أميركي خطط لسجون سرية في الخارج لـ«سي آي إيه» ينتهي به الأمر في السجن

فوغو كان مسؤولا عن القاعدة الرئيسية للاستخبارات الأميركية في أوروبا وارتبط اسمه بـ«المواقع السوداء»

برينت وايكس في مكتبه في كاليفورنيا اعتمد عليه كيل دي فوغو، مسؤول قاعدة الإمداد الأوروبية الرئيسية التابعة لـ«سي آي إيه» في بناء السجون السرية «نيويورك تايمز»
TT

في مارس (آذار) 2003، فاجأ مسؤولان في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) كيل دي فوغو، الذي كان مسؤولا حينئذ عن قاعدة الإمداد الأوروبية الرئيسية التابعة للوكالة، بطلب غير مألوف، حيث طلبا منه المساعدة في بناء سجون سرية لاحتجاز بعض أخطر الإرهابيين في العالم. وكان فوغو معروفا داخل الوكالة بأنه يستطيع إرسال طائرة شحن إلى أي مكان في العالم أو الحصول سريعا على الأسلحة والطعام والمال وكل ما تحتاج وكالة الاستخبارات المركزية. وكانت وحدته في فرانكفورت بألمانيا مرهقة بسبب العمل الاستخباراتي داخل أفغانستان والعراق ولكنه وافق على القيام بالتكليف.

وقال خلال مقابلة أجريت معه: «كنت فخورا بالعمل لمساعدة بلادي».

