أجندة أوباما للتغيير.. في مفترق طرق

أحدث تغييرات كبرى في العراق والاقتصاد وغوانتانامو لكن شعبيته تتراجع أمام البطالة والجدل بشأن الخطة الصحية

أوباما وبايدن وآخرون يسيرون باتجاه بلير هاوس في واشنطن لعقد اجتماع لأعضاء الإدارة في 31 يوليو (تموز) الماضي (ا.ب)
TT

بدلا من أن تكون لحظة لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما مع مستشاريه في «بلير هاوس» أواخر يوليو (تموز) لتقييم الأشهر الستة التي قضاها في الرئاسة، لحظة لالتقاط الأنفاس، فإنها اصطبغت بالتوتر.

وبالنسبة لفريق العمل الذي لا يجد وقتا للنوم، لا تحتاج الإنجازات التي حققوها منذ توليهم للسلطة في 20 يناير (كانون الثاني) إلى برهان. فسرعان ما تنحت الأجندة التي وضعها المستشارون والتي كانت تركز على استقرار الاقتصاد، جانبا وتركت مكانا للأجندة التي اختارها أوباما: تغيير الطريقة التي يتلقى بها الأميركيون الرعاية الصحية، والتي يولدون ويستهلكون بها الطاقة، والطريقة التي يتعلمون بها في فصول المدارس العامة.

ولكن استطلاعات الرأي أظهرت الانخفاض المستمر لتأييد الرئيس وسياساته، وقد هزت هذه الأرقام غير المشجعة ثقة بعض أفراد فريق العمل. وقد تحدث نائب الرئيس جو بايدن حول تلك المخاوف عندما اجتمع أعضاء الإدارة في غرفة الطعام بالبيت الأبيض في الصباح التالي؛ حيث قال لأحد المشاركين: «هل اعتقدت فعلا أن الأمر سيكون سهلا؟».

فقد تزايدت حدة الانخفاض، وبعد إجازة أغسطس (آب) المفعمة بالغضب، أصيب أوباما بالضعف السياسي وتزايدت المشكلات التي يواجهها خاصة من جانب حزبه والمشكلات التي تتعلق بقوته كقائد. وقد عبرت عشرات اللقاءات التي أجريت خلال الصيف في ست ولايات، من مين إلى كاليفورنيا، عن غضب متزايد وخيبة أمل فيما يتعلق بطريقة عمل الإدارة الحالية.

ويطالب المسؤولون الديمقراطيون وفريق عمل أوباما الذين استقبلوا الغضب العارم في البداية، الرئيس أوباما بأن يتخذ مقاربة أكثر حزما خلال الخريف الحالي. ويؤكد مستشاروه أنه سيفعل؛ بدءا من خطاب يوم الأربعاء الذي سيلقيه بالكونغرس حول الرعاية الصحية.

ولكن التحدي الذي يواجهه حاليا يتعلق بالمبادئ؛ حيث أسس أوباما حملته الانتخابية ورئاسته حول أسلوب القيادة الذي يسعى للحصول من خلاله على موافقة الجميع؛ ولكنه يمر بمرحلة لم يعد الإجماع فيها ممكنا حول القضايا الأكثر أهمية لإدارته وحزبه. وأيا كانت المقاربة التي سيتخذها فإنها ستغضب بعض مؤيديه، الذين لا يبدى الكثير منهم استعدادا لقبول حلول وسطى في الوقت الذي يهيمن فيه الديمقراطيون على البيت الأبيض والكونغرس. وتقول كارين ديفيس، 42 عاما، الموسيقية من مدينة جيرسي: «حتى الأسبوع الماضي، كان ما زال يراوغ مع الجمهوريين الذين قالوا: سنقضي عليك. ولكنني أرى الآن أن هذا ليس ما أدليت بصوتي من أجله».

