الآثار المصرية تحظر الحفلات في قصر البارون الأثري

تحفة معمارية تحولت إلى غرفة عمليات في حرب 1956

حضر حفل افتتاح القصر سلطان البلاد آنذاك السلطان حسين كامل («الشرق الأوسط»)
TT

قرر المجلس الأعلى للآثار في مصر حظر إقامة الحفلات بقصر البارون الأثري في مصر الجديدة. وقال الدكتور زاهي حواس، الأمين العام للمجلس، إنه تقرر منع أي نوع من الحفلات بحديقة القصر حفاظا على القيمة المعمارية التي يمثلها القصر، وحفاظا على طابع ضاحية مصر الجديدة، وتحقيقا لرغبات سكانها. وأضاف أن المجلس يقوم بعمل الدراسات العلمية لإجراء الترميمات المعمارية والفنية الدقيقة اللازمة للقصر، والتي ينتظر أن تبدأ منتصف العام المقبل، بعد انتهاء الدراسات الاستشارية للمشروع بما في ذلك أعمال تنسيق الموقع. وأوضح حواس أن الدراسات سوف تستغرق عاما من أجل بدء مشروع الترميم الشامل للحفاظ على قصر البارون ليصبح جوهرة مصر الجديدة. وكان المجلس الأعلى للآثار قد ضم قصر البارون إمبان بعد قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1297 عام 1993 ضمن عداد الآثار الإسلامية والقبطية نظراً لتفرده المعماري والفني.

وشيد القصر المليونير البلجيكي إدوارد إمبان أوائل القرن الماضي، خلال الفترة من 1906 إلى 1909 على مساحة 5,12 ألف متر، ليجعله تحفة معمارية، تجمع بين الطرز المعمارية والفنية الأوروبية والآسيوية، وليصبح قيمة فنية راقية في ضاحية مصر الجديدة التي أنشأها إمبان.

ويتكون القصر من طابقين وبدروم يحتوى على سبع غرف وعدد من الصالات ويحوى العديد من الرسوم التصويرية على نمط أعمال عصر النهضة وتماثيل هندية الطابع.

وكان البارون حريصا على ألا تغيب الشمس أبدا عن قصره فعمل لذلك قاعدة خرسانية ترتكز على «رولمان بلي» نفذها عمال مصريون، هذه القاعدة تدور فوق عجلات متحركة بحيث يلف القصر بمن فيه ليرى الواقف في شرفة القصر كل ما يدور حوله وهو في مكانه، وهذه الخاصية متبعة أيضا في قصر واحد فقط وهو قصر السكاكيني في حي الجمالية بالقاهرة.

هذه القيمة المعمارية الفريدة كانت مثيرة لكل من حضر حفل افتتاح القصر بمن فيهم سلطان البلاد آنذاك وهو السلطان المصري حسين كامل، الذي سيطرت عليه الغيرة فحاول أن يضم القصر إلى عرشه إلا أن «امبان» رفض إهداءه إياه وقام ببناء قصر آخر بالقرب من قصره، وأهداه إلى السلطان، إلا أن الأخير رفض الهدية مصرا على طلبه الأول.

وبعد رحيل السلطان أقام «امبان» شركة «هليوبوليس» التي قامت تاليا بالتخطيط لبناء ضاحية مصر الجديدة بالاشتراك مع «باغوث نوبار» باشا على مساحة تقرب من 6 آلاف فدان عبر بناء العديد من «الفيلات» لأبناء الطبقة المتوسطة والأثرياء المصريين بدءا من سنة 1910.

وبعد وفاة البارون خلفه ابنه «امبان» الثاني وكان كوالده محبا للسفر والترحال ولم يقم في القاهرة كثيرا ولذلك عرضت عليه إحدى الشركات البلجيكية بيع القصر إلى أن أعلنت إحدى هذه الشركات رغبتها في بيعه عبر مزاد علني شمل بيع محتويات القصر كاملة وكان ذلك في عام 1954.

وكان شراء القصر من نصيب السوري محمد بهجت الكسم والسفير السعودي محمد علي رضا وشقيقه علي علي رضا ودفع الثلاثة مبلغا آنذاك وصل إلى مائة وستين ألف جنيه. الملاك الجدد للقصر حاولوا تحويله إلى ناد لأثرياء العالم إلا أن حلمهم لم يكتمل ورغبتهم لم تستمر طويلا إذ تبددت نتيجة لإصرار وزارة الشؤون الاجتماعية الإشراف على مثل هذه الأنشطة، لذلك هجره الملاك حتى كانت واقعة العدوان الثلاثي على مصر.

وأمام هذا الاعتداء طلبت مصر من الملاك استخدام القصر لنقل بعض المعدات الحربية إليه، واستخدامه كغرفة عمليات آنذاك، ووافق الملاك على ذلك، إلا أنه بعد انتهاء الحرب تعرض لتلفيات جسيمة نتجت عن استعماله كموقع عسكري.

وبمرور الأيام تعرض القصر لإهمال شديد إلى أن تم تحويله إلى أثر إسلامي بقرار من مجلس الوزراء عام 1993 وباعتبار قصر البارون «امبان» أثرا لا يجوز لملاكه التصرف فيه دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للآثار، طبقا لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 ورغم ذلك ظل هذا الأثر الفريد معرضا للإهمال.

وقبيل عقد كامل كشف عن مجموعة أطلق عليهم «عبدة الشيطان» كانوا يلتقون داخل القصر لممارسة طقوسهم الخاصة فيه والتي اعتبروها شيطانية كما ذكروا ذلك في تحقيقات النيابة. وظل القصر على حالته إلى أن اشترته وزارة الإسكان من ورثة الملاك السوريين والسعوديين بمبلغ قدره 21 مليونا ونصف مليون دولار، ومنح أراض لورثة الملاك بقيمة تساوى قيمة المبلغ نفسه لتبدأ لاحقا في إجراءات ترميمه بالتعاون مع وزارة الثقافة ليستعيد القصر عافيته بعد سنوات من الإهمال.