أصيلة المغربية تهدي محمود درويش قصائد شعر وسهرة فنية.. وحديقة أطفال

بمناسبة الذكرى الأولى لرحيله

محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى «أصيلة» ومحمد الأشعري وزير الثقافة المغربي الأسبق والناقد المصري صلاح فضل لحظة إزاحة الستار عن اللوحة الرخامية المثبتة على النصب التذكاري لحديقة محمود درويش (تصوير: عبد اللطيف الصباري)
TT

اختارت مدينة أصيلة المغربية أن توجه تحية خاصة إلى الراحل الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش في الذكرى الأولى لرحيله.

وتضمنت تحية موسم أصيلة الثقافي الدولي، في دورته الواحدة والثلاثين، جلسة شارك فيها شعراء ونقاد وأدباء ومفكرون مغاربة وعرب، فضلا عن إطلاق اسم الشاعر الراحل على حديقة بوسط المدينة، وتنظيم سهرة فنية أحياها الفنان اللبناني مارسيل خليفة، قدم فيها بعضا من أجمل أغانيه، التي تعود كلماتها إلى الشاعر الراحل، مثل «أحن إلى خبز أمي» و«ريتا»، وغيرهما، عرفت حضور جمهور قياسي، غُصّت به قاعة العروض بمكتبة الأمير بندر بن سلطان.

وخلال الجلسة الأدبية استعاد محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى «أصيلة»، ظروف أول زيارة قام بها محمود درويش إلى المدينة عام 1979: «زيارة مرجعية في ذاكرة أصيلة» يقول بن عيسى، قبل أن يضيف: «افتقدنا في درويش الإنسان الممتع اللطيف المعشر، والمبدع المجدد باستمرار، الحاذق لأدواته. وودعنا معه طراز المثقف العضوي، المسكون بقضية شعبه وأمته». جاءت كل الكلمات، التي ألقيت في الجلسة، مؤثرة، احتفت بدرويش الشاعر والصديق والفقيد، جلسة شارك فيها محمد الأشعري الشاعر ووزير الثقافة المغربي الأسبق، ووفاء العمراني الشاعرة المغربية، وأنطوان رعد الشاعر اللبناني، وخلود المعلا الشاعرة الإماراتية، وفاضل العزاوي الناقد العراقي، والمهدي أخريف الشاعر المغربي، وبنعيسى بوحمالة الناقد المغربي، وعلى علوي الهاشمي الشاعر البحريني، وعبد الله ولد باه الكاتب والباحث الموريتاني، والكاتب العراقي صموئيل شمعون، والكاتب التونسي حسونة المصباحي، وآخرون، توزعتهم قصائد الاحتفاء وكلمات الاعتراف بقيمة الشاعر العربي الكبير وفداحة رحيله.

ومن كل تلك الكلمات اختار عبد الرحيم العلام، الناقد المغربي، أن لا ينشغل بتدبيج المراثي واستعادة ذكرى رحيل قاس، فمحمود درويش، كما يقول العلام: «لن يكون سعيدا في مثواه وهو يلمح في عيوننا نظرات الأسى، هو الذي طالما أزهر قصائد وجمالا وزهر لوز وبهاء، في أرض الحروب والأزمات والمواجع، وهو أيضا، الذي صنع من مرضه جداريات، وكان يعود إلينا بعد كل وعكة صحية بعافية إبداعية».

كان في حقيبة سفر محمود درويش جميلات، أيضا، يقول العلام، الذي نقل إلى الجمهور الحاضر كيف أن فتاة جميلة صعدت في إحدى الأمسيات الشعرية إلى المسرح فأهدت الشاعر الراحل وردة فقبّلها، وجاءت بعدها فتاة أقل جمالا، وكي لا يميز بينهما، قبّلها هي الأخرى، وبعدها جاءت فتاة على قدر ضئيل من الجمال، فتجاهل وجودها، ونقل إليه أن تلك الفتاة بكت بشدة، لأنه لم يقبّلها، ليعلم أنها هي ذاتها التي تدعي أنها زوجته، فارتاح لتصرفه بعدم تقبيلها و«إلا لحملت من القبلة».

أما في تلك الأمسية التي أحياها شاعرنا الراحل بالبحرين، والتي صادفت الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، فقد التقط صاحب «سرير الغريبة» دلالة ذلك الحضور الكثيف للنساء، فأطلق شعار «من لا يحب الشعر في هذا المساء فلن يحب»، شعار كرره الحضور كثيرا في تلك الأمسية. وكانت قصيدته الأولى بعنوان «هن الجميلات»، ووصفها بأنها قصيدة «انتهازية»، يمتدح فيها كل النساء، لكنه قطع إلقاءه للقصيدة بسبب ضجيج الهواتف النقالة، فكان أن داعب الجمهور مع أول رنين قائلا: «هن الموبيلات»، بدلا من «هن الجميلات».

وبعد لحظات استرجاع روح وذكرى الشاعر الراحل، ترجل المشاركون والجمهور نحو الحديقة التي وهبت أصيلة اسمها له، لتصير معلمة من معالمها، وهناك، قال بن عيسى: «وفاء منا لروح الشاعر العربي الكبير محمود درويش، اخترنا في بلدية أصيلة أن نعطي اسمه لإحدى حدائق مدينتنا. اخترنا حديقة توجد بساحة الملك الراحل محمد الخامس، في إشارة رمزية إلى أن الشاعر الفقيد كان ولا يزال رمزا كبيرا لحركة التحرر التي عاشها بجوارحه، تماما كما عاش ملكنا الراحل في وجداننا، قائدا لتحرير البلاد من الاستعمار. كما أن اختيارنا يتضمن إشارة إلى جزء خفي في شخصية محمود درويش، لم نتحدث عنه كثيرا، ويتعلق بمحمود درويش الطفل، والذي ظل يخفي في جوانبه طفولة عاشها بأفراحها وأتراحها. ولذلك اخترنا أن تكون الحديقة خاصة بالأطفال، بحيث يكون في مقدورهم المرح مع روح محمود درويش».

وختم بن عيسى كلمته بالقول: «سيتوقف رواد الحديقة وقد أصبحت مزارا للباحثين عن الهدوء والسكينة، أمام هذا الاسم الشامخ العلم. ستسأل أجيال بعدنا: لماذا سمت مدينتنا هذا المكان الجميل باسم محمود درويش؟ عليهم أن يبحثوا عن الجواب في سجل مدينتهم الثقافي، وسيدركون حينئذ لماذا تبادلت أصيلة العشق مع عاشق فلسطين». إثر ذلك، قام كل من محمد بن عيسى ومحمد الأشعري وزير الثقافة المغربي الأسبق والناقد المصري صلاح فضل، بإزاحة الستار عن اللوحة الرخامية المثبتة على النصب التذكاري، وقراءة ما كتب عليها: «رائد الشعر الفلسطيني الحديث. ربط إبداعه بالثورة وتحرير وطنه وشعبه. من مواليد قرية البروة بالجليل شمال فلسطين. مارس الكتابة والنشر في عدة صحف، كما شارك في تحريرها. توفي في هيوستن بالولايات المتحدة الأميركية يوم 9 أغسطس 2008، وشُيع في جنازة وطنية مهيبة حيث ووري الثرى في رام الله بفلسطين». وعلى جانب من اللوحة كانت هناك قصيدة «يطير الحمام» وعلى الجانب الآخر مقطع يقول: