صغار المستثمرين الأميركيين يعاودون شراء الأسهم بحذر

تدفق 56 مليار دولار على صناديق الأسهم منذ أبريل

يعمد مستثمرون أفراد إلى البقاء داخل سوق الأسهم (أ ب)
TT

مثلما الحال مع ملايين المستثمرين العاديين، لا تزال سيندي وإريك كانوب، تحاولان التعافي من عواقب الأزمة الكبرى التي ضربت «وول ستريت». فقد تراجعت قيمة الأوراق المالية التي يملكانها بنسبة 25 في المائة. ويبدي الاثنان قدرا كبيرا من الحذر حيال الإنفاق. علاوة على ذلك، اضطرا إلى إرجاء تحقيق حلمهما بشراء قطعة أرض في شمال كاليفورنيا أو أوريغون لفترة تتراوح بين 5 و10 سنوات، وذلك حتى يتمكنا من إعادة بناء مدخراتهما. ومع ذلك، ورغم عدم توافر أي ضمانات باستعادتهم خسائرهم، يعمد مستثمرون أفراد مثل سيندي وزوجها، اللذين يعيشان في أوكلاند بولاية كاليفورنيا، إلى البقاء داخل سوق الأسهم. مؤخرا، وبمساعدة مستشار مالي، وجها بعض الأموال النقدية بحوزتهما إلى صناديق استثمارية وخاضا استثمارات تنطوي على مخاطرة أكبر. بل وتوقف الزوجان مؤخرا عن تجاهل بيانات «(k)401»، التي تسمح لهم بادخار أموال حتى حلول التقاعد.

في هذا السياق، قالت سيندي، 48 عاما، العاملة لدى إحدى شركات خدمات الرعاية الصحية، «كريسر بيرمانينت»: «في مثل هذا الوقت من العام الماضي، بدا الوضع كئيبا ومظلما وأليما. وأشعر بالذهول حيال تمكننا من معاودة نشاطنا بهذه السرعة». جدير بالذكر، أنه عندما عصفت الأزمة المالية بالبلاد، حذر بعض كبار خبراء «وول ستريت» من أن أسواق الأسهم ستخسر الأفراد المستثمرين لسنوات قادمة. وبدا أن فكرة بناء محفظة أوراق مالية متنوعة والشراء على نحو منتظم والتشبث بها حتى الوصول إلى سن التقاعد قد ولت إلى غير رجعة. إلا أنه على الرغم من فترة الاضطراب التي أتت على ثروات بأكملها ودمرت خططا للتقاعد، قليل من المستثمرين الأصغر لجأوا إلى التخلص من محافظ الأوراق المالية بحوزتهم. وفي الوقت الذي أصبحوا اليوم أكثر فقرا ولا يزالون حذرين حيال الأسواق، فإن الكثيرين منهم ما زالوا يطاردون حلم الربح والثراء. من جهتها، قالت ليندا بلاي، موظفة حسابات في أورانج كاونتي بولاية كاليفورنيا، عن سوق الأسهم: «إنها تتبع سجلا محددا». ورغم أن قيمة محفظة الأوراق المالية الخاصة بها لا تزال متراجعة بنسبة 30 في المائة، أكدت ليندا: «أنها تفوق في أدائها أي استثمار آخر. أعتقد أنها ستستعيد قوتها». يذكر أن المشاركة بخطط «(k)401» ظلت ثابتة خلال عام 2008، رغم فقدان الحساب في المتوسط 28 في المائة من قيمته، طبقا لما توصلت إليه شركة «هيويت أسوشيتس»، المعنية باقتفاء أثر خطط التقاعد. ونقل مزيد من الأفراد أموالهم إلى صورة نقدية أو سندات سعيا للتمتع بمزيد من الأمان، لكنهم قاموا بذلك على الهامش. بوجه عام، تراجعت معدلات الإسهام أقل من نصف نقطة مئوية. خلال النصف الأول من عام 2009، عندما وصلت الأسهم إلى أسوأ مستوياتها ثم تحركت باتجاه مستويات أعلى، نفذ 9 في المائة فقط من المستثمرين مضاربات في حسابات «(k)401» الخاصة بهم، طبقا للإحصاءات الصادرة عن شركة «فانغارد». في الوقت ذاته، عانت الاستثمارات البديلة، مثل العقارات، بشدة، في الوقت الذي تردت بصورة بالغة معدلات الفائدة على شهادات الودائع أو حتى حسابات المدخرات عالية الربحية، ما جعلهم أقل جاذبية أمام المستثمرين. في هذا الصدد، أعربت باميلا هيس، مديرة شؤون أبحاث التقاعد لدى «هيويت أسوشيتس»، عن اعتقادها بأنه: «كان لقاعدة القصور الذاتي القول الفصل، ذلك أن غالبية المشاركين لم يغيروا شيئا ـ ليس فيما يخص قرارهم بالادخار، ولا بكمية الأموال التي يدخرونها. لا شيء تغير مطلقا». الآن، بدأت بعض الأموال التي فرت العام الماضي من الأسهم باتجاه ملاذات آمنة مثل صناديق سوق المال والسندات الحكومية بدأت في العودة. ورغم استمرار تمسك تريليونات الدولارات بالملاذ على الجوانب الهامشية، تدفقت نحو 56 مليار دولار على صناديق الأسهم منذ أبريل (نيسان)، طبقا للأرقام الصادرة عن «انفستمنت كباني إنستيتيوت». بالتأكيد، من الممكن أن تسهم معاودة جني الأرباح كثيرا في تعزيز ثقة الجميع.

