مآذن دمشق تتألق بأنوارها في رمضان مع كل أذان وصلاة تراويح

تتميز بثرائها المعماري الذي ينتمي لـ19 طرازا معماريا تاريخيا ومعاصرا

مآذن التكية السليمانية التاريخية في دمشق («الشرق الأوسط»)
TT

تتألق مآذن جوامع دمشق في شهر رمضان المبارك، حيث تبهر أنوارها الملونة بالأخضر والأصفر والأزرق عيون الناس، ولذلك يطلق عليها أيضا اسم «المنارات» مع طرزها المعمارية الجميلة والمتنوعة حسب عصور تشييدها مع الجوامع أو بعد إنجاز الجوامع في عصور لاحقة، فتتناغم مع أصوات المؤذنين بشكل روحاني رائع، خاصة في المساء والليل ما بين الإفطار والسحور، وقد كانت مآذن الجامع الأموي الثلاث (العروس وعيسى وقايتباي) هي الأقدم والأشهر بين مآذن جامع دمشق واشتهرت بتقاليد خاصة في الأذان قبل وجود مكبرات الصوت، حيث كان جماعة المؤذنين في المسجد الأموي يصعدون منارة «العروس» يرفعون أصواتهم بالأذان ليسمع الجميع الدعوة للصلاة، ثم ترفع كرة معدنية حمراء اللون لكي تعلق عند دخول وقت الصلاة وليراها من لم يسمع الأذان وكانت تشاهد من جميع أنحاء مدينة دمشق القديمة. ويؤكد كثير من الباحثين التاريخيين أن أول مئذنة بنيت في الديار الإسلامية على شكل برج مربع يوحي بالرصانة والتقشف هي «مئذنة عيسى»، وقد شيدت بالحجارة المنحوتة على الجدار الجنوبي من الجامع، ولا يزال قسمها المربع باقيا مصونا منذ تاريخ بنائها. كما يؤكد الباحث الدكتور عبد القادر ريحاوي أن مآذن العالم الإسلامي كلها شيدت على نسق «مئذنة العروس» التي تميزت بتكويناتها المعمارية على شكل أبراج معمارية طوال قرون كثيرة، ولم يتغير شكل المآذن إلا بعد القرن الثاني عشر الميلادي، حيث أخذت تظهر مآذن مضلعة وأخرى مستديرة. أما تسمية «مئذنة العروس» فتنسب إلى مظهرها عندما كانت تتلألأ بأنوار الفوانيس في المناسبات مما يجعلها تشبه العروس ليلة زفافها.

وقد قسم الباحث التاريخي قتيبة الشهابي مآذن دمشق إلى 19 طرازا حسب العهد الذي بنيت فيه، ومنها مآذن العهد الأموي، والنوري، والأيوبي، والمملوكي، والشامي المملوكي، والمعاصر بطراز مملوكي، والعثماني، والشامي العثماني، والطراز الشامي كثير الأضلاع، والطراز الشامي المختلط، والطراز الرمزي، والطراز الهجين، والطراز الحديث. ومن أجمل وأكمل مآذن العهد الأموي معماريا وهندسة بناء بالإضافة لمآذن المسجد الأموي الثلاث، هناك مآذن العهد النوري، حيث أدخل نور الدين محمود بن زنكي عناصر العمارة السلجوقية في الجوامع والمآذن، ومن أشهر مآذن ذلك العصر «مئذنة الباب الشرقي» التي تتميز بجذع مربع متقشف خال من العناصر التزيينية أو الزخرفية، وكذلك الشرفة البسيطة، وتغطي رأسها قلنسوة مخروطية كثيرة الأضلاع ترتفع فوق جوسق مثمن. ومن مآذن العهد النوري الجميلة هناك «مئذنة جامع حسان» في حي السويقة بدمشق القديمة. أما مآذن العهد الأيوبي وهي كثيرة في دمشق فتميزت بأنها ذات جذع مربع بسيط ومتقشف في عمارته وشرفتها وحيدة ومربعة ومظلتها مربعة أيضا، وهي خالية من المقرنصات وبقية العناصر التزيينية والزخرفية وينتهي رأسها غالبا بخوذة. ومن أجمل وأبرز مآذن العهد الأيوبي هناك «مئذنة المدرسة الأتابكية» و«جامع التوبة» وهي ذات جذع مثمن تزينه مداميك حجرية ذات لونين متناوبين بطراز الأبلق، وشرفتها مبنية على غرار الجذع، وهناك أيضا «مئذنة الجامع الجديد» و«جامع جراح» و«جامع الحنابلة» في حي الصالحية والمدرسة الشامية البرانية والمدرسة المارادانية والمدرسة المرشدية ومئذنة جامع المصلى.

أما مآذن العهد المملوكي، فمن أبرزها مئذنة جامع الشحم في نهاية سوق مدحت باشا، ومئذنة جامع البزوري وتنكز والتوريزي والجوزة والحيوطية والقلعي والأقصاب والمعلق ومسجد هشام وجامع الورد ومئذنة مدرستي الصابونية والسيبائية. وتتميز هذه المآذن المملوكية بشكلها المثمن الذي ظهر لأول مرة في مآذن دمشق كطراز معماري في الجذع والشرفة والجوسق مع استمرار الشكل المربع والأسطواني في البقاء. كما ظهرت ولأول مرة ـ كما يذكر الباحث الشهابي ـ الذروة الصنوبرية، وعودة الجذع الأسطواني للظهور. أما مآذن العهد العثماني، فهي كثيرة جدا في دمشق، وتميزت برشاقتها وكثرة أضلاع الجذع بشكل يقترب من الأسطوانة أو قد يكون اأسطوانيا كاملا، والنحول مع الارتفاع، وأحادية الشرفة وثنائيتها، مع غياب الزخارف، وظهور القلنسوة المخروطية المصفحة بالرصاص في معظم مآذن العهد العثماني، مع ظهور مآذن طليت بالقاشاني الأخضر الجميل مثل مئذنة جامع السنانية قرب باب الجابية، ومن أشهر مآذن العصر العثماني هناك مئذنة جامع الشيخ محيي الدين وهي أول مئذنة تشيد في العهد العثماني وتتميز بغنى زخرفي. وهناك مآذن التكية السليمانية وجوامع الدرويشية ومراد باشا وغيرها. أما مآذن العصر الحديث، فقد تميزت بثرائها المعماري والزخرفي وتأثرها بالطرز المعمارية القديمة، وقد شيدت عشرات المآذن في العصر الحديث في دمشق وحلب والمدن الأخرى بطرز معمارية جميلة يتزاوج فيها التراث مع المعاصرة.