المستثمرون يهربون من الدولار الضعيف إلى الذهب

«إنجلترا المركزي» يبقي سعر الفائدة دون تغيير لدعم الثقة

TT

يعتقد الكثير من الاقتصاديين أن الركود العالمي بلغ نقطة القاع، أو أنه مضى بالفعل، مما يدفع المستثمرين إلى استخدام الدولارات التي لديهم من أجل شراء أسهم وغيرها من الأصول ذات العوائد الأعلى.

وأعطت إستراتيجية الاحتياطي الفيدرالي بالإبقاء على معدل الفائدة الصفري من أجل المساعدة على عودة الاقتصاد إلى وضعه السابق دافعا أكبر للمستثمرين للبحث عن استثمارات بديلة يمكن أن تدر عوائد أعلى. وعلى الجانب الأخر من الأطلنطي، فضل بنك إنجلترا المركزي الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير عند مستوى قياسي منخفض يبلغ 0.5 في المائة للشهر السادس على التوالي أمس، معلنا أنه سيستمر في برنامج لشراء الأصول قيمته 175 مليار جنيه إسترليني.

ويقول مارك تشاندلر، الرئيس العالمي لقسم إستراتيجيات العملات بـ«براون براذرز هاريمان» «في الوقت الذي نمضى فيه بعيدا عن حافة الهاوية، توجد شهية أكبر لدى الناس كي يقوموا بالمخاطرة».

وقام المستثمرون بضخ الأموال في الأسواق الناشئة، التي من المتوقع أن تستعد عافيتها سريعا. ووصل مؤشر «إم إس سي أي» للأسواق الناشئة الذي يتابع على نطاق واسع يوم الثلاثاء إلى مستويات مرتفعة لم تر منذ انهيار «ليمان براذرز» قبل عام. ومع إحساس المستثمرين بوجود حافز أكبر، ساعدت قيمة الدولار المتراجعة على زيادة شعبية ملاذ آخر آمن وهو الذهب. وفي يوم الثلاثاء، وصلت عقود الذهب تسليم ديسمبر (كانون الأول) إلى أعلى معدل لها خلال ثمانية عشر شهرا، حيث بلغت 1000 دولار مقابل الأونصة، وذلك خلال التعاملات داخل شعبة كومكس التابعة للبورصة التجارية في نيويورك، قبل أن تستقر يوم الأربعاء أقل بـ2.70 دولار عند 997.10 دولار. وقد أصبح الذهب عنصر جذب مثله كسمة أخرى تميز إستراتيجية الاحتياطي الفيدرالي لاستعادة عافية الاقتصاد، عن طريق خلق مليارات الدولارات في صورة أموال جديدة من أجل شراء الديون الحكومية والأوراق المالية ذات الصلة بالرهون العقارية، فيما يعرف أيضا باسم التسهيل الكمي. وهناك شكوك بشأن قدرة الحكومة على السيطرة على الإنفاق وهو ما أدى إلى مخاوف من حدوث تضخم، بينما وعلى ما يبدو أن مقولة «الدولار يتحرك عكس الذهب» الشهيرة، تكسب مصداقية أكثر، ببلوغ قيمة الدولار 1.45 أما اليورو ليحتفظ بمكاسبه وتجاوز اليورو 1.46 دولار القياسية، والاسترليني عند 1.65 مقابل الدولار والذهب يتعدى حاجز الألف دولار. ويقول جيمس ستيل، محلل المعادن النفيسة في «إتش إس بي سي» بنيويورك: «أساس قوة الذهب هو ضعف الدولار بالإضافة إلى احتمالية أن تتراجع قيمة الدولار أكثر وهو أمر مرتبط بمخاوف حول التسهيل الكمي والعجز الأميركي».

