المغرب احتل مرتبة متأخرة في تقرير البنك الدولي حول حماية المستثمر

محاميان ورجل أعمال يشرحون أسباب مشكلات المستثمرين مع القضاء المغربي

بنك المغرب المركزي («الشرق الأوسط»)
TT

احتل المغرب في التقرير السنوي للبنك العالمي حول ممارسة «أنشطة الأعمال» للعام الحالي مرتبة متأخرة، حيث كانت رتبته 164 من بين 181 دولة شملها التقرير في الترتيب الخاص بحماية المستثمر، واحتل المرتبة الـ19 بين الدول العربية في الترتيب نفسه، وشكلت أوضاع العدالة والقضاء العامل الأساسي الذي وضع المغرب أسفل هذا الترتيب، إذ حصل على نقطة واحدة من 10 نقاط، في خانة سهولة قيام المساهمين بإقامة دعاوى قضائية. وكان العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعا إلى «ثورة» في مجال القضاء تعكف الحكومة المغربية حاليا على وضع تفاصيلها، وأشار العاهل المغربي أن الإصلاح بات ضروريا لزيادة الاستثمارات في البلاد.

ويرى الكثير من المتتبعين في المغرب أن العدالة تشكل أحد أكبر المشكلات التي تعيق الاستثمار في المغرب. ويقول محمد حديد، مدير مكتب الخبرة «السعيدي وحديد» بالدار البيضاء، ورئيس لجنة الضرائب في الاتحاد العام لمقاولات المغرب (اتحاد رجال الأعمال)، في هذا الصدد: «حقق المغرب تقدما ملموسا خلال العشر سنوات الأخيرة على مستوى الكثير من الأصعدة المتعلقة بالاستثمار، خاصة في المجالات الضريبية والإجراءات الإدارية المتعلقة بالاستثمار، لكن على مستوى العدالة والقضاء، وعلى الرغم من الحديث عن الإصلاحات مند سنين، وعلى الرغم من كل المبادرات والمحاولات التي سمعنا عنها في السنين الأخيرة، فإن الأمور ما زالت تراوح مكانها». وقال حديد لـ«الشرق الأوسط» إن القضاء يمثل المشكلة الحقيقية التي يعانيها مجال الاستثمار في المغرب. وأضاف: «هناك ضعف في ثقة المستثمرين بسير العدالة، وتخوفهم من عدم الإنصاف، وعدم الحصول على أحكام معقولة ومبررة من المحاكم المغربية بسبب المجاملات والرشوة والضغوط على القضاة».

ويرى حديد أن منبع هذه التخوفات نظري أكثر منه عملي، ويضيف قائلا: «الأمر لا يتعلق بعدد الحالات وحجمها، إذ ليس لدينا في المغرب قضايا كثيرة عانى فيها المستثمرون من القضاء، لكن هناك انطباعا يولده المناخ العام للعدالة في البلاد ويجعل الإجابة تكون بالنفي على سؤال، هل سأحصل على محاكمة عادلة وشفافة من قضاء مستقل إذا ما اضطررت إلى اللجوء للمحاكم في المغرب؟ وهو سؤال يطرحه كل مستثمر عندما يدرس مخاطر الاستثمار».

ويرى حديد أن هذه التخوفات عامة ولا تخص نوعا معينا من الاستثمار من دون غيره، ويقول: «في المغرب ليس هناك تمييز بين الاستثمار الأجنبي والمحلي، فهما، مبدئيا، متساويان في الحقوق والواجبات، وكذلك في أنظمة الامتيازات الخاصة بالاستثمار، كما أنهما أيضا متساويان أمام المعوقات والمشكلات التي تعترض الاستثمار، وعلى رأسها مشكلات القضاء والعدالة، والفرق الوحيد بين المستثمر المغربي والأجنبي إزاء هذه المشكلات هو أن المستثمر الأجنبي يمتلك خيار الذهاب باستثماراته إلى مكان آخر».

وألقى محاميان مغربيان مختصان في الاستثمارات الأجنبية باللوم على المستثمرين في بعض الأحيان وحملاهم جزئيا مسؤولية ما يحدث، وفي هذا السياق يقول المحامي عبد الكبير طبيح إن المشكلات التي يعانيها الاستثمار الأجنبي في المغرب غالبا ما تكون ناتجة عن عدم الإلمام بالقوانين المغربية وضعف المواكبة الفنية والقانونية للاستثمار. ويقول طبيح: «من خلال قراءة لأغلب القضايا التي تعرض على المحاكم في الدار البيضاء يتبين أن السبب الرئيسي في ظهور المشكلات غالبا ما يكون عدم اتخاذ تدابير قانونية أو إجراءات معينة من طرف المستثمر، فلو توفرت المواكبة الفنية والقانونية اللازمة لعملية الاستثمار، ولو تم اتخاذ الإجراءات الصحيحة، ما وقعت المشكلات».

