منجزات الاقتصاد اللبناني «تحت التهديد» بفعل تصاعد حدة الخلافات السياسية

أرقام قياسية في السياحة والتحويلات.. ومؤشرات إيجابية تعد بنمو جيد

TT

أدى انقلاب المزاج العام في لبنان، من حال الانتظار وترقب الجديد إلى حال الخوف من تداعيات متفاقمة جراء احتدام الخلافات السياسية في ظل تعثر تأليف الحكومة الجديدة، إلى تعميم أجواء من الإحباط في صفوف الاقتصاديين الذين راهنوا على استيعاب الأسواق للمناكفات السياسية المعتادة، وفوجئوا نسبيا بحدة التباعد الذي خرج إلى العلن بين مواقف الأطراف الأساسية.

وإذ بدت السوق المالية حذرة في التعامل مع تصاعد الأزمة الداخلية، مع ميل إلى التراجع وانكفاء العمليات والتداولات، لوحظ أن أكثر الاقتصاديين يفضلون التريث قبل إجراء أي تقويم سريع، ويرصدون ما يمكن أن يصدر من مواقف جديدة عن الرئيس المكلف سعد الحريري اعتذارا أو خوضا لمفاوضات جديدة تفرضها معطيات داخلية وخارجية.

وتسود مخاوف جدية من بدء موجة ضغوط معاكسة تستنزف الأداء القوي للاقتصاد اللبناني، وارتفاع ترقب نموه من 2 و3 في المائة إلى 6 في المائة وربما أكثر، ربطا بالنتائج المحققة حتى نهاية الشهر الماضي بعدما توالى تحطيم الأرقام القياسية في الكثير من المؤشرات الاقتصادية المهمة في لبنان، بدعم من الاستقرار النسبي للأوضاع الداخلية وخروج قطاعه المصرفي والمالي سليما من الأزمة المالية العالمية وتداعياتها.

ومن الإنجازات الاستثنائية التي تحققت خلال الأشهر السابقة بلوغ احتياطات البنك المركزي من العملات الصعبة مستوى تاريخيا جديدا وغير مسبوق، بعدما تجاوز عتبة 25 مليار دولار في نهاية الشهر الماضي، مستفيدا من تدفق المزيد من الودائع إلى الجهاز المصرفي منذ بداية السنة، ومن استمرار موجة تحويل مدخرات من الدولار إلى الليرة، وإن بوتيرة أخف من الأشهر السابقة، بغية تحقيق عوائد أعلى، إضافة إلى وصول قروض ومساعدات إضافية من جعبة مؤتمر «باريس 2».

ويقدر حجم التحويلات من العملات الأجنبية إلى الليرة بـ7 مليارات دولار أميركي في النصف الأول من عام 2009، وهو رقم قريب جدا من مجموع التحويلات المسجلة في عام 2008 بكامله، والمقدرة بـ8 مليارات دولار.

وتكمن أهمية هذا المستوى للاحتياط، فضلا عن كونه غير مسبوق في تاريخ لبنان والبنك المركزي، أنه يتجاوز بنسبة 45 في المائة مستواه المسجل قبل عام (نهاية أغسطس (آب) 2008). وبات يغطي 83 في المائة من كامل الكتلة النقدية المحررة بالليرة ويوازي نحو 50 في المائة من الدين العام ونحو 80 في المائة من الناتج المحلي.

ومع الاحتساب الدفتري للموجودات الذهبية التي توازي قيمتها نحو 9 مليارات دولار ترتفع هذه المعدلات فوق 100 في المائة لجهة تغطية النقد بالليرة وإجمالي الناتج، وتشكل نحو 70 في المائة من الدين العام، وهذه عوامل مطمئنة وداعمة للاستقرار النقدي.

وبالتوازي مع الزيادات القياسية لاحتياط العملات، يسجل ميزان المدفوعات فائضا تراكميا قياسيا زاد على 3.3 مليارات دولار في 7 أشهر، وهذا ما ينفي تأثر تحويلات اللبنانيين العاملين أو المغتربين في الخارج، بشكل جدي وملموس، بالأزمة المالية الدولية وتداعياتها. كما يدلل على ارتفاع الاستثمارات الوافدة التي تواصل منحاها الإيجابي بالغة نحو 10 مليارات دولار بزيادة تقارب 40 في المائة على أساس سنوي، فضلا عن عوائد الموسم السياحي الذي جاوز بقوته مواسم الازدهار في السبعينات من القرن الماضي.

ومن المرتقب أن تسجل السياحة هذا العام أعلى رقم على الإطلاق. وقد لا يكون رقم المليوني وافد صعب المنال في نهاية هذا العام، بعدما سجل الموسم الصيفي أرقاما قياسية أفضت إلى دعم النمو القوي من بداية السنة، لتتجاوز أرقام 8 أشهر الرقم السحري القياسي السابق المسجل قبل 35 عاما.

وبحسب وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال إيلي ماروني، فإن حجوزات عيد الفطر تضاهي أعلى المعدلات المسجلة ما قبل بدء شهر رمضان المبارك، وإن رقم 1.6 مليون سائح صار واقعا. وهذا ما يبشر بأن العائدات السياحية لن تقل عن 3 مليارات دولار. كما يعكس أداء القطاع المصرفي اللبناني، ليس واقع الصمود المتواصل في وجه الأزمة المالية العالمية فحسب، بل تسجيل معدلات نمو وزيادات غير مسبوقة معدلات وأحجاما. فقد ارتفع النشاط المصرفي، الذي يُقاس بالموجودات المجمعة للمصارف العاملة في لبنان، بقيمة تناهز 11 مليار دولار أميركي في 7 أشهر فقط، ليصل الإجمالي إلى نحو 105.3 مليار دولار بنمو يقارب 12 في المائة من بداية العام، معززا بذلك النمو المحقق في النصف الأول والذي يفوق بنسبة 50% ذاك المحقق في الفترة ذاتها من عام 2008، ويناهز ثلاثة أضعاف متوسط النمو المسجل في الفترات المماثلة من السنوات الست الماضية.

ولا تزال ودائع الزبائن هي المحرك الأساسي لنشاط هذا القطاع، إذ سجلت هذه الودائع في النصف الأول من عام 2009 زيادة توازي 1.7 ضعف الزيادة المحققة في النصف الأول من عام 2008، وأكثر من ثلاثة أضعاف متوسط الزيادة المسجلة في السنوات الست الماضية. وعليه، نمت ودائع الزبائن بنسبة 10.3% في الأشهر الستة الأولى من عام 2009، بارتفاع قيمتها من نحو 78 مليار دولار مليار ليرة في ديسمبر (كانون الأول) 2008 إلى نحو 86 مليار دولار في نهاية يونيو (حزيران)، لتحلق في يوليو( تموز) مسجلة 87.7 مليار دولار. وبلغ مجموع الودائع المستقطبة إلى القطاع 10 مليارات دولار في 7 أشهر فقط. أي بزيادة تفوق نسبتها 12.8 في المائة.

في المقابل، فإن ازدياد الدين العام في لبنان خلال الأشهر المنصرمة من عام 2009 لا يزال أقل من الزيادات المسجلة في الفترة ذاتها من الأعوام السابقة، ما يعكس الجهود المبذولة في سبيل احتواء هذا الدين. ثم إن نسبة الدين العام مقابل الناتج المحلي الإجمالي اتخذت منحى تراجعيا منذ عام 2006 بحيث باتت أدنى من 160% مقابل زهاء 180% قبل نحو سنتين.