عائض المطيري.. العسكري الحاضر مع طلقة كل مدفع إفطار

يتزامن اليوم مرور 50 عاما على وفاته أثناء عمله

الصورة الوحيدة للشهيد عائض المطيري والتي التقطت له قبل أكثر من 50 عاما («الشرق الأوسط»)
TT

13 رمضان، غروب الشمس، مدفع الإفطار.. تفاصيل اعتادها ملايين المسلمين حول العالم في شهر رمضان المبارك، لكنها تبدو مختلفة لعائلة الجندي عائض المطيري، الذي يصادف اليوم مرور 50 عاما على رحيله، بعد أن سجل اسمه كأول شهداء الواجب من منسوبي الدفاع المدني وأول ضحايا مدفع رمضان في السعودية، حيث توفي نتيجة انفجار مدفع إفطار ليلة الـ13 من رمضان عام 1380هـ، في محافظة عنيزة، مما يجعل طعم تمرة الإفطار مختلفا في حلوق أفراد أسرته بمثل هذا اليوم الذي هو بمثابة «اليوبيل المأساوي» لهم.

ذهب عائض المطيري وهو بمنتصف العشرينات، وبقي ابنه الوحيد عبد الله، الذي توصلت إليه «الشرق الأوسط»، ليوضح أن عمره يوم الحادثة كان 4 أشهر فقط، وأضاف «منذ أن توفي والده وعمره 4 أشهر لم يشعر بالأبوة، بينما أغلب الناس شاهدوا آباءهم وعاشوا معهم.. وهذا الأمر صعب عليه».

وأوضح عبد الله الذي هو اليوم أب لابن واحد وأربع بنات؛ أنه تربى مع جده وأخواله وعاش طفولة مشتتة، فيما يؤكد أنه يشعر بالفخر لكون والده استشهد في خدمة الوطن.

وبدا لافتا في رحلة البحث الأولية صعوبة المهمة في الوصول لأي معلومة عن أول شهيد في السعودية من رجال الدفاع المدني، نظرا لطول فترة رحيل الرجل الذي استشهد ببدلته العسكرية وفقد حياته صائما، لحظة إفطار المسلمين، وهو يستعد ورفاقه، لإنجاز مهمتهم الثالثة عشرة في ذلك الشهر الفضيل والعمل لأجل آلاف الصائمين في الثمانينات الهجرية.

ويسترجع عبد الله المطيري، ابن الشهيد، بعض المآثر التي سمعها عن والده بجمل متقطعة، موضحا أنه «كان طيبا وكريما وشخصا محبوبا في منطقة القصيم»، وأضاف «تأثرت كل المنطقة بوفاته، وأحدث الخبر ضجة كبيرة يومها»، وتابع قائلا «كان هو المسؤول عن مدفع الإفطار مع بعض الأشخاص، لكن الحمد لله لم يتضرر الآخرون».

قصة استشهاد عائض المطيري لا تمتاز بكونه يأتي على رأس قائمة شهداء الدفاع المدني فقط، بل أيضا لأنه أول ضحايا مدفع الإفطار، الذي بدأ استخدامه قبل خمسة قرون في عهد الممالك ممن حكموا مصر وغيرها من البلدان المجاورة، حتى أصبح المدفع عادة رمضانية في أكثر من دولة إسلامية، والمكون من دولابين كدواليب العربات، وقذيفة من حشوة قماش الكتان، معبأة بالبارود ومتصلة بكبسولة يضعها الجندي في المدفع ويطلقها بواسطة حبل رفيع.

إلا أن صورة مدفع الإفطار وصوت طلقته المسبوقة بكلمة «اضرب»؛ مظاهر تعيد غصة الذكرى لدى عائلة الشهيد، كما يوضح ابنه، الذي أكد أنه يستحضر ذكرى والده كلما دخل شهر رمضان ومع كل مائدة إفطار، وبسؤاله عما إذا كان أصيب بفوبيا من مدفع الإفطار، اكتفى بتسليم أمره لقضاء الله، قائلا «فقدت أغلى الناس، لكن هذه مشيئة الله».

وتسلمت «الشرق الأوسط» صورة من سجل الشهيد الصادر عن المديرية العامة للدفاع المدني، والمتضمن نبذة من حياته، جاء فيه أن اسمه الكامل: عائض بن ماطر بن زائد المطيري، الرتبة: جندي، الرقم 2، جهة العمل: مركز الدفاع المدني بعنيزة سابقاً، التحق بالخدمة العسكرية بالدفاع المدني بعنيزة بموجب أمر مدير الأمن العام، عام 1958، وباشر العمل بعدها بيومين براتب شهري قدره 200 ريال، ومُنح إجازة اعتيادية لمدة شهر واحد قبل وفاته بحوالي 3 أشهر.

ويظهر السجل أن الشهيد انتهت خدماته بموجب الأمر رقم 672، معللا ذلك «بسبب ثورة المدفع به عندما كان المذكور يقوم بتعبئته وتجهيز استعداداته للإيذان ببدء الإفطار خلال شهر رمضان لعام 1380، حيث كان من مسؤوليات الدفاع المدني بذلك الوقت»، في حين أكد الرائد عبد الله الحارثي، الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للدفاع المدني، خلال حديث هاتفي لـ«الشرق الأوسط» أن مدفع الإفطار انتقلت مهمته من الدفاع المدني إلى الأمن العام منذ سنوات عدة.

وحصلت «الشرق الأوسط» كذلك على صورة من تقرير اللجنة الطبية العسكرية العليا بوزارة الداخلية، الصادر عام 1986، بشأن إعادة دراسة كافة الأوراق المختصة بالشهيد، والذي كشف أن «الجندي المذكور تعرض لحادث انفجار المدفع وتوفي على إثر ذلك بعد أن أصيب بفقدان رقبة الجمجمة مع منتصف الوجه العلوي وفقدان الساعدين الأيمن والأيسر».

وأوضح التقرير أن الشهيد عائض المطيري كان مكلفا بهذه المهمة برفقة اثنين من زملائه الجنود، هما مشبب بن حمود الشهري، الجندي بشرطة الرياض المنتدب لهذه المهمة، وكذلك عوض بن سعد الأحمري، الجندي بمطافي عنيزة، ويؤكد التقرير أن وفاة المطيري كانت أثناء الخدمة وبسببها، في حين لم يصب زملاؤه الآخرون بأي أذى.

وكان للـ50 عاما التي مضت على هذه الحادثة دور في صعوبة إيجاد صور للشهيد، باستثناء صورة يتيمة واحدة، وضعتها أسرته داخل برواز أزرق مذهب الأطراف؛ وعلقتها على الحائط، فيما تكفل حفيده بإرسال الصورة لـ«الشرق الأوسط» على الإنترنت عبر برنامج (إم إس إن ماسنجر)، ولم يبد ملما بتفاصيل وفاة جده، كحال الكثير من الشبان الذين لم يشهدوا العصر الذهبي لمدافع الإفطار.

ورغم تنحي معظم الناس اليوم عن معرفة موعد الإفطار بواسطة المدفع، بعد أن غاب صوته في ضجيج الحياة، وظهرت بدائل متنوعةٌ كضبط الساعة السويسرية أو ساعة الديجيتال اليابانية ومقارنتها بالرزنامة المطبوعة التي تحدد موعد الإفطار بالدقيقة والثانية طيلة شهر رمضان، إلا أن صورة مدفع الإفطار لا تزال محفورة بأذهان أسرة عائض المطيري، تذكرهم دائما بالأب، والتضحية، والوطن.