وزير الخارجية البريطاني: لندن لم تكن تريد أن يموت المقرحي في السجن

قال: إن لقاء براون مع القذافي لم يتضمن صفقة.. وإطلاق سراحه ليس بأيدينا

TT

رفض رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون أمس اتهامات بأن يكون ساعد في إطلاق سراح عبد الباسط المقرحي المدان بتفجير لوكربي 1988، مرتبطا بمصالح نفطية, أو أنه أعطى «تطمينات خاصة» للزعيم الليبي معمر القذافي في هذا الشأن.

وقال براون خلال زيارة إلى برمنغهام أمس: «لم يكن هناك أي مؤامرة ولا تستّر ولا اتفاق مزدوج ولا اتفاق بشأن النفط ولا محاولة لإصدار تعليمات لوزراء اسكوتلنديين ولا تطمينات خاصة من جانبي للزعيم القذافي». وأضاف براون أنه لم يتدخل في القرار الصادر عن الحكومة الاسكوتلندية بإطلاق سراح المقرحي من السجن لأسباب صحية في 20 أغسطس (آب) الماضي.

ومن جهته, قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد مليباند أمس إن بلاده لم تكن تريد أن يموت عبد الباسط المقرحي في السجن، مؤكدا أن لندن لم تمارس الضغط على الحكومة الاسكوتلندية في هذه المسالة.

وذكر مليباند لإذاعة الـ«بي بي سي» البريطانية: «لم نكن نريد أن يموت (المقرحي) في السجن.. لم نكن نسعى إلى أن يموت في السجن»، نافيا مجددا وجود صفقة مع ليبيا للإفراج عن المقرحي. وأضاف: «المزاعم تقول إننا ضغطنا بشكل ما على الحكومة الاسكوتلندية لاتخاذ قرار ما» بشأن الإفراج عن المقرحي. وأكد: «لم تمارس الحكومة البريطانية أي ضغط على الاسكوتلنديين».

ويأتي إقرار مليباند بأن بريطانيا لم تكن ترغب في أن يموت المقرحي في السجن بعد نحو أسبوعين من الإفراج عنه من سجن اسكوتلندي لأسباب صحية لأنه كان يعاني من مرحلة متقدمة من سرطان البروستاتا.

ويرجح أن تزيد هذه التصريحات من الضغوط على رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون الذي تؤكد حكومته أن القرار بالإفراج عن المقرحي اتخذ من قبل الحكومة الاسكوتلندية التي تتمتع بشبه حكم ذاتي.

وكشفت وثائق رسمية نشرت أول من أمس أن لندن وافقت على إدراج قضية المقرحي في اتفاق مع طرابلس بشأن نقل السجناء بهدف عدم «الإضرار» بعلاقاتها مع هذا البلد. وتشكل هذه الوثائق جزءا من مراسلات بين بريطانيا واسكوتلندا تم إعلانها بعد معلومات أوردتها صحيفة «صنداي تايمز»، مفادها أن الإفراج المثير للجدل عن المقرحي تم في مقابل توقيع عقد نفطي.

إلا أن مليباند أكد أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق مع طرابلس، مشيرا إلى أن براون أوضح ذلك في اجتماع مع الزعيم الليبي معمر القذافي في يوليو (تموز) هذا العام.

وقال الوزير إن براون كان «واضحا للغاية في اجتماعه مع الزعيم الليبي أنه لا يستطيع أن يعطي تعليمات.. وأنه لا يمكن لنا أن نحدد مصير المقرحي». وأضاف: «لم نكن مستعدين في أي مرحلة من المراحل أن نبرم مثل هذا النوع من الاتفاق المزعوم لأنه لم يكن بأيدينا أن نفرج عن المقرحي».

ومن جهته انتقد زعيم المعارضة ورئيس حزب المحافظين البريطانيين ديفيد كاميرون إطلاق سراح المقرحي، وقال: «ما كان يجب أن يكون حرا». وأضاف أن الحكومة أساءت تقديرات كبيرة ولا بد أن يكون هناك تحقيق لإحاطة الحقائق حول إطلاق المقرحي. وقال: «نحن الآن في وضع مخجل، حيث إن الحكومة أزعجت أحد حلفائنا الأكثر أهمية»، وأضاف كاميرون لراديو «بي بي سي»: «يصبحون (أي الحكومة) موضعا للاتهام والخداع ويقولون شيئا لليبيين وآخر للأميركيين».

