خيارات عدة أمام العراق لإنشاء محكمة دولية خاصة بالتفجيرات.. لكنها تعتمد على دعم دولي

خبير قانون دولي لـ«الشرق الأوسط»: قد ترغب بغداد في تضييقها كي لا تثار مفاجآت تحرجها

TT

هناك خيارات عدة أمام العراق لإنشاء محكمة خاصة بالتفجيرات التي هزت بغداد الشهر الماضي، ولكن جميعها يعتمد على تعاون دولي من أجل إعطاء شرعية ووزن للمحكمة في حال مضت الحكومة العراقية قدما في طلب تأسيسها. وستكون الخطوة الأولى في العمل على إنشاء مثل هذه المحكمة التوجه إلى الأمم المتحدة والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون النظر في القضية. وبعدها سيكون على مون التشاور مع أعضاء مجلس الأمن حول جدوى مثل هذه المحكمة.

وقد أفاد بيان للحكومة العراقية صادر في 25 أغسطس (آب) الماضي، أن مجلس الوزراء العراقي أوعز إلى «وزارة الخارجية العراقية بمطالبة مجلس الأمن الدولي بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الذين خططوا ونفذوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد المدنيين العراقيين على غرار المحاكم الجنائية الدولية التي شكلت في أكثر من منطقة في العالم». ويذكر أن الطلب العراقي هو تشكيل محكمة جنائية دولية، شبيهة بتلك التي أنشئت لمحاكمة الجهات وراء اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو ورئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. ولن يتوجه العراق إلى محكمة العدل الدولية، وهي الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة التي تتولى الفصل طبقا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، إذ لا يعتزم العراق العمل على توجيه اتهام لدولة معينة أو المطالبة بالفصل معها، بل فتح ملف التفجيرات في البلاد والبحث عن الجهات التي تقف وراءها. وعند العمل على إنشاء محكمة دولية، على الأمم المتحدة تكليف المحكمة الجنائية الدولية في مثل هذه القضية أو إنشاء محكمة خاصة خارج إطار المحكمة الجنائية الدولية، وذلك من خلال تعاون بين الدولة المعنية وقضاة قانون دولي خاص. وإذا رغب العراق في الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي، عليه أولا الاعتراف بالمحكمة، إذ إن العراق ليس من الدول الـ110 الأعضاء في المحكمة. وشرح البروفسور سيزار رومانو، وهو خبير قانون دولي وبروفسور في جامعة «لويولا» في لوس أنجليس لـ«الشرق الأوسط» أن «العراق ليس عضوا في المحكمة، ولكن يمكنه التوجه إليها وإعلان اعترافه بشرعيتها في قضية محددة.. كل الخيارات مفتوحة أمام الحكومة العراقية في حال مضت قدما في هذه المسألة».

وبموجب نظام روما الأساسي، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2002 لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، هناك 4 جرائم يمكن أن تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية، وهي «جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان». وتريد الحكومة العراقية أن تركز على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي تصيب العراق من جراء التفجيرات. وليس من الواضح بعد الإطار الزمني والحوادث المحددة التي تريد الحكومة العراقية أن تبحثها محكمة دولية، كما أن التوجه إلى محكمة دولية قد يفتح ملفات عدة حول شرعية ما يحدث في العراق خلال السنوات الست الماضية والأطراف المختلفة المتورطة في إثارة العنف في البلاد. وقال رومانو: «تحديد إطار زمني أو تحديد حوادث معينة لمحكمة دولية يثير تساؤلات عن العدالة غير الكاملة، إذ تنظر إلى جرائم معينة وتترك أخرى لأسباب سياسية، ولكن على الأرجح أن ترغب الحكومة العراقية في وضع حد ضيق للمحكمة كي لا تثار مفاجآت قد تحرجها.. المطالبة بمحكمة دولية قد يفتح ملفات ويثير مفاجآت في العراق على المدى البعيد». وأضاف: «أعتقد أنه إذا فاتحت الحكومة العراقية المحكمة الجنائية الدولية، سيكون رد المحكمة أنه يجب النظر في إطار زمني أوسع من فقط تفجيرات وزارتي الخارجية والمالية الشهر الماضي، وحينها النتيجة لن تكن واضحة». وشرح رومانو: «أقرب حالة للعراق هي المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أنشئت للنظر في مقتل الحريري، وهذه محكمة مشتركة بناء على التعاون بين الأمم المتحدة ولبنان، فيها مزج بين القضاء اللبناني والدولي وهذا نموذج قد يفيد العراق». وأضاف: «علينا النظر إذا ما كان هذا النموذج هو الأفضل للعراق، فالمحكمة الخاصة بلبنان استغرقت وقتا طويلا، كما أن حيز عمل المحكمة ضيق جدا مما يثير شكوكا حول المحكمة ويجعل قراراتها سياسية». وتابع: «هناك أيضا حاجة لإشراك الأمم المتحدة في هذه المسألة وليس من الواضح بعد إذا ما كانت الأمم المتحدة تريد الخوض في هذه القضية الحساسة». ودور الأمم المتحدة جوهري في إقامة محكمة دولية لديها السلطة لإلزام الدول الأعضاء بالتعاون مع أية محكمة دولية. وقال رومانو: «ليس واجبا على العراق أن يتجه للأمم المتحدة لإقامة المحكمة الخاصة، فقد يفعل ذلك مع عدد من الدول الصديقة أو بالتعاون مع منظمة أخرى مثل الجامعة العربية». ولكنه أردف قائلا: «لكن إشراك الأمم المتحدة وتبني قرار مجلس أمن منها مهم من أجل تقوية أية محكمة دولية والتأكد من تطبيق أحكامها».