أوباما صعد اللهجة وقدم تنازلات.. في خطابه أمام الكونغرس

استشهد بكيندي أملا في استمالة معارضي مشروعه للرعاية الصحية.. وتوقعات باستعادة شعبيته

أوباما أثناء إلقاء خطابه أمام الكونغرس، وبدا خلفه نائبه بايدن أمس (ا.ب)
TT

بعد شهر من اجتماعات الكونغرس الغاضبة والتكهنات الملحة حول وضع أهم أولوية محلية للرئيس الأميركي باراك أوباما، تحرك الرئيس بقوة الليلة قبل الماضية لأخذ زمام المبادرة في مشروعه لإصلاح الرعاية الصحية، وفي إطار تلك العملية حاول تجديد صورة رئاسته وتوحيد حزبه الديمقراطي المنقسم.

كانت هناك نبرة إلحاح في صوت أوباما، في اعتراف واضح بالمشاكل التي واجهها طوال أشهر من مساومات الكونغرس وفي بعض الأحيان مزاعم أطلقها معارضو الإصلاح، لدرجة أنه أصبح يراهن بحظوظه السياسية على النتيجة.

من النادر أن تواجه فترة رئاسة في بدايتها كل ذلك. ولا يمكن أن ينتج عن خطاب واحد إجماع على تشريع متعلق بالرعاية الصحية، أي أن ذلك الخطاب ليس اللحظة الفاصلة التي وصفها بعض المعلقين. ولكن أوباما عرض رئاسته للخطر في تلك القضية، ومستشاروه كانوا يعرفون أن الوقت طويل أمامه ليثبت ذاته بصورة أكثر تأكيدا أو أنه يغامر برؤية المشروع برمته يفلت من يديه. وقال أوباما: «لقد انتهى زمن الألاعيب وآن الأوان للتحرك». ربما يكون أوباما خسر طوال الصيف في معركة الرعاية الصحية، ولكنه استخدم القوة المتاحة للرئيس، من خلال الإدلاء بخطاب أمام الكونغرس بمجلسيه، ونقله التلفزيون الوطني، في محاولة لإعادة النقاش حول بنود أكثر إيجابية. والسؤال هو هل يُرضي الطريق الذي تحدث عنه، والذي يصفه بالحل الوسط، الأجنحة المنقسمة في الحزب الديمقراطي أو القلة المعتدلة من الجمهوريين الذين ربما يهتمون بالتعاون معه. ويبرز الخطاب والاستقبال الحزبي الحاد في قاعة مجلس النواب العمل المتبقي قبل أن يتمكن أوباما من الوفاء بوعده وتنفيذ مشروع إصلاح كبير بحلول نهاية العام. ويريد أوباما أن ينجح حيث فشل أسلافه وهو تأمين تغطية طبية لحوالي 46 مليون أميركي من المحرومين مع خفض العجز الذي سجل مستويات قياسية. ويريد أن يتم تبني الإصلاح بحلول نهاية 2009 مدركا أن سنة 2010 هي سنة انتخابية برلمانية لن يتم فيها الدفع بهذا الملف.

وقال اوباما إن القانون الجديد سيفرض على الأميركيين، إلا في بعض الاستثناءات، أن يكون لديهم تغطية طبية كما سيمنع شركات التأمين من رفض مثل هذه التغطية لأسباب تتعلق بتاريخهم الطبي. وحول ما يشاع إن الإصلاح سيؤدي إلى تشكيل لجان تقرر بخصوص مواصلة علاج بعض المرضى أو تركهم يموتون رد اوباما «ذلك كذب». كما أن الأموال الفيدرالية لن تستخدم لتمويل الإجهاض. ويعبر الجمهوريون عن قلقهم إزاء كلفة الإصلاح كما هم قلقون أيضا إزاء الوصول إلى ما يشبه تأميم القطاع الطبي مع إدخال ضمان صحي طبي عام يتولى تغطية الأشخاص الذين ليس لديهم أي ضمان طبي آخر.

وأبدى اوباما مجدداً تأييده لهذا الخيار لإرغام شركات التأمين الخاصة على اقتراح بوليصة تأمين معقولة السعر. لكنه أشار إلى أن ذلك يجب ألا يستخدم ذريعة «لمعارك إيديولوجية» وانه منفتح للحصول على أفكار أخرى.

وبخصوص الكلفة قدرها بحوالي 900 مليار دولار على عشر سنوات. وسيمول القسم الأكبر من المشروع عبر الادخار في نفقات الصحة ومكافحة الفساد والهدر. والبقية ستدفعها شركات التأمين وشركات الصيدلة. وقال اوباما «لن أوقع على خطة تضيف أي سنت على عجزنا» المالي.

