حديقة «البلفدير».. أحد معالم العاصمة التونسية الثقافية والبيئية

مهندسون ألمان جهزوها.. وأسودها هدية من سيرك روما

تمتد الحديقة على مساحة 15 هكتارا وبها أكثر من 1200 حيوان («الشرق الأوسط»)
TT

من منا لا يذكر اليوم الذي زار فيه لأول مرة حديقة الحيوانات، حتما سيتذكر إعجابه وعجبه لتلك المخلوقات المتنوعة الموجودة في «سلام» بمكان واحد، وحتما ستتداخل لديه المعطيات فيحسب أن الحيوانات الموجودة هناك قد جاءت خصيصا لكي يراها وربما تراه. هذه الذكريات تعود إليك مرة ثانية وأنت تجوب حديقة الحيوانات بالعاصمة التونسية أو ما يسميها التونسيون حديقة «البلفدير»، متنفس كبير من الهواء الطلق لا يبعد عن وسط العاصمة سوى كيلومترين اثنين على الأكثر.

عندما يشتد الحر وتغيب النسمات عن العاصمة، تكون الحديقة ملاذا لكثير من سكان المدينة يقصدونها للاستلقاء فوق أعشابها الخضراء وللتمتع بمناظرها الخلابة وبأشجارها المعمرة. وهي تمتد على مساحة 15 هكتارا، وتؤوي أكثر من 1200 حيوان، وبذلك تكون الحديقة من بين أهم معالم المدينة الثقافية والبيئية، بل إنها ضمن برنامج مختلف الوفود السياحية.

إلا أن الإقبال الداخلي على حديقة «البلفدير» يسجل أرقاما قياسية، فمن زارها مرة واحدة لا يمكن له إلا معاودة الزيارة وكأنه يكتشف الحديقة لأول مرة، ولكن الحديقة هي الحديقة، والحيوانات المختلفة التي تسكنها هي نفسها، عدا البعض ممن فارق الحياة كالفيلة «بامبي» التي عشقها كل زائري الحديقة ونشأت بينهم وبينها مودة وأصبحت ترحب على طريقتها الخاصة بخرطومها الطويل بكل الزائرين.

ويوم فارقت الحياة بكاها الجميع، وبقيت الربوة التي كانت تقضي فوقها معظم وقتها فارغة باردة كأنما توقفت الحياة هناك للحظات. الفيلة «بامبي» اعتبرت لسنوات من أكبر الحيوانات سنا إن لم نقل أكبرهم على الإطلاق، فقد عاشت في الحديقة 43 سنة ومثلت بذلك علامة أساسية من علامات الحديقة، إذ إنها دخلتها خلال السنوات الأولى لتكوين الحديقة، وتوفيت منذ سنة 2006، وهي من فصيلة الفيلة الآسيوية وبقيت الحديقة منذ رحيلها من دون فيلة.

هذا المعلم أنشئ لأول مرة سنة 1892 على هضبة خضراء تمسح أكثر من مائة وعشرة هكتارات، وقد بنى تصورها وهندستها المعمارية، حسب ما أكد لـ«الشرق الأوسط»، بوبكر حومان نائب رئيس جمعية «أحباء البلفدير»، المعماري الفرنسي جوزيف لافورساد. وأخذت الحديقة وقتا طويلا لتتحول إلى حديقة للحيوانات، إذ لم تتم عملية تهيئتها وإعداد ممراتها الخاصة، وغرس الأشجار، إلا على طوال سنوات متتالية ولم تفتح أبوابها إلا سنة 1910. وبين سنتي 1963 و1964 تمت عملية تجهيزها من قبل مهندسين ألمان من مدينة كولونيا لتضم مقهى على الطراز الأندلسي، ومعرضا للفن العصري يفتح أبوابه أمام الرسامين التشكيليين، وقبة تحمل اسم «قبة الهواء»، وهو ما يمثل موروثا طبيعيا وثقافيا ومعماريا، كما أكد على ذلك بوبكر حومان الذي أضاف بأن الحديقة تشتمل على ما لا يقل عن 230 ألف شجرة تنتمي إلى ثمانين فصيلة. وتشير بعض المعطيات التاريخية الخاصة بالحديقة إلى أن «سيرك روما»، وبعد سلسلة من العروض الفنية الناجحة التي قدمها في تونس، قدم لبلدية العاصمة هدية ثمينة تمثلت في أسدين شكلا النواة الأولى لقائمة الحيوانات التي ستحويها الحديقة لاحقا.

وقد أهدت بلدان أفريقية تونس في مناسبات مختلفة بعض الفصائل من الحيوانات المفترسة والقردة لإثراء المجموعة المتوفرة في الحديقة. وتتوزع حيوانات الحديقة على مساحة 13 هكتارا وهي مقصد كل الفئات الاجتماعية، خاصة صغار المدارس. ويوجد في الحديقة حاليا نحو 90 نوعا من الطيور و60 نوعا من الثدييات و5 أنواع من الزواحف.

ولأجل الاقتراب أكثر من هذه الحيوانات التي يصعب النظر في أعين البعض منها، زار الحديقة ما لا يقل عن 750 ألف زائر سنويا، حسب إحصائيات سنة 2007، تركوا وراءهم ما لا يقل عن 312 ألف دينار تونسي من العائدات المادية (قرابة 300 ألف دولار أميركي)، إلا أن ذلك يعد غير كاف لتلبية الطلبات المتزايدة لسكان الحديقة.

فالميزانية المخصصة للحديقة لا تزيد سنويا على 250 ألف دينار تونسي، من بينها 185 ألف دينار لإطعام الحيوانات. وحيوانات الحديقة لها ما يكفي من الشراهة لتستهلك نحو 33 طن من اللحوم في السنة، وقرابة 6 آلاف قطعة من العلف، و4 أطنان من الأسماك، وطنين من لحم الدجاج، و10 أطنان من الجزر، وطن ونصف الطن من البطاطا، وكميات إضافية من البطيخ والقطانيا. وخلال الخمس سنوات الماضية، تمكن الأطباء البياطرة الساهرين على الحديقة من إنجاح عمليات التزاوج بين حيوانات الحديقة، ونجحت عمليات إنجاب الأسود والفهود والببغاوات والبجع الوردي، وهو ما وفر للحديقة الكثير من المصاريف الإضافية الضرورية لاقتناء مثل تلك الأصناف من الحيوانات. ويقول كريم العكروت، الرئيس السابق لجمعية «أحباء البلفدير»، إن الحديقة بالفجوات المراوحة بين الشمس والظلال تعد القلب النابض للعاصمة التي من دونها ستختنق بسكانها الذين يفوق عددهم المليونين ونصف المليون.