الانتعاش يحل محل الكساد بعد عام من انهيار «ليمان براذرز»

المخاوف من امتداد الركود لسنوات طويلة لم تتحقق

TT

انحسرت المخاوف من كساد عظيم جديد بعد أن كانت تبدو شبه مؤكدة حين انهيار بنك «ليمان براذرز» قبل عام مع خروج الاقتصاد العالمي من عمق الكساد بمساعدة تدخلات حكومية ضخمة. لم تتحقق أسوأ المخاوف، ويعتقد المحللون أن الاقتصاد عاد للنمو مرة أخرى بعد الكساد الذي قد يدخل في سجلات الأرقام القياسية باعتباره ثاني أسوأ كساد منذ الكساد العظيم في الفترة من 1929 إلى 1933 لكن بفارق كبير. وبحسب تحليل لـ«رويترز» تظهر التجارة عبر الحدود دلائل على الانتعاش وتشير الاستطلاعات الدورية لآراء الشركات إلى حالة من الاستقرار منذ مارس (آذار) الماضي مما أثار موجة ارتفاع حادة في أسعار الأسهم. والآن تقول منظمات مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن التراجع اقترب من نهايته.

ويقول مارك تويتي مدير البحوث الاقتصادية في شركة السمسرة الفرنسية «غلوبال اكويتيز» إن المخاوف من عودة كساد عام 1929 التي انتشرت مثل إنفلونزا الخنازير سرعان ما ستحتل مكانها على قائمة المحن التي لم تتحقق مثل مرض «سارس» ومشكلة سنة 2000 في أجهزة الكومبيوتر. غير أن هناك نقطة مهمة وهي أن الاقتصاد ينتعش بفضل تريليونات الدولارات التي قدمتها الحكومات والبنوك المركزية وما زال معتمدا على دعم المال العام. والتحدي المقبل سيكون متى وكيف سيتم الخروج من خطط التحفيز النقدي التي أوقفت الانهيار وكيف يمكن القيام بذلك من دون إحداث انتكاسة أو إثارة ارتفاع حاد في معدلات التضخم. وقال توماس ماير كبير الاقتصاديين المختصين بأوروبا في «دويتشه بنك»: «في الوقت الراهن لا يبدو الكساد سيئا بدرجة كبيرة.. لكن يوم الحساب لم يأت بعد». واتفق وزراء مالية الاقتصادات العالمية الكبرى يوم الخامس من سبتمبر (أيلول) على أن الوقت غير مناسب للخروج من خطط التحفيز التي تصل قيمتها إلى ما يعادل اثنين في المائة من الناتج الإجمالي العالمي هذا العام و1.6 في المائة من الناتج العالمي في عام 2010 حسب تقديرات صندوق النقد الدولي. وفي سبتمبر الماضي كان العالم يواجه أزمة ائتمان نتجت عن انهيار سوق الإسكان الأميركية. وأطلق انهيار بنك «ليمان براذرز» ـ الذي كان يعتبر من البنوك الأكبر من أن تترك لتنهار ـ أزمة اقتصادية عالمية أكثر عمقا وترك الأسواق في حالة شلل مؤقت. وقال بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) في وقت لاحق إن الأسواق تعرضت «لصدمة حادة». وبعد عام وفي حين يختلف الخبراء بشأن مخاطر التعرض لانتكاسة في المستقبل، يبدو أن أسوأ مراحل الكساد قد انقضت فيما يتعلق بالتجارة العالمية والنشاط الصناعي. ويرتفع مؤشر «مورغان ستانلي» للأسهم العالمية منذ أن بلغ ذروة انخفاضه في مارس (آذار) وكسب نحو ثلثي ما فقده منذ إشهار إفلاس «ليمان» يوم 15 سبتمبر عام 2008. وقال روبرت شيلر الاقتصادي بجامعة يل الأميركية في مقال في نهاية شهر أغسطس (آب) نشرته «نيويورك تايمز» إن تجدد الثقة أصبح سريع الانتشار الآن. ومن الصعب الحصول على إحصاءات عالمية حقيقية، لكن المكتب الهولندي لتحليل السياسات الاقتصادية الذي يجمع البيانات الرسمية من نحو 70 دولة يقول إن الإنتاج الصناعي العالمي ارتفع بنسبة اثنين في المائة عن مستوياته في مايو (أيار) أي أعلى من معدل ارتفاعه في أي شهر منذ 1991. وأضاف المكتب أن أحجام التجارة العالمية ارتفعت 2.5 في المائة في يونيو (حزيران) وهو أكبر ارتفاع منذ يوليو (تموز) 2008. وقال جورجين الميسكوف كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: «ما زال من المرجح أن يكون الانتعاش بطيئا نسبيا، ومع ذلك فإنه يمثل أداء متفوقا جدا عما حدث في ثلاثينات القرن العشرين». وأعلنت المنظمة فعليا انتهاء الكساد يوم الثالث من سبتمبر قائلة إن النمو الاقتصادي سيعود في الربع الثالث من العام بعد نمو متسارع في الصين ومناطق أخرى في آسيا في الربع الثاني مما دعم التجارة عبر الحدود. وقدر باحثون في بنك «سانت لويس» الاحتياطي الاتحادي متوسط خسائر الناتج المحلي الإجمالي الناجمة عن الكساد بنحو اثنين في المائة في الاقتصاد الأميركي. وبافتراض تحقق الانتعاش فعلا في الربع الثالث فإن الخسائر الفعلية في الناتج المحلي الإجمالي ستبلغ مثلي ذلك وستتجاوز حالات كساد سابقة خاصة خلال أزمة النفط في سبعينات القرن العشرين. وتفيد حسابات «رويترز» استنادا إلى أحدث البيانات الحكومية أن خسائر الناتج المحلي الإجمالي بلغت هذه المرة 3.9 في المائة على مدار أربعة فصول من الانكماش من الربع الثاني من 2008 ذروة الأزمة ونهاية الربع الثاني من هذا العام. وفيما يتعلق بمنطقة اليورو، تمثل خسائر الناتج المحلي الإجمالي المتراكمة خمسة في المائة في فترة انكماش استمرت خمسة فصول حتى الآن حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي.

