الحريري يعتذر عن تأليف الحكومة اللبنانية ويدرس ما إذا كان «مهتما» بالعودة

جنبلاط لـ«الشرق الأوسط»: كنت أفضل لو لانت بعض المعارضة ولو أُرجئ الاعتذار * وزير «حزب الله»: لا داعي للمكابرة

الرئيس اللبناني ميشال سليمان مستقبلا أمس في قصر الرئاسة الصيفي الرئيس المكلف سعد الحريري الذي أبلغه اعتذاره عن تشكيل الحكومة الجديدة (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

أعلن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري أمس وصوله إلى «حائط مسدود» في مسعاه إلى تأليف حكومته، بعدما اصطدم مسعاه بـ«صعوبات باتت معروفة»، معيدا إلى الأذهان كلمات والده الرئيس الراحل رفيق الحريري عندما قدم استقالة حكومته الأخيرة واعتذر عن عدم تأليف واحدة جديدة في عام 2004 عندما قال إن الأهداف التي سعى إليها «اصطدمت بوقائع سياسية باتت معروفة».

والوقائع المعروفة هذه المرة كانت اصطدامه بـ«صعوبات» عنوانها مطالب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» في التركيبة الحكومية، وعدم قدرة الحريري على تقديم المزيد من التنازلات بخصوصها، أما مدى هذه الصعوبات فيتجاوز حدود لبنان.

ومع إعلان اعتذار الحريري، انفتحت بورصة الترجيحات حول اسم الرئيس المقبل للحكومة الذي ستنتجه الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، والتي يبدو أن الحريري هو المرشح الأبرز لها «وفق قواعد جديدة» إذا ما قرر وحلفاؤه في الأكثرية إعادة تكليفه بهذا المنصب. وقال مصدر قريب من الحريري لـ«الشرق الأوسط» إنه «يدرس الآن على المستوى الشخصي ما إذا كان مهتما بالعودة إلى هذا الموقع أم لا، على أن يعود بعدها إلى كتلته النيابية لاستشارتها، ثم إلى حلفائه في (14 آذار) للوصول إلى أفضل قرار حول من هو الأفضل لتمثيلها في رئاسة الحكومة».

وفي المقابل، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري تمديد مفاعيل «صيامه» عن الكلام في الشأن الحكومي، مبررا ذلك بأن «تعثر تأليف الحكومة الذي أوصل إلى الاعتذار كان من أسباب صيامه، ولا مبرر للإفطار بعد». وأكدت مصادر معارضة قريبة من بري لـ«الشرق الأوسط» أنه «صائم عن الكلام لا عن الحركة السياسية»، مشيرة إلى أن دور بري الآن ـ مع الرئيس سليمان والنائب وليد جنبلاط ـ هو احتواء تداعيات الاعتذار. غير أن هذه المصادر عادت إلى التأكيد أنه «ما لم يكن هناك تحرك سوري ـ سعودي حده الأدنى إنقاذ الوضع في لبنان، ستبقى الأمور رهن المفاجآت». وجزمت بأن بري سيعود إلى تسمية الحريري رغم اعتذاره.

أما جنبلاط فقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «بعد الاعتذار فإن المطلوب أكثر من أي وقت مضى، وإلى جانب احترام الأصول الدستورية المعهودة، التركيز جميعا على أهمية التلاقي العربي، بالحد الأدنى بين السعودية وسورية ومصر، لكي نتفادى لعبة دول كبرى تريد فسخ وتفتيت كل المسارات لضرب ما تبقى من تضامن عربي. وأفضل مثال على هذا ما يجري في اليمن وبين سورية والعراق وفي فلسطين بين السلطة وحماس».

وطالب بـ «خطاب هادئ لتجنيب البلاد تشنجات نحن في غنى عنها»، معتبرا أنه كان «بإمكان قسم من المعارضة أن يلين شروطه، وفي المقابل كان يمكن تأجيل الاعتذار ولو لبضعة أيام». وأضاف: «أما وقد حصل ما حصل، فلتكن لغة الحوار العقلاني بدل الدخول في السجالات والاتهامات».

وفيما عمد أعضاء تكتل عون إلى مهاجمة الحريري بعنف بالغ، قال ممثل «حزب الله» في الحكومة وزير العمل محمد فنيش لـ«الشرق الأوسط» إن المعارضة ستنتظر من تسميه الأكثرية لتكليفه بتأليف الحكومة، لكنه رأى «أنهم (الأكثرية) يضيعون الوقت لا أكثر». وأضاف: «لا مفر من حكومة وحدة وطنية مهما حصل»، ودعا هؤلاء إلى «التفتيش عن حلول وعدم المكابرة وإبداء المرونة»، مؤكدا أنه «لا يمكن تأليف حكومة من دون شراكة مع المعارضة وهي تريد أن تكون شريكة فعلية بالثلث زائدا واحدا في شكل مباشر أو غير مباشر، إذ إن صيغة الـ(15 ـ 10 ـ 5) كانت الحد الأدنى الذي يجمع الجميع».