ويضيف طبيح أن المغرب أصبح يتوفر في مجال الاستثمار والمعاملات التجارية على ترسانة قانونية عصرية ومطابقة للمعايير الدولية، ومنها قانون التجارة وقانون الملكية الصناعية، وقانون المنافسة. وأشار إلى أن المغرب ركز إصلاح العدالة في مرحلته الأولى، ما بين 1995 و2006، على تحديث ترسانته القانونية وملاءمتها مع القوانين الأوروبية. ويستعد المغرب حاليا لدخول مرحلة ثانية من الإصلاحات التي ستهم إصلاح المؤسسات، وتتضمن تخليق القضاء وكيفية تدبير المحاكم وآليات التفتيش.

ويقول طبيح: «حققنا تقدما كبيرا في ما يتعلق بتحقيق الانسجام القانوني مع المعايير الدولية لكننا ما زلنا نعاني مشكلات التدبير القضائي وإشكاليات التطبيق، وهذا هو موضوع الموجة الثانية للإصلاحات التي تعتزم الحكومة إطلاقها، والتي تهدف إلى إرساء وتدعيم استقلالية القضاء».

من جانبه يقول المحامي عبد اللطيف وهبي إن المسؤولية مشتركة فيما يخص المشكلات التي يواجهها المستثمرون الأجانب في المغرب، فمن جهة يفضل أغلب المستثمرين التعامل مع محامين من بلدانهم، وغالبا لا يدرك هؤلاء الإجراءات القانونية المتبعة في المغرب، ثم إنهم في كثير من الأحيان لا يلجأون إلى المحامين إلا بعد حدوث نزاع أو أنهم يحاولون الحصول على ربح سريع من خلال بعض الأشخاص المشكوك في ذمتهم، الذين يورطونهم في مشكلات مع القضاء، ومن جهة أخرى، هناك المسؤولية الوطنية، أو ما أطلق عليه وهبي «أزمة العدالة»، ويقول في هذا الصدد: «في المغرب هناك غياب ما يسمى بجودة العدالة، وذلك نتيجة بطء المراحل القضائية، وضعف الإلمام القضائي ببعض القضايا التجارية الدولية التي أصبحت معقدة، بالإضافة إلى ضعف مكاتب المحامين في التعامل بشكل حديث ومنظم مع المستثمرين الأجانب».

ويعتقد وهبي أنه لا يجب فقط إصلاح القضاء، بل يجب بالموازاة مع ذلك إعادة النظر في التشريع أيضا ومساعدة المحامين على الرفع من أدائهم للقيام بدورهم فيما يخص مساندة المستثمرين في المغرب، ويضيف: «على الدولة كذلك أن تكون صارمة حيال بعض الأشخاص الذين يشوشون على سير العملية الاستثمارية ويحاولون استغلالها من أجل مكاسب سريعة وذاتية».

ويشير وهبي إلى أن أغلب المشكلات التي يواجهها المستثمرون الأجانب بالمغرب تتعلق أساسا بالمجالات العقارية وعرقلة بعض الإجراءات الإدارية وكذا في بعض التعاقدات التي تهم الأشغال في الباطن، علما بأن الشركات المغربية في معظم الأحيان تكون عاجزة عن مواكبة الطريقة المتطورة التي تعمل بها الشركات الدولية.

أما في ما يخص المشكلات التي يواجهها المستثمرون العرب في المغرب يقول وهبي إنها تكمن أساسا في أنهم لا يدركون تماما الدور الذي تضطلع به مكاتب المحاماة والمحاسبة، لأن الشركات الأوروبية ما إن تأتي إلى المغرب حتى تتعاقد مع محام ومحاسب، بينما العرب غالبا ما يبحثون عن أشخاص يقومون لهم بهذه الخدمات فيسقطون ضحية لهم لأن ثقافة التعامل مع مكاتب الخدمات لا تشكل بعد جزءا من تفكيرهم، أما شركاتهم الكبرى فهي غالبا ما تدخل المغرب عبر اتفاقات سياسية مما يجعلها تعتقد أنها تتوفر على الحصانة، ولكن سرعان ما يتعرض عملها للعرقلة حينما تدخل في إطار الممارسة اليومية، ويلاحظ وهبي أن إدارة الشركات وملكيات الأسهم ودور المؤسسات داخل الشركات التجارية غالبا ما يتم استبعادها لفائدة قرارات فردية، باعتبار أن الخليجي صاحب رأسمال، وحين يتدخل القضاء، الذي غالبا ما يكون تدخله من أجل الحفاظ على السير العادي للمكونات المؤسساتية للشركة وأجهزتها، يعتبر المستثمر العربي نفسه ضحية القضاء المغربي.