واستندت الحسابات إلى بيانات رسمية من مكتب الإحصاءات الأوروبي «يوروستات». غير أن خسائر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الكبيرة تتضاءل أمام خسائر بلغت 25 في المائة وقت الكساد العظيم وتتجاوز كذلك خسائر الناتج المحلي الأميركي في السبعينات. وحتى إذا كان الانتعاش قد تحقق، فإن الجهات التنظيمية على مستوى العالم تحذر من أن التاريخ سيكرر نفسه ما لم نستخلص الدروس المستفادة من فقاعة الائتمان التي قادت إلى الأزمة. وقال فريدريك نيومان المحلل المختص بشؤون آسيا في «اتش اس بي سي هونغ كونغ»: «هذا الكساد يشبه بدرجة أكبر الكساد الأميركي في أوائل التسعينات عندما اضطر مجلس الاحتياطي الاتحادي لخفض الفائدة وأدى ذلك إلى أسعار فائدة منخفضة للغاية في آسيا لفترة طويلة مما قاد إلى انفجار فقاعة الأصول في عام 1997». وأضاف: «هذه المرة سيتعين على مجلس الاحتياطي الاتحادي الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة.. وهو ما يعني أن أسعار الفائدة في آسيا ستكون منخفضة، وهو ما قد يقود إلى فقاعة أصول أخرى». ويقول ماير من «دويتشه بنك» إن البنوك المركزية مقيدة لأن الاقتصاد بشكل عام يبدو أنه ينتعش بأسرع من القطاع المالي. ويخلق ذلك تضاربا بين الحاجة لرفع أسعار الفائدة مع تسارع مكاسب الناتج المحلي الإجمالي واستمرار اعتماد بعض البنوك الكبيرة على سياسات الفائدة المنخفضة من أجل البقاء. وقال ماير: «عندما ينتعش الاقتصاد الحقيقي بأسرع من القطاع المالي، فإن هذا يعني أننا أوشكنا على الحديث عن الخروج، لكن البنوك المركزية ستواجه أوقاتا صعبة بالمقارنة مع الاقتصاد الحقيقي للخروج من هذه الفوضى.. وهذه هي المشكلة الحقيقية».