حماس تواجه أنصار السلفية الجهادية في غزة «أمنيا وفكريا»

بعد أن زادت نشاطاتهم «المخلة بالأمن» في الآونة الأخيرة

TT

كان سهيل مغاري، 35 عاما، منشغلا في توزيع التعليمات على أعضاء الفرقة الموسيقية، عندما هز انفجار ضخم المنصة التي كانت توجد عليها الفرقة، وبعض أقارب العريس من عائلة دحلان، الذين كانوا يرقصون مبتهجين بهذا الحدث السعيد. لم يدرك سهيل ما حدث إلا بعد ساعتين من نقله للمستشفى، حيث بلغ عدد المصابين في الانفجار 60 شخصا، من بينهم اثنان في حالة خطر.

هذا الحدث الذي وقع قبل ثلاثة أسابيع في مدينة خان يونس جنوب القطاع، واستهدف أحد حفلات الزواج التي تكثر في فصل الصيف في قطاع غزة، ينضم إلى سلسلة من العمليات التي باتت تنسب إلى جماعة إسلامية، تطلق على نفسها اسم «جلجلت»، وهي تتبنى عمليا أفكار «السلفية الجهادية»، التي يعتبر تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، أبرز التنظيمات التي تتبناها. فقد استهدف نشطاء هذه الجماعة صالونات التجميل ومقاهي الإنترنت وبعض دور العبادة الخاصة بالمسيحيين، فضلا عن مسؤوليتهم عن بعض العمليات التي استهدفت قوات الاحتلال في القطاع، التي كان آخرها قيام عشرة من عناصر هذه الجماعة بمهاجمة موقع عسكري إسرائيلي يقع على الخط الفاصل بين القطاع وإسرائيل، وهم يمتطون صهوات الخيول، وهي العملية التي أسفرت عن مقتل خمسة من منفذي الهجوم، دون أن تعترف إسرائيل بإصابة أي من جنودها، فضلا عن قيامهم بعملية تفجير أخرى أسفرت عن مقتل ضابط إسرائيلي وجرح ثلاثة آخرين. وترى مصادر مطلعة في القطاع أن «جلجلت» هو تنظيم هلامي يضم في إطاره عددا من المجموعات الصغيرة، تشترك في تبنيها أفكار «السلفية الجهادية»، فتارة تطلق على نفسها هذا الاسم، وتارة أخرى «أنصار السنة»، وأحيانا «أنصار جند الله» و«جيش الإسلام».

وتعتقد المصادر بأن هذه المجموعات الصغيرة ظهرت كردة فعل على قرار حركة حماس المشاركة في الانتخابات التشريعية التي نظمت في 25 يناير (كانون الثاني) عام 2006 وأسفرت عن فوز كاسح للحركة، حيث رأت هذه المجموعات أنه، وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، لا يجوز المشاركة في هذه الانتخابات. وإثر ذلك شرعت هذه التنظيمات في سلسلة من عمليات التفجير، إلى جانب استهداف الأجانب، إذ تم اختطاف عدد من الصحافيين الأجانب، وفي مقدمتهم مراسل هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» وعدد من العاملين في المنظمات الإغاثية، فضلا عن استهداف عدد من المسيحيين الفلسطينيين، فقط لكونهم غير مسلمين، وهو ما أسفر عن حالة سخط عارمة في القطاع.

وبالإضافة للحملات الأمنية المكثفة التي تقوم بها ضدهم، فإن حركة حماس وحكومتها المقالة، قررتا خوض «نضال فكري» في مواجهة أتباع هذه التنظيمات إلى جانب المعالجة الأمنية. وقال مصدر في حماس طلب عدم الكشف عن اسمه لـ«الشرق الأوسط»، أن الكثير من رجال الدين التابعين لحماس، شرعوا في زيارة الأشخاص الذين ينتمون لهذه التنظيمات، أو الذين يبدون تعاطفا مع أفكارها، ودعوتهم إلى منتديات خاصة لإقناعهم بالعودة عن تبني هذه الأفكار. وحسب المصدر، فقد حقق هذا التحرك نجاحات كبيرة، إذ سرعان ما أعلن العشرات من الكثير من الشباب انسحابهم من صفوف هذه التنظيمات وأعلنوا رفضهم لأفكارها.

من ناحيته فإن الدكتور يحيى موسى، نائب رئيس كتلة حركة حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني، لا يظهر قلقا كبيرا إزاء هذه التنظيمات، ويقول إن التطرف ليس ظاهرة فلسطينية، نافيا أن تكون هذه الجماعات تشكل ظاهرة في الساحة الفلسطينية. وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال موسى: «يدور الحديث عن مجموعات صغيرة تتغذى على الفهم غير الصحيح للدين، ولا يمكن المقارنة بين حجم هذه الظاهرة في القطاع وأي من الدول العربية، وبالتالي فإنه في حال تمت معالجتها بحكمة، فإنها لن تتقلص فقط بل ستزول وللأبد». وحول الأسباب الكامنة وراء ظهور مثل هذه الجماعات، قال موسى، إن انبعاث هذه الجماعات يأتي كردة فعل على ما تتعرض له الشعوب الإسلامية في كل من العراق وأفغانستان والسودان وفلسطين، وردا على ما تعرض له الشعب الفلسطيني في غزة خلال الحرب الإجرامية الإسرائيلية». وأشار موسى، إلى أنه لا يوجد مسوغ منطقي لوجود مثل هذه الجماعات، على اعتبار أن العمل الوطني لا يعاني من فراغ حتى يتقدم هؤلاء لملئه. ويرى أنه يتوجب معالجة هذه المشكلة بشكل شامل وعدم حصرها في الجانب الأمني، موضحا أنه شرع بالفعل «في حملات توعية ثقافية ودينية، ومحاججة أفراد هذه الجماعات غير المتورطين في أعمال مخلة بالأمن والنظام»، مشيرا إلى أن جميع الذين ثبت تورطهم في أعمال مخلة بالأمن محتجزون انتظارا لتقديمهم للمحاكمة.