممكن أن تثبت هذه الكتب أنها أفضل من الكتب المدرسية التقليدية». وحذر هابرميل من أن المدارس التي لن تقر هذا التحول ربما تخسر الإقبال عليها. واستطرد هابرميل موضحا «لا نزال نعتمد على النموذج الخاص بمبنى يضم 30 طالبا لكل مدرس، لكننا بحاجة إلى الخروج من هذا الإطار بحيث يصبح لدينا 200 أو 300 طفل يتلقون دروسهم عبر شبكة الانترنت، في الليل، أو لمدة 24 ساعة طيلة جميع أيام الأسبوع، حينما يشاءون». وأضاف قائلا إن التهديد الذي يجابه مدارس أورانج كاونتي يتمثل في «العالم الرقمي ـ أن شخصا ما سيجمع دروسا رائعة في الفرنسية والهندسة من جانب أفضل المدرسين على مستوى العالم ويعرضها مقابل 200 دولار». إلا أن العالم الرقمي لا تلوح بشائره في الأفق تماما بعد في معظم المدارس. من بين الأسباب وراء ذلك استمرار وجود فجوة رقمية واسعة، حيث لا يتمتع الطلاب جميعا بإمكانية الوصول إلى حاسب آلي وجهاز «كايندل» للقراءة الالكترونية أو هاتف ذكي، ولا تتمتع سوى القليل من الضواحي بالثراء الكافي لتوفير هذه الأدوات. وعليه، فإن الكتب الالكترونية ربما تسفر عن اتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء. في هذا السياق، قال تيم وارد، مساعد مدير شؤون التعليم في دائرة تشافي التعليمية للمدارس الثانوية، التي تضم 24000 طالب، ينتمي قرابة نصفهم إلى أسر منخفضة الدخل: «نسبة كبيرة من طلابنا لا يملكون حواسب آلية بالمنزل، وسيكون من المكلف للغاية طباعة الكتب المدرسية الرقمية». من جهتهم، يتوقع الكثير من المعنيين بالتعليم أن تبدأ الكتب المدرسية الرقمية والدروس عبر شبكة الانترنت على مستوى محدود، ربما بالنسبة لمن يدرسون مادة لا يمكنهم التوفيق بينها وبين جدولهم المدرسي أو من يحتاجون إلى درجات قليلة إضافية للتخرج. رغم اضطلاع السلطات التعليمية في كاليفورنيا بمراجعة 20 كتابا للعلوم والرياضيات تخص المدارس الثانوية من تلك المعتمدة على مصادر مفتوحة لضمان توافقها مع المعايير الأكاديمية الصارمة التي تقرها الولاية بحيث يتسنى الشروع في استخدامها هذا الخريف ـ ومن المقرر إعلانها هذا الأسبوع عن الكتب المتوافقة مع المعايير المتبعة ـ يبقى من غير المحتمل أن يتم إقرار الكتب الالكترونية في وقت قريب. من جهته، قال جون إيه. روتش، مدير شؤون مدارس منطقة كارلسباد بكاليفورنيا: «أرغب في أن يتمتع مدرسونا بأفضل المواد المتاحة، وبالاعتماد على الكتب المدرسية الرقمية، يمكننا التعرف على أفضل الدروس التي يقدمها أكثر المدرسين نشاطا. إلا أنها لن تحل محل الكتب الورقية على الفور».

المؤكد أن الهجوم الناشئ من شبكة الانترنت ـ والمنافسة من المواد المعتمدة على مصادر مفتوحة ـ يشكل تهديدا خطيرا لدور نشر الكتب المدرسية التقليدية. جدير بالذكر أن «بيرسون»، أكبر دور نشر على مستوى البلاد، قدمت أربعة كتب للمدارس في كاليفورنيا، متاحة جميعها بالفعل على شبكة الانترنت، ككتب تكميلية مجانية لكتبها الأخرى الصادرة عنها.