بوجه عام، ارتفع متوسط حساب «فانغارد (k)401» بقيمة 3.300 دولار حتى نهاية يونيو (حزيران)، بارتفاع نحو 6 في المائة عن العام ـ ورغم أن ذلك لا يعد عائدا عظيما، لكنه أفضل عن ذي قبل، تبعا لما تكشفه أحدث الإحصاءات الصادرة عن الشركة. يذكر أنه خلال الشهور الستة الأولى من عام 2008، فقد متوسط حساب «فانغارد» 6.898 دولار، أو نحو 9 في المائة، من قيمته. بحلول الخميس، كان مؤشر «ستاندرد آند بورز» قد حقق ارتفاعا بنسبة 10 في المائة للعام. ومع ذلك، لا يزال المؤشر منخفضا بمقدار الثلث عن ذروة ارتفاعه، ولا تزال الشكوك تساور المستثمرين حيال ما إذا كانت الأسهم ستستمر في الارتفاع في إطار فترة استعادة نشاط متقطعة تعوقها معدلات البطالة المرتفعة والإنفاق الاستهلاكي البطيء. حتى حال تحقيق عائدات سنوية بنسبة 10 في المائة، سيستغرق الأمر من مستثمري الأسهم قرابة ثلاثة سنوات لاستعادة الأموال التي كانت بحوزتهم مطلع عام 2008. على صعيد منفصل، زار دانييل كلهوفر، 67 عاما، مستثمر من جورجيا، ابنه في ألمانيا هذا الصيف وحرص على التنزه بقارب سريع في البحيرة الواقعة بالقرب من منزل ابنه. وقد شجعه على القيام بهذه الرحلة الزيادة المستمرة في بيانات حسابه الشهرية. من جهته، أعرب جوزيف فريدريك، مستثمر من سنسيناتي، عن سعادته البالغة لأنه، بفضل مستشاره المالي، تراجعت قيمة محفظة أوراقه المالية بنسبة 12 في المائة فقط منذ الأزمة التي عصفت بالأسواق. في شمال كارولينا، فقد المسؤول التنفيذي المتقاعد بشركة «واتشوفيا»، روبرت باينتر، عشرات الآلاف من الدولارات عندما انهارت الأسهم التي يملكها وأسهمه في «واتشوفيا». في أكتوبر (تشرين الأول)، صرح لـ«نيويورك تايمز»، بأن شعورا راوده بأنه يشهد موته مع كل تراجع تمنى به سوق الأسهم. هذا الصيف، اشترى سيارة «تشيفروليه كورفيت» عمرها عام. وعلى الرغم من إلغائه رحلة كان ينوي القيام بها مع زوجته إلى أوروبا، فإنهما يفكران في القيام برحلة بحرية في البحر المتوسط العام القادم. وقال: «أشعر بحال أفضل بكثير. ورغم بشاعة الحال فيما مضى، لم أصل قط إلى نقطة راودني الاعتقاد عندها أنني سأضطر للعودة إلى العمل أو عدم تناول إحدى الوجبات اليومية. إن باستطاعتي تحمل ضربات أكبر بكثير عما سبق وإن ظننت». في أعقاب انهيار السوق، قرر غيل ليفنغستون، المدير المتقاعد بشركة «هيوليت ـ باكارد»، ويعيش في ديترويت، تولي إدارة أمواله بنفسه، بدلا من السماح لمديري الأصول في «يو بي إس» بإدارة محفظة أوراقه المالية. وقد تمكن من جني أموال من تنفيذ عمليات شراء في توقيت مناسب لأسهم شركات تكنولوجية وتوجيه استثمارات إلى أسواق ناشئة. وقال: «أرفع برأسي ببطء عن الأرض. وأبلي حاليا بلاء حسنا، ذلك أن الأسهم التي أملكها مرتفعة». ما زال لينفنغستون، 67 عاما، وزوجته يملكان منزلا لقضاء الشتاء به في كيب كانافيرال بفلوريدا، وأشارا إلى أنهما لم يضطرا إلى التخلي عن جزء من أسلوب الحياة الذي اعتاداه. إلا أنه مع انحسار قيمة محفظة أوراقهما المالية بنسبة 20 في المائة، اضطرا إلى إرجاء خططهما للسفر، ويدرسان جمع مزيد من الأموال النقدية من خلال بيع منزلهما في ميتشغان مقابل آخر أصغر.