فقد أحدث أوباما تغييرات كبيرة خلال الأشهر السبعة الأولى لاعتلائه المنصب؛ من خلال التدخل الحكومي المباشر في موضوعات شديدة التباين؛ مثل العراق، وصناعة السيارات الأميركية. والآن فإن الاقتصاد يتعافي والبنوك المتعثرة بدأت في سداد الأموال مع الفوائد، ووصلت أول امرأة من أصل لاتيني، هي سونيا سوتومايور، إلى أعلى المناصب القضائية من خلال عملية اختيار هادئة. كما أن موقف أميركا في العالم يتحسن، وفقا للعديد من الاستطلاعات، خاصة بعد خطاب أوباما الذي أذيع على نطاق واسع للعالم الإسلامي؛ وبعد حظر استخدام التعذيب أثناء الاستجواب، والقرار بإغلاق معتقل غوانتانامو.

ولكن خطط إنفاق أوباما التي تقتضي حوالي 9 تريليونات دولار خلال العقد القادم قد أثارت حفيظة المحافظين في حزبه. بالإضافة إلى أنه لم يتمكن من وقف التحقيق الذي تجريه وزارة العدل فيما يتعلق بسياسات الاستجواب التي كانت تستخدم خلال إدارة بوش، والتي أعلن بوضوح عن عدم رغبته في إجرائه. كما أن معدلات البطالة ما زالت في ارتفاع. ومن جهة أخرى فإن قراره بتوسيع نطاق الحرب في أفغانستان ونشر الآلاف من الجنود الأميركيين الإضافيين لم يتم إلحاق خطة واضحة للانسحاب بها.

ورغم أن الاستطلاعات أظهرت انخفاض معدلات شعبيته، فإن أوباما ما زال يحظى بشعبية أكبر مما تحظى بها سياساته، ويقول مستشاروه إن قوة شخصيته القيادية تنبع من قدرته على الحفاظ على رباطة جأشه في خضم الأحداث اليومية المضطربة. ويعرض الغضب المتصاعد المناهض لإدارة أوباما والذي انبعث من ألف قاعة اجتماعات بالمدن الأميركية خلال فترة عطلة الكونغرس قدرات أوباما على التواصل وطريقته السياسية، التي وصفها أحد أصدقائه بأنها «ليست عاطفية» للضغط.

وقد بدا الغضب والتحدي على أجندة أوباما خلال الخريف جليا في أورانج بلوسوم تريل، وهو قطاع تجاري يبدأ من أورلاندو مرورا بمتاجر البيع دون بطاقة ائتمان، والمتاجر المؤجرة، المراكز التجارية للبالغين. ويشمل مشروع تطوير «هانتر كريك» حوالي 8700 منزل وملكية مشتركة، في حي فالكون بوينتي و«أوسبري لنكس» معقل الطبقة الوسطى. ومثل كافة أنحاء فلوريدا، تأثرت تلك المنطقة بالفقاعة العقارية؛ حيث هناك حاليا قضايا حبس رهن معلقة ضد حوالي 1000 وحدة سكنية. وفي أحد المساءات القريبة، وصل النائب آلان غريسون الديمقراطي للمنتدى العقاري والذي تضمن مثله مثل العديد من المناسبات العامة حضور مكثف للشرطة. وقد عبر غريسون خريج هارفارد عن استيائه ما لم تتحسن الأرقام تلك في المنطقة التي اضطرت حتى ديزني فيها إلى تسريح المئات من العمال خلال العام الجاري. فقال لهم غريسون: «جميعنا نعرف أن ما نحتاج إليه هو اقتصاد متعاف. وهذا هو الوقت الذي نكتشف فيه حقيقتنا».

وقد قال أوباما في سفرياته التي قام بها خلال الصيف إن برنامج التحفيزـ الذي يبلغ 787 مليار دولار، والذي كان موزعا بين النفقات وتخفيضات الضرائب، والبنوك المتعثرة، والقرار بإنقاذ «جنرال موتورز» و«كرايسلر» من الإفلاس ـ دفع بالاقتصاد صوب التعافي.

ولكن مخاوف «مركز مجتمع كريك بهانتر»، حيث اجتمع حوالي 150 من ناخبي غريسون، ليسمعوا كيف تعتزم الحكومة مساعدتهم على الاحتفاظ بمنازلهم، قد ازدادت بشأن مغامرات الرئيس في القطاع الخاص وغيرها من الإصلاحات التي يخطط لها.