وتراجع مؤشر الدولار «دي إكس واي»، الذي يقارن الدولار مقابل ست عملات أخرى، إلى 76.80، وهو أقل معدل يبلغه خلال نحو عام قبل أن يتحسن بدرجة بسيطة. وقد كانت قيمة الدولار المتراجعة عنصر دعم للصادرات الأميركية، حيث جعلها أرخص سعرا وأكثر قدرة على المنافسة. وساعدت الصادرات المرتفعة على تراجع العجز التجاري الأميركي إلى أقل معدل له خلال تسعة أعوام في مطلع العام الحالي. ومن المتوقع أن تورد وزارة التجارة الأميركية في احصاءات جديدة أن العجز التجاري لم يتغير بدرجة كبيرة في يوليو (تموز) مقارنة بما كان عليه الحال في يونيو (حزيران)، حين بلغ 27 مليار دولار. وكان قد بلغ العجز التجاري ذروته في يوليو (تموز) 2008 حين سجل 65 مليار دولار. ومع تزايد الصادرات، شهدت الواردات أيضا ارتفاعا، ففي يوليو (تموز) حصلت الواردات على دفعة من برنامج الحكومة «المال في مقابل السيارات القديمة». وكان البرنامج، الذي استمر خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، يعرض دعما على المستهلكين مقابل مبادلة سياراتهم القديمة بسيارات جديدة من طرازات أكثر توفيرا للوقود. وكانت شركات أجنبية مصنعة للسيارات من أكبر المستفيدين من ذلك. ويمكن أن يكون لتراجع قيمة الدولار بعض العيوب، حيث يمكن أن يجعل ذلك قيمة الفوائد على ديون الولايات المتحدة أعلى، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى تراجع قيمة الاستثمار الأجنبي داخل الولايات المتحدة ويجعل الدول الأخرى غير راغبة في إقراض الولايات المتحدة الأموال في الوقت الذي يقل فيه الحاصلون على الضرائب ويتزايد فيه الإنفاق الحكومي للمساعدة على استعادة الاقتصاد عافيته. وربما يطلب المستثمرون قسطا أعلى مقابل القيمة المتراجعة للدولار، الذي يمكن أن يؤدي في المقابل إلى زيادة تكلفة الاقتراض. وتشعر الدول المقرضة للولايات المتحدة بالقلق، ومنها الصين، التي أقرضت الولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى. وفي مارس (آذار) قال رئيس الوزراء الصيني وين جياباو إنه يشعر بالقلق على أمن استثمارات بلاده داخل الولايات المتحدة على ضوء الإنفاق المتزايد على العجز. وكانت تعليقات وين سببا في نقاش أكبر مستمر عن دور الدولار كعملة احتياطي رئيسة وهي المكانة التي احتلها الدولار على مدى أكثر من 50 عاما. ودعمت لجنة تابعة للأمم المتحدة يوم الاثنين الفكرة التي تدعو إلى إنهاء المكانة الخاصة التي ينعم بها الدولار عن طريق نظام تبادل صرفي جديد يتسم بالمرونة. ومن المتوقع أن يرتفع الدين الأميركي العام من 41 في المائة من إجمالي الناتج المحلي بنهاية العام المالي 2008 إلى 60 في المائة بعد العام المالي 2010، حسب ما أفاد به مكتب الميزانية بالكونغرس. وقد أدلى مسؤولون في الأمم المتحدة بتعليقات مشابهة، ولكن جاءت التصريحات الأخيرة قبل قمة مجموعة العشرين التي تضم دولا صناعية ونامية وتعقد اجتماعها في بيتسبرغ خلال الشهر الحالي. ومن المتوقع أن يسيطر الركود العالمي على أجندة القمة. وأرجعت الأمم المتحدة الأزمة المالية العالمية بصورة جزئية إلى تكديس الدولارات الأميركية في الاحتياطي لدى مصارف مركزية. ويقول بعض الاقتصاديين إن الفائض في الدولار مع عملية التنظيم غير الجيدة أدى إلى إقبال على المخاطر بصورة مبالغ فيها وهو ما ساهم في فقاعة الإسكان والتباطؤ اللاحق الذي مني به النظام المالي العالمي. ويقول اقتصاديون إنه من غير المحتمل في أي وقت قريب حدوث تحول كبير في دور الدولار كعملة احتياطي، مبررين ذلك بقلة البدائل المتاحة. ويقول تشاندلر، إن بعض الدول، منها الصين، لا تزال تكدس الدولارات وأوراق الخزانة. وهناك سيناريوهات يمكن أن تضعف من جاذبية الدولار كعملة احتياطي، حيث من الممكن أن تعجز الحكومة الفيدرالية عن الحد من إنفاق العجز. ويمكن أن يخرج التضخم داخل الولايات المتحدة عن نطاق السيطرة. ولكن، لا يعتقد الخبراء أن هذه السيناريوهات محتملة. ويقول مينزي ديفيد تشين، وهو اقتصادي بارز في جامعة ويسكنسن: «لا بد أن الولايات المتحدة تعاملت مع أشياء بصورة سيئة وهو ما جعل الدولار يفقد مكانته كعملة احتياطي».