من جهتها، قالت ويندي سبيغيل، المتحدثة الرسمية باسم «بيرسون»: «نعتقد أن العالم يتحرك باتجاه المواد الرقمية، لكن لا يزال يجري النظر بشأن الكيفية التي سيتطور من خلالها هذا الأمر. لا نعلم يقينا كيف سيحدث ذلك، لذا سنوفر كتبا رقمية وأخرى مطبوعة، وننظر أيها يحظى بإقبال العملاء». جدير بالذكر أن معظم النصوص الرقمية التي تم عرضها على المراجعة في كاليفورنيا جاءت من قبل منظمة غير هادفة للربح تدعى «سي كيه ـ 12 فاونديشن». توفر المنظمة «كتب مرنة» ((flexbooks مجانية يمكن تعديلها بحيث تتوافق مع المعايير التي تقرها الولاية واستخدامها من جانب المدرسين. يذكر أن «الكتاب المرن» للفيزياء الذي أصدرته المنظمة أقرته ولاية فيرجينيا في مارس (آذار). في هذا السياق، علق نيرو كوسلا، مؤسس المنظمة، بقوله: «يتمثل الجزء الجيد من الكتب المرنة التي نصدرها في أن باستطاعتها التحول إلى أي شيء تبغيه، حيث يمكنك استخدامها على شبكة الانترنت ويمكنك تحميلها على قرص، ويمكنك طباعتها، وتعديلها، ودمج مقاطع فيديو بها. وعندما يتمكن الناس من التغلب على التفكير السائد، سيرون أنه ليس هناك ما يدعو لدفع 100 دولار للحصول على كتاب مدرسي، بينما يمكنك الحصول على المحتوى الذي ترغبه مجانا». الملاحظ أن التحرك باتجاه المواد المعتمدة على مصادر مفتوحة يجري بالفعل بالمستويات الأعلى من التعليم ـ وربما يتم الإسراع من وتيرته بناء على مقترح الرئيس أوباما بالاستثمار في خلق دورات تعليمية مجانية على شبكة الانترنت كجزء من جهوده الرامية لتحسين مستوى الجامعات الأهلية. يذكر أنه بمختلف أرجاء العالم، تعتمد مئات الجامعات حاليا، منها معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في السعودية، على وتتشارك بدورات تعليمية تقوم على مصادر مفتوحة. من ناحيتها، عرضت «كنيكشنز»، منظمة غير هادفة للربح نشأت بجامعة رايس وتولي اهتمامها للتعلم القائم على المصادر المفتوحة، كتاب بمادة الجبر على كاليفورنيا. بيد أنه نظرا للظروف الاقتصادية الراهنة، يتفق الكثير من المعنيين بمجال التعليم والخبراء التقنيين على أن ثورة كيه ـ 12 الرقمية ربما لا تزال بعيدة. من ناحيته، قال مارك شنيدرمان، مدير شؤون السياسة التعليمية الفيدرالية داخل «سوفت وير آند إنفورميشن إندستري اسوسيشن»: «هناك الكثير من الإجراءات المتعلقة بالشراء وصنع القرارات متوقفة في الوقت الراهن. لكن هذا الأمر من المحتوم حدوثه». رغم كل الاهتمام الموجه إلى مبادرة كاليفورنيا، تشكل الكتب المدرسية الرقمية مجرد بداية لثورة على صعيد التقنيات التعليمية. في هذا السياق، أوضحت مارينا لايت، من «مركز التعليم الرقمي»، الذي يعزز التعليم الرقمي عبر دراسات المسح والإصدارات والاجتماعات، أنه «ينبغي أن نهيئ أنفسنا لخوض سبيل أكثر تفاعلية، سبيل يقوم بدرجة أكبر على مقاطع الفيديو والنشاطات والألعاب». الملاحظ أن جهود مبادرة «فيما وراء الكتاب المدرسي» تحركت بالفعل في هذا الاتجاه. على سبيل المثال، في إطار دروس بمادة التاريخ في «مدرسة إمباير الثانوية» حول الانتخابات، قام الطلاب بإنشاء أحزاب سياسية خاصة بهم ومواقع على شبكة الانترنت لنشر دعاياتهم الانتخابية وعرض مقاطع فيديو مرتبطة بها. علق مات دونالدسون، ناظر المدرسة، بقوله: «يتعلم الطلاب الأفكار ذاتها، لكن على نحو مختلف. قمنا بدراسة المعايير التي تقرها ولايتنا، وحدد مدرسونا الموارد التي يرون أنها تتوافق معها على النحو الأمثل، سواء كان ذلك في صورة مشروع أنشأوه بأنفسهم أو موقع مثير للاهتمام على شبكة الانترنت. أما الأمر الذي عامة ما لا يقدمون عليه فهو اقتباس فصول من الكتب المدرسية».

* خدمة «نيويورك تايمز»