خامنئي محذرا رفسنجاني وخاتمي: الخميني تصدى لثوريين تولوا مناصب هامة.. وليس هناك شخص فوق القانون

اعتقالات وسط الإصلاحيين ومخاوف على كروبي وعائلة رفسنجاني في لندن * ابن أخ خامنئي: الحرس ونجاد يحكمان * حملة على الأطباق اللاقطة في طهران

خامنئي حذر المعارضة من مواجهة قاسية وقال إن التنازل عن الحق النووي يهدد بانهيار النظام (إ.ب.أ)
TT

وسط ضغوط متزايدة على الإصلاحيين في إيران واعتقالات جديدة، حذر المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، المعارضة الإصلاحية من أنها ستواجه ردا قاسيا إذا ما أشهرت «سيوفها» في وجه النظام الحاكم، وذلك بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات المتنازع عليها، التي ما زالت تثير حالة من الانقسام والأزمة المكتومة أحيانا، والعلنية أحيانا أخرى، بين أقطاب النظام الحاكم. وجاءت كلمة خامنئي في صلاة الجمعة، فيما تحاول السلطات الإيرانية باستماتة إسكات أصوات المعارضين وإظهار أن الأوضاع في إيران عادت إلى طبيعتها، قبل أن تبدأ مرحلة يتوقع أن تكون صعبة من المفاوضات الإيرانية ـ الغربية حول الملف النووي، وهو الملف الذي استخدمه خامنئي، أمس، داخليا قائلا إن التخلي عن الحقوق النووية الإيرانية يهدد بـ«انهيار النظام»، كما كان لافتا أن خامنئي لجأ إلى قائد الثورة الإيرانية، آية الله الخميني، في تبرير مسبق على ما يبدو لتصعيد الحملة ضد قادة الإصلاحيين قبل «يوم القدس» المقرر يوم 17 سبتمبر (أيلول) الحالي، الذي تسعى المعارضة الإصلاحية في إيران إلى استغلاله للخروج في مظاهرات كبيرة احتجاجا على نتائج الانتخابات، ومعاملة المتظاهرين والمعتقلين في السجون الإيرانية خلال الأزمة، إذ قال خامنئي في تحذير ضمني إلى هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الخبراء، ومحمد خاتمي، الرئيس الإيراني السابق، أن آية الله الخميني «في السنوات الأولى بعد الثورة استبعد مسؤولين كبارا في الجمهورية الإسلامية لأنهم شككوا في المبادئ الثورية». وتنادي أصوات من المعسكر المحافظ في إيران منذ فترة باعتقال خاتمي وزعيمي المعارضة، مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، كما تنادي بعض الأصوات المتشددة باعتقال علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي علمت «الشرق الأوسط» أن بعض أفراد أسرته في لندن حاليا، في إطار الضغوط الشديدة عليهم، خاصة فائزة رفسنجاني، ومهدي رفسنجاني، اللذين يتهمهما المحافظون بدعم المظاهرات ومواصلة الحركة الإصلاحية، لرفضهما نتائج الانتخابات.

وقال خامنئي في خطبة الجمعة، أمس، التي ألقاها في جامعة طهران، وكان من بين الحضور الرئيس محمود أحمدي نجاد، ومسؤولون آخرون، فيما غاب عنها قادة الحركة الإصلاحية: «مقاومة النظام ومحاربته سيعقبها رد فعل قاس.. إذا وقف شخص ما ضد ركائز النظام الإسلامي، وانتهاك أمن الشعب سيضطر النظام إلى التصدي لهذا»، إلا أن خامنئي أضاف أن الانتقادات والاختلافات بين المسؤولين بـ«طرق سلمية أمر مقبول»، موضحا أن «السلطة تتساهل» مع المعارضين، لكن ليس مع الذين يحاربونها ويشككون في «مبادئها» و«أمنها»، مشددا على أن «النظام الإسلامي سيتعامل بحزم مع الذين استلوا سيوفهم لمحاربته.. لكن النظام لا يتحرك ضد الذين لديهم وجهات نظر معارضة. نريد أن نوحد أكبر عدد من الناس وإبعاد الحد الأدنى الممكن، وأن الذين لديهم مواقف معارضة يمكنهم القيام بأنشطة في هذا الإطار، لكن الذين يتحركون ضد المبادئ والأمن، سيتحرك النظام ضدهم». وأضاف أن «البعض ممن يكررون، من دون توقف، أن الشعب فقد الثقة في النظام، أجيبهم بأنه عندما يشارك أربعون مليون شخص في الانتخابات هذا يعني أنهم يثقون، والشعب أيضا، في النظام والعكس بالعكس».