وبهذا، انطلق فوغو ليشرف على بناء ثلاثة مراكز اعتقال، وقد تم بناء كل منها لاستيعاب نحو ستة معتقلين، حسب ما أفاد به مسؤولون استخباراتيون سابقون وآخرون اطلعوا على الأمر. وكشف المسؤولون أن أحد هذه السجون كان عبارة عن مبنى تم تجديده في شارع مزدحم بالعاصمة الرومانية بوخارست. وكان الآخر مبنى في موقع ناء بدولة المغرب كان يبدو أنه لم يستخدم مطلقا. وكان الثالث خارج مدينة تابعة للكتلة الشرقية سابقا. لم يكن مخططا أن تبدو هذه السجون متشابهة، كي يفقد السجناء الإحساس بالزمان والمكان ولا يعرفون أين هم إذا تمشوا في المكان. وتم الإبقاء عليهم داخل زنزانات منفصلة. ويعد وجود شبكة السجون هذه بهدف اعتقال واستجواب العملاء البارزين التابعين للقاعدة أمرا معروفا منذ وقت طويل، ولكن التفاصيل بشأنها ظل سرا مؤتمنا. ولكن، خلال مقابلات أجريت أخيرا قال العديد من المسؤولين الاستخباراتيين السابقين إنهم قدموا تقريرا وافيا عن طريقة بناء هذه السجون وأين كانت وطبيعة الحياة داخلها. ويقر فوغو بأنه لعب دورا في ذلك، ولم ترد تقارير عن ذلك من قبل. واعترف بأنه مذنب العام الماضي في تهمة بالاحتيال تتضمن متعهدا قام بتجهيز سجون تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية وقدم إمدادات أخرى إلى الوكالة، ويقضي ثلاثة أعوام حاليا في أحد سجون كنتاكي. ومن المحتمل أن تصبح السجون التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية أحد برامج مكافحة الإرهاب الاستثنائية التابعة لإدارة بوش ولكن كان بناؤها عملا اعتياديا إلى حد ما، حسب ما قاله المسؤولون الاستخباراتيون. واعتمد فوغو على عمال ومهندسين وضباط تمويل بوكالة الاستخبارات المركزية لبناء السجون، وحين أوشك العمل على الاكتمال، تحول إلى شركة صغيرة مرتبطة بصديق قديم ومتعهد عسكري من سان ديغو يدعى برنت ويكس. وقامت الشركة بتوفير مراحيض ومعدّات سباكة ونظم صوتية وألعاب فيديو ووسائل النوم وأجهزة رؤية ليلية وأجهزة تنصت ونظارات شمسية. وتم شراء بعض المنتجات من «تارغت» و«وول مارت» وعدد من أماكن البيع الأخرى وجرى نقلها جوا إلى خارج الولايات المتحدة. ويقول المسؤولون إنه لم يحضر مواد من الخارج لعمليات الإيهام بالغرق السيئة المشينة فقد كان يستخدم مواد متاحة محليا. ولم يناقش فوغو، 55 عاما، التفاصيل السرية عن السجون. ولم يُتهم فوغو بأنه أساء العمل فيما يتعلق بالسجون السرية، ولكن اُتهم بتوجيه نشاط آخر لوكالة الاستخبارات المركزية إلى شركات ويكس مقابل رحلات مرتفعة التكلفة خلال الإجازات ومجاملات أخرى. وقبل ترك وكالة الاستخبارات المركزية في عام 2006، كان فوغو ثالث أعلى مسؤول وكانت الدعوى القضائية ضده شيئا مشينا بالنسبة للوكالة. وبعد الهجمات الإرهابية في عام 2001، اتجه عالم الاستخبارات إلى السجون السرية ووسائل تحقيق قال منتقدون إنها تعد تعذيبا وقد أدى ذلك إلى تقويض سمعة وكالة الاستخبارات المركزية وإلى طعون قانونية وتحقيقات وانقسامات داخلية ربما تحتاج إلى أعوام قل أن يتم حلها. وتدرس وزارة العدل الأميركية حاليا بدء تحقيق جنائي مع التركيز بمقدار كبير على شبكة السجون السرية التابعة للوكالة، التي أمست تعرف باسم «المواقع السوداء». وقد حولت متطلبات الحربين في العراق وأفغانستان فوغو من مجرد لاعب هامشي إلى عنصر لا يمكن الاستغناء عنه بوكالة الاستخبارات المركزية. وقبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، كانت قاعدة فرانكفورت مركزا نائما لإعادة الإمداد يقوم برحلة أو رحلتين شهريا إلى مواقع نائية. وخلال أيام من وقوع الهجمات كان لدى فوغو ميزانية تبلغ 7 ملايين دولار سرعان ما زادت بمعدل ثلاثة أضعاف. وكان فوغو مديرا على عشرات من الموظفين، ووجه رحلات يومية تقريبا لطائرات شحن محملة بإمدادات من بينها سُرُج ولُجُم وطعام للخيول للقوات القبلية المتنامية التي تجندها وكالة الاستخبارات. وخلال أسابيع، كان قد أخرج مخزون وكالة الاستخبارات المركزية من الرشاشات (أيه كيه 47) وغيرها من المؤن التي كانت موجودة داخل مستودع في المنطقة الغربية الوسطى. وقد كان فوغو الخيار المنطقي لمشروع السجون، فهو مغامر وواسع الحيلة ووطني ومستعد لتقديم مجاملات، ويشبهه البعض داخل وكالة الاستخبارات المركزية بشخصية ميلو ميندربيندر في رواية «كاتش 22» التي ألفها جوزيف هيلر وتتناول الحرب العالمية الثانية، وقد أصبح ميندربيندر أحد أباطرة السوق السوداء بعد أن كان موظفا عاديا. وفي بداية الحرب ضد «القاعدة»، اعتمد مسؤولون بالوكالة بدرجة كبيرة على حلفاء للولايات المتحدة للمساعدة على احتجاز الأشخاص المشتبه في ضلوعهم في أعمال إرهابية داخل منشآت مؤقتة داخل دول مثل تايلاند. ولكن بمرور الوقت، اجتمع مسؤولون في وكالة الاستخبارات المركزية مع فوغو في 2003 وكان هذا الموعد تحدق به تهديدات، حسب ما أفاد به أشخاص على اطلاع بالوضع. وفي تايلاند، على سبيل المثال، يُقال إن مسؤولين محليين بدأوا يشعرون بالقلق بخصوص ظهور موقع أسود خارج بانكوك أطلق عليه اسم «عين القط». (قامت الوكالة في النهاية بتغيير الاسم إلى السجن التايلاندي). وكانت وكالة الاستخبارات المركزية تريد مراكز اعتقال تابعة لها تبقى لفترة أطول. وقال مسؤولون إنه في النهاية ضمت شبكة الوكالة على الأقل ثمانية مراكز اعتقال، وكان من بينها مركز داخل الشرق الأوسط وواحد في العراق وواحد في أفغانستان وموقع طويل الأمد يتمتع بقدر عال من الأمن في خليج غوانتانامو بكوبا.

ولم تكشف وكالة الاستخبارات المركزية رسميا عن عدد السجناء تحديدا الذين احتجزتهم في الماضي، ولكن قال مسؤولون بارزون إن الرقم أقل من 100. ويقول العديد من المسؤولين الاستخباراتيين السابقين إنه في مراكز الاعتقال التي ساعد فوغو على بنائها كانت السجون صغيرة وعلى الرغم من أنها بُنيت لاستيعاب نحو ستة معتقلين كان نادرا ما يحتجز فيها أكثر من أربعة. وقد أسست الزنزانات بسمات معينة لمنع إصابة السجناء خلال إجراء التحقيقات، فعلى سبيل المثال كانت الأرضيات لا تزحلق وكانت الحوائط مرنة ومغطاة بالخشب الرقائقي لتقليل أثر ضرب شخص في الحائط.

وكان يتم احتجاز السجناء داخل زنزانات كل منها بعيدا عن الأخرى لمنع اتصال بعضهم بعضا، وكان يتم إبقاؤهم في سجن انفرادي لمدة 23 ساعة يوميا. وخلال العمل اليومي الذي يستغرق ساعة، كان يتم إخراج سجناء من الزنزانات يرافقهم ضباط أمن تابعون لوكالة الاستخبارات المركزة يرتدون أقنعة سوداء لإخفاء هوياتاهم ولترويع المعتقلين، حسب ما يقوله مسؤولون استخباراتيون.