لطالما استهلك الرؤساء النشطون رصيدهم السياسي في محاولتهم تحقيق أهدافهم، وقد أثبت أوباما أن ذلك صحيحا، عندما أخبر المتطوعين في مسيرة الرعاية الصحية الشهر الماضي: «إن أسهل شيء تفعله كسياسي هو ألا تفعل شيئا على الإطلاق».

وكان رام إيمانويل كبير موظفي البيت الأبيض قد وضع خطة بأهداف الإدارة قبل عام من تولي الرئيس أوباما للسلطة. ولن يتم ترتيب الإصلاحات الكبرى ـ خاصة في الرعاية الصحية وقطاعات الطاقة بحيث يتم تنفيذهاـ أحدها في أعقاب الأخرى كما حدث في الإدارات السابقة ولكن يتم تنفيذها بشكل متزامن في الوقت الذي يرزح فيه القطاع الخاص تحت وطأة الأزمة المالية.

فكان منطق إيمانويل هو منطق المحاربين ـ فالجانب الذي يبدأ بالمبادرة ينجح. ومنذ ذلك، والإدارة تدفع عبر عشرات المواد التشريعية من دون مقاومة شعبية واضحة بما في ذلك إجراءات زيادة التأمين الصحي على الأطفال، ضمان التوزيع العادل للأجور، وضع ضوابط على التبغ، وحماية المستهلكين من شركات الائتمان.

ولكن فاتورة الإصلاح ستكلف أوباما الكثير هذا العام، في الوقت الذي يمتد فيه الجدال حول الرعاية الصحية إلى مواعيد التنفيذ التي كانت الإدارة قد حددتها. ويقول أحد المسؤولين بالإدارة والذي رفض الإفصاح عن هويته: «فيما يتعلق بالوقت، نحن لا نعرف إذا ما كان ذلك ممكنا». شاهد روبرت بيلبرج، 49 عاما، وهو مقاتل سابق بسلاح الجوية، وأحد العاملين في الصليب الأحمر، في منتدى عقد في أواخر أغسطس (آب) في سبرينغ فالي بكاليفورنيا مشهدا أصبح مألوفا لجمهور اليوتيوب خلال الصيف الحالي. حيث شكلت قوات الشرطة فرقا للتفتيش على باب النادي الرياضي؛ في الوقت الذي تظهر فيه لافتات عليها صورة أوباما في شكل مهرج، وأخرى تصف أوباما باعتباره نازيا. وقد ارتدي المتظاهرون الليبراليون ملابس تشابه ملابس القطط الكرتونية السمينة وكانوا يحملون لافتات «أنقذوا الرعاية الصحية يا رجال الكونغرس». أما هؤلاء الذين يقعون على طرفي نقيض المشهد السياسي، فقد كانوا خارج مسرح الشارع تماما. ويقول بيلبرج عن أوباما الذي يسانده: «أعتقد أن أفضل توصيف يلائمه هو أنه تكنوقراطي وسطي. وبالتالي فإن هؤلاء المتطرفين ستخيب آمالهم». وبالفعل هذا ما يحدث باستمرار.

فخلال الحملة، تعهد أوباما بأن يدير إدارة تهتم بفعاليتها الحكومية أكثر من اهتمامها بالشراكة. ولكن منذ الأسابيع الأولى في منصبه، وفي الوقت الذي كانت إدارته تعمل لتوفر برنامج لتحفيز الاقتصاد، كانت قناعة الرئيس أساسية في منع حدوث المزيد من الانهيارات، حيث لم يكن الفوز بمساندة الجمهوريين بالأمر السهل. ولم يصوت لإجراء الحفز سوى ثلاثة من الجمهوريين داخل الكونغرس، بالرغم من أنه تم إعداده على يد قادة الكونغرس إلا أنه تم دفعه في اللحظات الأخيرة من قبل البيت الأبيض.