وكان الحريري قد توجه بعد ظهر أمس إلى قصر بيت الدين الأثري، حيث المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية، واجتمع مع الرئيس ميشال سليمان لساعة أعلن بعدها اعتذاره عن عدم تأليف الحكومة. وبرر خطوته بأنه تبين له أنه «لا نية لدى البعض للتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، والخروج من حال المراوحة في الشروط التعجيزية». وقال: «لقد قبلت تكليفي بتشكيل الحكومة بعد استشارات نيابية ملزمة، وتعهدت أمام اللبنانيين بالعمل على تأليف حكومة وحدة وطنية تعكس نتائج الانتخابات الأخيرة وتتمثل فيها الاتجاهات السياسية الرئيسية في المجلس النيابي. وعملت على مدى 73 يوما، لتحقيق هذا الهدف، اقتناعا مني بأن حكومة الائتلاف الوطني هي حاجة وطنية في هذه المرحلة من تاريخ لبنان، وأن التحديات الكثيرة التي تواجه لبنان توجب قيام مثل هذه الحكومة، فطوينا قيام حكومة من لون واحد، واتفقنا في الأكثرية على مد اليد للتعاون مع الجميع، واتفقنا مع فخامة الرئيس على صيغة حسمت من الأكثرية حقها الديمقراطي بثلثي أعضاء مجلس الوزراء، ثم حقها بالنصف زائدا واحدا، وأجرينا في ضوء ذلك جولات وجولات من المشاورات كانت تنتهي دائما إلى وجود تعطيل في مكان ما، وإلى المراوحة في طرح شروط تستهدف بشكل أو بآخر إلغاء أو تسخيف نتائج الانتخابات». ورأى الحريري أن التشكيلة التي قدمها «فرصة حقيقية ضاعت في مهب الشروط من جديد، مع معرفة الجميع أنها لا تلغي أحدا، بل هي تلتزم بقواعد المشاركة الكاملة، من دون أن تتحول إلى وسيلة طعن في نتائج الانتخابات». وقال: «ولما كان من المتعذر صدور هذه التشكيلة، للأسباب المعروفة، ولما كنت لن أقبل بأن تتحول رئاسة الجمهورية أو الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة إلى مجرد صندوق بريد، نتسلم من خلاله مراسيم تسمية الوزراء الآتية من الأندية والأروقة السياسية، ولما كان التزامي بتشكيل حكومة وحدة وطنية قد اصطدم بصعوبات باتت معروفة»، وأعلن أنه اعتذر عن عدم تشكيل الحكومة، متمنيا أن «يصب هذا القرار في مصلحة لبنان، وأن يشكل مناسبة لكسر الحلقة المفقودة، ولإطلاق عجلة الحوار من جديد، وإجراء استشارات نيابية، تنتهي بإذن الله إلى قيام حكومة جديدة، تكون قادرة على قيادة البلاد وتوحيد اللبنانيين حول دولتهم».

ورأى وزير الشؤون الاجتماعية ماريو عون أن اعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري هو «نتيجة طبيعية للعناد الذي مارسه الحريري منذ بداية تكليفه تشكيل الحكومة». وقال إن الحريري «لم يجر أي حوار جدي مع (التيار الوطني الحر) أو تكتل (التغيير والإصلاح)، وبالتالي هو لم يقدم أي تنازلات حتى نصل إلى حكومة وحدة حقيقية وحكومة شراكة».

أما عن الخطوة المقبلة بعد اعتذار الحريري وإمكان العودة عن صيغة (15 ـ 10 ـ 5)، فلفت عون إلى أنه لا يرى إعادة تكليف الحريري بتأليف الحكومة من جديد، واعتبر أن الأكثرية صدمت بالموقف الذي صدر عن الحريري، مشيرا إلى أن قوى 14 آذار تتمنى إعادة تكليف الحريري، «ولكن المرحلة المقبلة هي مرحلة تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة.. أرى أن للسنيورة حظوظا أكثر».

ورأى وزير الاتصالات جبران باسيل «أن السبب الحقيقي لاعتذار النائب سعد الحريري عن عدم تأليف الحكومة هو عدم تمكنه أو عدم قدرته على تشكيل حكومة وحدة وطنية». وقال: «إذا كان هذا هو عنوان المرحلة المقبلة، فقد كسرنا هذا العنوان من أوله، حتى لا ننتقل من إلغاء إلى إلغاء، ومن قضم إلى قضم. والتشكيلة التي عرضها النائب الحريري لا تعطي مضامين للوحدة الوطنية، وعلى الجميع التعلم أنه لا يمكن إقصاء أو تهميش أو إلغاء فريق أساسي من اللبنانيين».