الفانوس والمدفع والمسحراتي: تراث لا يتخلى عنه الدمشقيون في رمضان

أجواء دينية وشعبية خاصة يفرضها شهر الصيام

فانوس رمضاني عملاق يزين مجمعا تجاريا دمشقيا («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن فانوس رمضان جاء من مصر كتقليد رمضاني قديم، فإن الدمشقيين استهواهم الفانوس منذ مئات السنين وتفننوا في تصميمه وتزيينه بشكل تراثي، حيث يؤكد الباحثون في مجال التراث أن سكان حارات دمشق وأزقتها وأسواقها داخل السور وخارجه كالعمارة والقيمرية وساروجة والميدان والشاغور وغيرها يتنافسون ويتباهون باقتناء فانوس رمضان كحالة ابتهاجية وفرحية بقدوم الشهر الفضيل، وكان في البداية عبارة عن فوانيس صغيرة، ولكن في السنوات الأخيرة ومع إمكانية التفنن في صناعة فانوس رمضان بات كثير من الأسواق والمجمعات التجارية الدمشقية يستقبل شهر رمضان بفوانيس كبيرة ويتنافسون على اقتناء وتنفيذ الأكبر منها والأجمل بحيث تزين مداخل هذه المجمعات والأسواق وتضيء ليالي رمضان وتنشر إضاءتها على المتسوقين ورواد هذه الأسواق والمجمعات، كما يتفنن مصنعو هذه الفوانيس بتحضيرها من الزجاج الملون والمعشق الذي يشتهر به حرفيو دمشق اليدويون بحيث يعكس مجموعة من الألوان الزاهية حتى في النهار عندما تكون الشمس ساطعة ليعطي منظرا جماليا محببا لدى الناس. ومن الأشياء التراثية التي يحرص الدمشقيون على وجودها في الشهر الفضيل هو مدفع رمضان، فعلى الرغم من وجود التلفزيونات في كل بيت دمشقي، حيث يعلن ومن خلاله بدقة عن موعد الإفطار والسحور والإمساك، فإن كثيرا من الدمشقيين لا يفطرون ولا يتسحرون إلا على صوت المدفع الذي ينطلق من بعض حدائق دمشق ومن خلال عمال تفرغهم محافظة دمشق والبلديات لإطلاق مدفع رمضان من خلال مفرقعات صوتية حاليا، والتي هي عبارة عن أسطوانة معدنية مفرغة تنصب في الأرض عموديا وتحشى بكمية من البارود ثم تشعل بالنار لتنطلق في الجو وتنفجر محدثة صوتا مدويا أشبه بصوت المدفع. ويؤكد الباحثون هنا أن مدفع رمضان في القرون الماضية وحين لم تكن هناك حارات كثيرة في دمشق كان يوضع على سطح قلعة دمشق حيث يسمع الصوت في كل أنحاء مدينة دمشق ـ كما تقول الباحثة غفران الناشف ـ لصغرها ولقرب أحيائها القديمة ضمن السور. وفي ظل الانتداب الفرنسي نقل المدفع إلى جبل قاسيون في هضبة منه تدعى السيار، ولكن مع اتساع دمشق خارج السور وضع مدفع آخر عند باب كيسان.

ولمدفع رمضان في دمشق تقاليده ومواعيده الدقيقة، حيث تطلق ثلاث قذائف قبل موعد الإمساك بساعة ونصف الساعة ثم عند وقت الإمساك وبدء الصيام.

كذلك ومن الأمور التراثية التي لا يمكن للدمشقيين التخلي عنها في الشهر الفضيل هو المسحراتي، الذي يقوم حاليا عدد من الشباب والرجال بتنفيذه، خاصة في الحارات الدمشقية القديمة والشعبية، وهو تقليد قديم محبب لدى الدمشقيين، خاصة أن المسحراتي، ومن خلال تقاليده الخاصة مع طبلته الشهيرة ولباسه الميز حيث الشروال والصدرية التقليدية والفانوس معه، يوقظ الناس في الحارة لتناول طعام السحور وينادي كل صاحب منزل باسمه ولا يغادر حتى يرد عليه صاحب البيت ويعني ذلك أنه استيقظ مع أفراد أسرته للسحور، ويتم ذلك بطقس تراثي جميل مع عبارات وأهازيج يرددها المسحراتي ومنها: «أومو إلى سحوركم اجا رمضان يزوركم»، وهناك مدائح نبوية ومنها: «يا قلب صلي على طه النبي الكامل، كامل مكمل وببحر العلم الكامل، ما يطلع الحج إلى عرفات إلا ويتكامل، أنا إن مدحت النبي شالت حمالي، وإن ما مدحت النبي يا ثقل حمالي، ياما سارت لك محامل يا أشرف العربان حنين بدرك وحنين نورك يا محمد بان كف النبي الهاشمي نبع الزلل منه (الماء الزلال)».