عالم مصري يصف الجامعة المصرية بأنها «كيان مترهل ذو كفاءة متواضعة»

محمد القصاص يقول إن قائمة أفضل 500 جامعة في العالم خلت من أي وجود مصري

TT

في حين خلت قائمة أفضل 500 جامعة في العالم من وجود جامعة مصرية، يقدم عالم النبات والبيئة المصري البارز محمد عبد الفتاح القصاص ما يشبه الرثاء للجامعة المصرية التي كانت على قدم المساواة مع نظيرتها في لندن قبل أكثر من 60 عاما.

ويحث في كتابه «خطى في القرن العشرين وما بعده» على مراجعة النظام الجامعي الحالي في مصر لأنه يعتمد على «التلقين» ويفترض أن يقوم على «التعلم» بمعنى إطلاق حرية البحث للإفادة من مصادر المعلومات. كما يقترح أن يكون العام الدراسي الأول في الجامعة مرحلة تمهيدية لسائر الطلاب لكي يتدربوا ويتأهلوا للتعامل مع مصادر المعارف قبل التوجه إلى التخصص الأقرب إلى ملكاتهم.

ويصف الجامعة المصرية الآن بأنها «كيان مترهل ذو كفاءة متواضعة» لوجود وحدات ذات طابع خاص استحدثتها الجامعة منذ نهاية القرن العشرين للتعليم المفتوح والتعليم عن بعد. كما يدعو لربط المعاهد العليا مثل معهد الدراسات البيئية بجامعة عين شمس بتطوير قدرات الدارسين في الوظائف التي يشغلونها، مضيفا أنه سأل عميد هذا المعهد عام 1999 عن عدد خريجيه منذ إنشائه فقال 1200 طالب ولكن من يعمل منهم في مجال البيئة اثنان فقط. ويرى القصاص في هذا نوعا من الخلل.

ويقول إن جامعة القاهرة حين شرعت في بداية القرن الواحد والعشرين في دراسة إنشاء معهد عالٍ لدراسات البيئة «كنت ألحّ أن تنص اللائحة على قبول طلاب يوفدون من جهات عملهم ليعودوا إليها وقد تطورت معارفهم وقدراتهم العلمية» ولكنه لم يذكر ما انتهى إليه هذا المعهد.

ويقع كتاب القصاص في 214 صفحة كبيرة القطع ولا يحمل غلافه أو صفحته الأولى اسم ناشر وإن كانت الصفحة الأخيرة تثبت أنه طُبع في دار الهلال بالقاهرة.

ويوثق الكتاب، كما جاء في مراجعة قدمتها وكالة «رويترز» للأنباء، المسيرة الشخصية والعلمية للعالم المرموق (88 عاما) وهو ثاني اثني عشر طفلا رُزق بهم أبوه الذي كان صيادا وصانع مراكب للصيد في قرية تقع في أقصى شمال مصر وظلت حتى عام 1940 دون مدرسة ابتدائية لكنه تمكن من شق طريقه إلى أن تخرج عام 1944 في كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن) التي حصل منها على الماجستير في علم بيئة النبات عام 1947 ثم نال الدكتوراه في علم بيئة النبات عام 1950 من جامعة كمبردج.

وشارك في محافل دولية كثيرة إلى أن أصبح أول مسؤول من العالم الثالث يترأس «الاتحاد الدولي لصون الطبيعة والموارد الطبيعية» بين عامي 1978 و1984.

وتُوجت رحلة القصاص هذا العام بجائزة مبارك في العلوم وهي أرفع الجوائز في البلاد وقبلها حصل على جائزة الدولة التقديرية وأكثر من عشر جوائز وأوسمة من مصر والسودان والإمارات والسويد وهولندا. كما نال جائزة الأمم المتحدة للبيئة عام 1978.

ويتساءل المؤلف في تقديم كتابه تحت عنوان «لماذا هذا الكتاب؟» مجيبا بما قاله للأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كورت فالدهايم في كبرى قاعات الأمم المتحدة في نيويورك في الخامس من يونيو (حزيران) 1978 «يوم البيئة العالمي» بمناسبة حصوله هو والمستكشف النرويجي ثور هايردال (1914 ـ 2002) على جائزة الأمم المتحدة للبيئة: «إن مغزى تكريمي هو رسالة من الأمم المتحدة ـ بما تمثله وترمز إليه ـ إلى الأطفال «الذين» يولدون بالآلاف كل يوم في القرى النائية.. في الأقطار الفقيرة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. كأنك يا سيدي الأمين العام للأمم المتحدة تمسح على رأس كل طفل وتقول له: انهض. هذا واحد مثلك لم يمنعه المهد الخشن ولا العيش المضيق عليه ولا المسافة البعيدة بين القرية والمدرسة من أن يشق طريقه ليدخل مبنى الأمم المتحدة هذا الصباح مرفوع الرأس ليتلقى اعتراف المجتمع الدولي به وبإسهاماته في المعارف العلمية والجهود الدولية»، مضيفا أن الكتاب رسالة تمنح الأطفال الأمل.

ولا يبدي المؤلف حنينا إلى الماضي ولكن استعراضه لنظام التعليم والسياق العام بين عصرين يحسب لصالح الماضي إذ يرجح أن تكون الدروس الخاصة التي أصبحت جزءا من هموم التعليم في السنوات الأخيرة سببا في «الرشوة والفساد» وغيرهما من الانحرافات الاجتماعية التي يُضطر إليها وليّ أمر الأسرة حيث تلتهم هذه الدروس جانبا كبيرا من ميزانيات الأسر المصرية وقدرتها بعض الدراسات في الآونة الأخيرة بنحو 15 مليار جنيه مصري (نحو 2.71 مليار دولار).

أما المدرسة في النصف الأول من القرن العشرين فكانت كما يقول «مؤسسة عظيمة للتعليم والتربية.. كان مجتمع المدرسة مجتمعا بالغ الرقي التعليمي والثقافي والتربوي»، فمدرسة العباسية الثانوية بالقاهرة التي درس بها كانت تضم معامل للكيمياء والفيزياء وعلوم الأحياء وملاعب ومساحات خضراء. وناظر المدرسة محمود علي فضلي أصبح في ما بعد أول عميد لكلية العلوم بجامعة عين شمس وأساتذة مادة الأحياء صاروا أساتذة في كليتَي العلوم بجامعتَي القاهرة والإسكندرية. أما مدرس الرسم فكان التشكيلي صلاح طاهر (1911 ـ 2007) الذي كان يشرح للتلاميذ علم الجمال.

أما الجامعة فيقول إنه في كلية العلوم التي تأسست عام 1925 «كان وضع أوراق امتحانات البكالوريوس وتقييم كراسات الإجابة عملا مشتركا بين الكلية المصرية والكلية المناظرة في جامعة لندن تحقيقا للتساوي العلمي بين الجامعتين» وهذا أساس فكرة الاعتراف الدولي بالدرجة الجامعية المصرية وظل معمولا بهذا النظام حتى عام 1946.