وفي ذلك الوقت، قال عدد من المسؤولين البارزين بالإدارة الأميركية إن قدر مساندة الجمهوريين للمبادرات التي يقدمها البيت الأبيض لم يعد معيارا لنجاحها. وحتى الآن سمح أوباما بأسابيع من المفاوضات بين الحزبين حول تشريع الرعاية الصحية، وقد استشعر وجود ترحيب بتخلي الحكومة عن خيار التأمين الذي تديره الدولة ليضمن حصوله على تأييد كلا الحزبين. وقد تلقى العديد من مستشاري أوباما خبرتهم في سياسة واشنطن على الأقل في الكونغرس بما في ذلك إمانويل عضو مجلس النواب السابق، والبراغماتي، مثل الرئيس، الذي يعتقد أن السماح للكونغرس بأن يقود مسألة طرح التشريع هي أفضل طريقة لكي يتم تمريره.

حذر الرئيس أوباما في خطابه للمتطوعين من مجموعة «منظمون لأميركا» الشهر الماضي هؤلاء الذين قاموا بدور محوري في العمليات الميدانية في حملته «الجميع في واشنطن يبدو عصبيا من دون سبب» في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول). والمقصود كان عدم الإصغاء إلى المحللين الذين يشيرون إلى أن أوباما الذي يملك قدرات خاصة في التواصل كان يخسر سيطرته على رسالته وعلى أجندته بشكل عام.

فالحكم يقتضي أن تكون لديك القدرة على أن تصبح جذابا في عيون أعضاء الكونغرس والناخبين، ويحاول أوباما أن يقوم بذلك من خلال الصبر والهدوء اللذين كانا شعار حملته الانتخابية «من دون دراما». وبالنسبة لأوباما وفريقه فذلك يعني تجنب ثرثرة البرامج التلفزيونية، والشراكة مع الكونغرس، وأخلاقيات واشنطن بالفوز في الوقت المحدد.

ومن جهة أخرى، يرى الحزب الديمقراطي الذي كان يعاني دائما من الانقسامات، أنه من الأسهل أن يظل موحدا ضد إدارة جمهورية غير شعبية مثلما كان الحال في عهد بوش، أكثر من أن يضطلع هو بمسائل الحكم، وأوباما هو القائد.

ويقول دان فيفير مدير الاتصالات بالبيت الأبيض: «لقد كان هناك شيء ينمو بداخل الحمض النووي للحزب الديمقراطي خلال الثلاثين عاما الماضية تجعل أول رد فعل لنا هو الخوف. ونحن لا نستطيع الاحتفاظ بمخاوفنا لأنفسنا». وبعيدا عن آراء المنتقدين، فإن العديد من الديمقراطيين يقولون إن مخاوفهم تقل إذا بدا أوباما شخصيا أقل خوفا في القضايا مما بدا عليه في القضايا التي تتعلق بالعرق وشرعية التعذيب اللذين تعامل معهما في الماضي. وكان أوباما في مكتبه يتعامل مع تلك الموضوعات باعتبارها قضايا تشتته عن طموحاته الإصلاحية.

ويقول ريكي هندون السناتور الديمقراطي والذي عمل مع أوباما في المجلس التشريعي إن الرئيس كان دائما «يسعى للمصالحة، وللحصول على الإجماع. وإنه لم يطرأ عليه أي تغيير في واشنطن، فهو بنفس القدر من العزم على ما أعتقد». وقد خيب تعامل أوباما المتردد مع قضية العرق، باعتباره أول رئيس أميركي من أصول أفريقية، آمال هندون الذي يتحدر كذلك من أصول أفريقية.

وحتى خلال الجدال الذي حدث حول اعتقال أستاذ جامعة هارفارد هنري لويس غيتس والذي دعا من أجله أوباما إلى مجلس الصلح ليهدئ مشاعره السلبية، يقول هندسون إن الرئيس «فعل ما بوسعه لكي يتفادى ذلك». ويضيف: «لقد فعل ذلك ليتجنب اتهامه بالعنصرية. أنا أختلف مع ذلك، ولكن هذه هي طريقته في العمل. فلماذا التغيير الآن؟».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ(«الشرق الأوسط»)