ومن جهتها أشارت صحيفة «التايمز» البريطانية في عددها ليوم أمس إلى أنه ما زالت تداعيات إطلاق سراح المقرحي تتوالى في الصحف، لافتة إلى أنها ليست من مؤيدي نظرية المؤامرة، ولكن ما زال هناك الكثير من الأسئلة بشأن «مفجر لوكيربي» تنتظر الإجابة.

ورأت الصحيفة أن الإدارة الاسكوتلندية نجحت في الوصول إلى نفس الهدف الذي ظلت الحكومة البريطانية حريصة جدا على الوصول إليه، وهو عودة المقرحي إلى ليبيا، وهكذا تزيل عقبة واحدة لا تزال تحول بينها وبين اتفاق تجاري ونفطي مربح.

وأضافت أن الوثائق التي نشرت حول إطلاق سراح المقرحي لم تقلل من شأن هذا السيناريو، والذي ظل بسببه وزيرا العدل الاسكوتلندي والبريطاني «حريصين على إقناعنا بأن إطلاق سراح المقرحي على أسس إنسانية ليس له علاقة أبدا بالعقود التي تسعى إليها حكومة المملكة المتحدة».

ولفتت إلى أن وزير العدل البريطاني جاك سترو شرح «بجدية» أن الأمر برمته في يد نظيره الاسكوتلندي، وفي المقابل «يكرر وزير العدل الاسكوتلندي كيني مكاسكيل بنفس الحماس أن لندن لم تفعل شيئا ذا أثر على قرار السماح للمقرحي بالعودة إلى بلاده للموت هناك».

ورأت لينكليتر أن الأوراق التي كشف عنها أول من أمس لم يكن بينها خطاب واحد أو مذكرة أو اتفاق مكتوب يشير إلى أن الجانبين كانا ينسقان ما بينهما. وقالت إنه في ما يتعلق بكل المزاعم حول وجود «شبكة غير مقدسة» تضم رجال أعمال ونجل العقيد القذافي، فإن الوثائق التي كشف عنها لم تظهر أن الحكومة الاسكوتلندية «استجابت لضغوط للإفراج عن المقرحي».

ورأت الصحيفة أيضا أن هناك عددا من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، من بينها: هل كانت الحكومة الاسكوتلندية مدفوعة فقط بالاعتبارات الإنسانية، أم أنها كانت حريصة مثل الحكومة البريطانية على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الليبيين؟ وتساءلت أيضا: لماذا قرر المقرحي، الذي كان يدفع دوما ببراءته، فجأة إسقاط استئنافه ضد الحكم الصادر بحقه، بينما لم تكن هناك حاجة لفعل ذلك؟ هل كان ذلك بسبب الليبيين الذين رغبوا في إخفاء المزيد من الأدلة؟ أم بسبب الاسكوتلنديين الذين خشوا أن تكون النتيجة مسيئة للنظام القضائي؟ ولماذا رفض وزير العدل الاسكوتلندي فرصة السماح للمقرحي بالموت في مستشفى اسكوتلندي، حيث تتحقق متطلبات العدالة والإنسانية معا؟

واختتمت بالقول إن الإجابة على هذه الأسئلة ليست من أجل دعم القائلين بنظرية المؤامرة، ولكن لطلب تحقيق قضائي موسع تحتاجه هذه القضية.

وفي طرابلس عرضت ليبيا مساء أول من أمس، خلال احتفال ضخم أقيم بمناسبة الذكرى الـ40 لتولي العقيد معمر القذافي السلطة، مشاهد قصيرة لعودة عبد الباسط المقرحي، من دون أن يثير هذا الأمر احتجاج أي من الوفود الغربية الحاضرة. وتظهر هذه المشاهد المقرحي واقفا على باب الطائرة التي عادت به إلى طرابلس، وقد أمسك بيده سيف الإسلام نجل العقيد القذافي ورفعها في الهواء، علامة على النصر.

وردا على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية أكد سكرتير الدولة الفرنسي لشؤون التعاون آلان جوايانديه أن ما جرى هو بث «مشاهد خاطفة لبضع ثوان. لم يكن هناك سبب لحصول إشكال».

إلى ذلك, قال مصدر ليبي رسمي أمس الأربعاء إن عبد الباسط المقرحي المدان بتفجير طائرة أميركية فوق بلدة لوكيربي الأسكوتلندية عام 1988 والذي يعاني من السرطان نقل إلى غرفة الطوارئ بأحد مستشفيات طرابلس. وقال المسؤول الليبي الذي طلب عدم ذكر اسمه لـ«رويترز»: «تم نقله إلى غرفة الطوارئ بالمستشفى. إنه في حالة متأخرة ولا يستطيع التحدث إلى أحد».