النقشبندي إمام المداحين.. ينعش سوق التواشيح الرمضانية في مصر

يجدون في صوته أنسا روحيا يشعرهم بالرضا

TT

حالة نادرة من النقاء والصفاء والجمال تجتمع في صوت المنشد الديني المعروف سيد النقشبندي، فما إن تندمج في الإصغاء إليه، حتى تنتشي روحك، وترتقي إلى مدارج من النور والكمال.

وعلى الرغم من رحيله قبل عدة سنوات فإن صوت النقشبندي لا يزال متربعا على سوق التواشيح والأهازيج والأدعية الدينية في مصر، فأغلب الصائمين يجدون فيه أُنسا روحيا، يشعرهم بالرضا والسرور. يشبه صوت النقشبندي الزينات والتعاليق الشعبية في شوارع القاهرة أيام رمضان، كما يشبه مدفع الإفطار ومقاهي القاهرة المعزية، إنه جزء من المشهد الرمضاني البهيج، فصوته الذي يتناثر كحبات البلور يجعل المكان ممتلئا إلى حده الأقصى، حتى تكاد تصدق أنه قادر على الظهور في المشهد إن أنت التقطت صورة فوتوغرافية لحي الحسين في ليالي رمضان. لكن على الرغم من هذه الشهرة، فما هو معروف عن حياة هذا الرجل ليس بالشيء الكثير لعدة أسباب، أولها أنه لم يدخل إلى دائرة الضوء إلا في سنواته الأخيرة، حتى إن التسجيلات التي وصلتنا بصوته الرائع سجلها في شهوره الأخيرة فقط، على إثر إحيائه حفلة دينية بالحسين تلقفته بعدها الإذاعة، ثم شاع صيته في أرجاء مصر والعالم الإسلامي. وثاني هذه الأسباب أن الطريقة التي انتمى إليها شيخنا هي الطريقة النقشبندية التي تعتمد الذكر بالقلب.

ولد سيد محمد النقشبندي بقرية «دميرة» إحدى قرى محافظة الدقهلية بمصر في عام 1920، لكنه انتقل مع أسرته وهو في العاشرة من عمره إلي مدينة طهطا بمحافظة سوهاج. وفي طهطا كان والده هو شيخ الطريقة النقشبندية وبطبيعة الحال كان شيخنا واحدا من مريديها. وقد سميت الطريقة بـ «النقشبندية» نسبة إلى محمد بهاء الدين نقشبند، الذي ولد في عام 717 هـ في قصر العارفان ـ بقرية من قرى بخارى – وقد عرفت الطريقة به؛ لأنه قصر الذكر فيها على الذكر الخفي بالقلب، وقد كانوا قبله يجتمعون للذكر جهرا، وكانت تنسب قبله إلى الشيخ عبد الخالق الغجدواني، ولذلك سميت بالغجدوانية، كما سميت أيضا بعد ذلك بالفاروقية نسبة إلى أحمد الفاروقي السرهندي. وعرفت في بلاد الشام بالخالدية، نسبة إلى خالد النقشبندي الذي نشرها في هذه البلاد، بعد أن رحل إلى بلاد الهند لتلقيها من عبد الله الدهلوي.

أما انتقالها إلى مصر فكان من خلال الشيخ عمر بن الشيخ عثمان الطويلي، والذي أخذ عنه الشيخ محمد أمين الكردي الشافعي النقشبندي، والشيخ سلامة العزامي الشافعي النقشبندي، وغيرهما من كبار علماء الأزهر وهيئة كبار العلماء. ثم حاليا الشيخ محمد بن الشيخ نجم الدين الكردي «المستشار بوزارة العدل المصرية، والحاصل على درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية من الأزهر»، وهو شيخ الطريقة الحالي.

والطريقة هي مسلك خاص من مناهج التصوف يتخذه السالك للوصول إلى غاية هي الإيمان الكامل الذي يصل إلى عين اليقين أو حق اليقين. ويقول الإمام الرباني في مكتوباته إن الفرق بين إيمان العلماء وإيمان المشايخ الكاملين للتصوف هو أن معرفة العلماء بالاستدلال وأن معرفة المتصوفين بالكشف والذوق وسواء كان الأساس استدلالا أو كشفا فإن الغاية هي تطبيق الشريعة المحمدية.

أما عن منهج الطريقة النقشبندية فيقول الشيخ عبد الله الدهلوي المتوفى في 1240 هـ إن ثمرة هذه الطريقة «النقشبندية» هي الحضور الدائم في حضرة الحق تعالى، وترسيخ العقيدة الإسلامية، عقيدة أهل السنة والجماعة وأتباع سنة النبي الكريم «صلى الله عليه وسلم». وفي كتاب «الحديقة الندية» للشيخ محمد بن سلمان البغدادي يروى أن الشيخ محمد مراد الأزبكي قال «إن الطريقة النقشبندية طريقة الصحابة الكرام باقية على أصلها، لم يزيدوا ولم ينقصوا، وهي عبارة عن دوام العبودية ظاهرا وباطنا بكمال الالتزام بالسنة والعزيمة وتمام اجتناب البدعة والرخصة في جميع الحركات والسكنات من عادات ومعاملات مع دوام الحضور مع الله تعالى على طريق الذهول والاستهلاك».

للنقشبنديين ثلاثة طرق للوصول إلى قمة المراد؛ أولاها دوام الذكر، ويعني ذكر الذات أو ذكر الجلالة. وذكر «لا إله إلا الله». ومن آداب الذكر لديهم أن يلصق المريد لسانه بعرش فمه لمنعه من الحركة، كي يحافظ على المفهوم الأساس في الطريقة، أي الذكر الباطني. أما الطريقان الآخران فهما المراقبة وإطاعة المرشد. وغاية المريد تطهير اللطائف وهي القلب والروح والسر والخفي والنفس والبدن حتى تبدأ كل ذرة من جسد العابد في ذكر الله.

لهذه الطريقة ينتمي إمام المداحين سيد النقشبندي الذي ذكر الله في سره وفي جهره، وأنشد في حبه بصوت بديع قوى تحسبه آتيا من عالم آخر فاستحق إطلاق اسمه على أكبر شوارع مدينة طنطا التي عاش فيها أغلب عمره.