إلا أن الكثيرين ما زالوا يعانون بداخلهم من جروح عميقة جراء التداعيات المالية والنفسية للخسائر التي تكبدوها الخريف الماضي، مع انحسار قيمة حساب تقاعده بصورة بالغة، قرر جو مانسيني بيع جميع الأسهم المالية بحوزته والسعي وراء استثمارات أقل مخاطرة، مثل السندات وصناديق الذهب والمعادن. ورغم تمكنه من تقليص خسائره، لا تزال قيمة حسابه وزوجته منخفضة بنسبة 30 في المائة تقريبا. وعلق مانسيني، 58 عاما، ويعمل لدى شركة لتوزيع المعدات الإلكترونية، بالقول: «منذ سنوات قليلة ماضية، كنت آمل في التقاعد عند اقترابي من سن الـ60. لكن الآن لم يعد بمقدوري حتى تحديد موعد لذلك». إذا كان المستهلكون الذين ينفقون بكثير أصبحوا ماضيا بسبب الركود الحالي، ربما تكون الأزمة التي ضربت «وول ستريت» قد خلقت جيل من المستثمرين الأفراد الأكثر حذرا. من ناحيته، قال روبرت فيري، الذي يعمل بشركة كومبيوتر بفلوريدا، إنه تبع جميع القواعد التقليدية للاستثمار، حيث حرص على التخطيط للمستقبل وعمد إلى شراء مجموعة متنوعة من الأسهم والسندات ولم يحاول قط تحديد فترات زمنية معينة للأسواق. ومع ذلك، فقد خسر مكاسب حققها على امتداد عقد كامل عندما انهارت سوق الأسهم. وأشار إلى أنه لا يدري ما إذا كان سيستعيد ثقته بالأسواق مجددا. من ناحية أخرى، أشار بين سيلبرت، 38 عاما، محامي لدى شركة في مانهاتن، إلى أنه مع تحرك «وول ستريت» سريعا باتجاه الارتفاع خلال السنوات القليلة الماضية، حاول إقناع زوجته بتوجيه مزيد من أموالهما إلى الأسهم. لكن الآن مع انخفاض قيمة محفظة الأوراق المالية الخاصة بهما بنسبة 15 في المائة منذ أغسطس (آب) الماضي، قال سيلبرت إنه رغب في التحول باتجاه استثمارات ثابتة الدخل. وقال: «لقد عاينت ما يمكن حدوثه. وكان درسا جيدا. لقد فتح عيني على أمور جديدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»