كان أوباما يتطلع من خلال خطابه إلى تحقيق هدفين رئيسيين. أولا، طمأنة الشعب المتشكك وحشده حوله في النهاية ليؤيده في مسيرته من أجل مشروع إصلاح الرعاية الصحية الشامل. وفي ذلك، كان واضحا أنه يضع في ذهنه نوعين من الجمهور الذين يعد تأييدهما ضروريا: المستقلون وكبار السن من المواطنين. وفي سعيه لتهدئة المستقلين القلقين من أن أجندته تهدد بوقوع كارثة مالية في ميزانية البلاد، وعد بعدم التوقيع على مشروع قانون يزيد من حجم العجز في الميزانية. وفي مخاطبته لكبار السن، نظر مباشرة إلى الكاميرات وتعهد قائلا: «سأحمي برنامج ميديكير».

ومن المؤكد أن شعبية أوباما ستزداد في استطلاعات الرأي بعد خطاب الليلة قبل الماضية، كما حدث مع الرئيس السابق بيل كلينتون عندما أدلى بخطاب مماثل أمام الكونغرس في خريف عام 1993. ويكمن مفتاح نجاح أوباما في استخدام المساحة التي وفرتها له تلك الفرصة لتوجيه الكونغرس، وخاصة حلفائه الديمقراطيين، نحو الوصول إلى إجماع في الرأي والتحرك. وكلما استمر النقاش، تلاشت المكاسب التي حققها من الخطاب. ولذلك السبب كان هدفه الثاني هو وضع بصمته على المناقشات المتعلقة بالرعاية الصحية بالطريقة التي تحول الخلاف التشريعي من الطريق المسدود الحالي إلى ممر أخير.

وعلى مدار أسابيع، تعرض أوباما لشد وجذب في موضوع الرعاية الصحية، حيث حثه معارضوه الجمهوريون على التخلي عن خططه في تنفيذ إصلاح شامل وتقليل حجم مبادرته بصورة كبيرة. ومن جانب آخر نصحه العديد من الديمقراطيين بالرد وتحدي هؤلاء الخصوم بعنف كما يعارضونه. لكنه بدلا من ذلك اتبع غرائزه التي ترشده طوال عمله السياسي، بالدعوة إلى مزيد من النقاش الحضاري والسعي إلى أكبر قدر ممكن من الإجماع. وحاول أن يضع ذاته في منطقة وسطى في الخلاف بين نظام الدافع الواحد الذي تديره الحكومة والتخلي عن النظام الحالي القائم على صاحب العمل، على الرغم من أن كليهما ليس خيارا حقيقيا في النقاش المطروح في العام الحالي. وبالنسبة للجمهوريين، قدم أوباما بعض التنازلات الممكنة كوسيلة لإظهار رغبته المستمرة في تجاوز الخطوط الحزبية. واستحضر أيضا السناتور الديمقراطي الراحل إدوارد كيندي، ليُذّكر بعض أصدقاء كيندي في الحزب الجمهوري بتعاونهم مع الأسد الليبرالي في مجلس الشيوخ، وذلك أملا في حثهم على الاشتراك في الجهود المبذولة لتمرير مشروع القانون. وقال: «ما زلت أعتقد بأن بإمكاننا أن نستبدل التحضر بالحدة والتقدم بالطريق المسدود».

لكن في الحقيقة، يواجه الرئيس معارضة كاملة تقريبا من الحزب الجمهوري، وكانت هناك ردود فعل قليلة تشير الليلة قبل الماضية إلى تغيير فوري في تلك الحقيقة. وإذا نجح أوباما في سعيه لإصلاح الرعاية الصحية، سيكون ذلك أفضل إشارة على التأييد الجمهوري. ويعني ذلك توحيد الحزب الديمقراطي المنقسم بين أجنحته الليبرالية والمعتدلة، وبين مجلسي الشيوخ والنواب، حول خيار التأمين العام. وفي تلك المسألة، أكد أوباما تأييده، ولكنه حث التقدميين على عدم جعل ذلك البند مفتاح تأييدهم.

وقد أعطى أوباما الليبراليين ما يكفي للابتهاج في أجزاء أخرى من خطابه، حيث وصف المزاعم حول «لجنة الوفاة» بالـ«كذبة» وتعهد بالرد على هؤلاء الذين يريدون كسب نقاط سياسية بمعارضة الإصلاح. وعلى الرغم من أنه ربما يكون قد اختار الطريق السياسي الوحيد المتاح بالإشارة إلى رغبته في قبول التشريع من دون الاختيار العام، يواجه أوباما مساومة صعبة ونقدا من قاعدته الديمقراطية.

وتعد المعركة أكثر من مجرد اختبار لأوباما. وهي تمثل تحديا لحزبه، وستحدد الدرجة التي يدرك بها الديمقراطيون تلك الحقيقة مصير تشريع الرعاية الصحية في العام الحالي. وقد صرح ديمقراطيون طوال الصيف أن الفشل ليس خيارا متاحا. وفي الوقت الحالي، يجب أن يقنعهم أوباما بالتصرف من أجل مصلحتهم الجماعية، بدلا من مصالحهم الفردية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»