وكان لافتا أن خامنئي قال في خطبته إن قائد الثورة الإيرانية، آية الله روح الله الخميني، تصدى لأشخاص «لهم خلفية ثورية ودينية»، وشغلوا أيضا «مناصب عليا»، مشيرا إلى أنه ليس هناك شخص فوق القانون»، محذرا من أي محاولات «لتحويل إيران إلى جمهورية إسلامية زائفة لها طبيعة علمانية، لكن بمظهر إسلامي»، كما أراد البعض في السنوات العشر الماضية، في إشارة، في ما يبدو، إلى رئاسة خاتمي التي استمرت بين عامي 1997 و2005.

كما أعلن خامنئي أن إيران ستبقى حازمة في الدفاع عن حقوقها النووية، موضحا أنه «ينبغي أن نبقي على الحزم للدفاع عن حقوقنا في المجال النووي. والتخلي عن الحقوق، سواء في المجال النووي أو غيره، يعني انهيار النظام». وتابع: «سنسلك طريق الانهيار إذا.. أظهرنا ضعفنا أمام المستكبرين وتراجعنا بدلا من مقاومتهم.. والتنازل عن الحقوق هو خروج عن المسار، سواء كانت حقوقا نووية أو غير نووية، بدلا من التمسك بها».

وهذه هي المرة الأولى التي يؤم فيها خامنئي صلاة الجمعة في طهران منذ تلك التي أمها بعد أسبوع من الانتخابات المتنازع عليها، عندما بارك إعادة انتخاب أحمدي نجاد، وألقى باللوم على المعارضة في إراقة الدماء، واتهم قوى غربية بالتدخل في شؤون إيران الداخلية.

وفيما لا يعد غريبا أن يؤم المرشد الأعلى صلاة الجمعة في الأيام الأخيرة من رمضان، فإنه كان لافتا أن خامنئي أعطى خطبة سياسية بالكامل. وعلمت «الشرق الأوسط» أن المرشد الأعلى لإيران أرسل مستشاره الخاص، محمد قلبيقاني، إلى حوزة قم العلمية في محاولة لإقناع مراجع التقليد وآيات الله بإعلان دعمهم لحكومة أحمدي نجاد. وقال مصدر إيراني عليم إن قلبيقاني زار مرجع التقليد المعتدل القريب من الإصلاحيين، آية الله جواد أمولي، وطلب منه دعم الحكومة والرئيس الإيراني، إلا أن جواد أمولي رفض الطلب.

وتسببت الانتخابات وما أعقبها من احتجاجات ضخمة نظمتها المعارضة في أسوأ أزمة داخلية في إيران منذ الثورة الإيرانية عام 1979، وكشفت عن انقسامات عميقة بين النخبة الحاكمة، وزادت التوترات مع الغرب، وسط شكوك في أن الأزمة الداخلية حول الانتخابات ستؤثر على طريقة معالجة المسؤولين في إيران للملف النووي.

واستمرت، أمس، حملة الاعتقالات وسط القادة الإصلاحيين، إذ قال موقع إصلاحي على الإنترنت إن حليفا لزعيم المعارضة، مير حسين موسوي، اعتقل ليكون ثالث معارض إصلاحي يحتجز هذا الأسبوع. وقال موقع «اعتماد ملي» إن محمد عزلتي ـ مقدم، أحد أفراد الفريق العامل في مقر حملة موسوي قبل الانتخابات الرئاسية اعتقل في منزله هذا الأسبوع بعد تفتيش المنزل، ولم ينسب الموقع التقرير إلى مصدر، ولم يرد تعقيب فوري من المسؤولين. ونشرت المواقع الإصلاحية تقارير احتجاز الإصلاحيين البارزين، علي رضا حسيني بهشتي، ساعد موسوي الأيمن، ومرتضى الويري، مساعد مهدي كروبي.

وداهمت السلطات مكتب بهشتي الذي كان يتابع وضع المحتجزين وأعداد القتلى في احتجاجات الشوارع التي وقعت بعد الانتخابات. كان بهشتي، وهو مقرب أيضا من رفسنجاني، صوتا بارزا وسط الإصلاحيين، إذ تحدث كثيرا عن الانتهاكات ضد المعتقلين منذ نشوب الأزمة، كما تحدث عن المخالفات الانتخابية. وحث موسوي، بعد اعتقال بهشتي، مؤيديه على ألا تستفزهم الاعتقالات وقال إنها «مؤشر على أحداث جلل قادمة».

إلى ذلك انتقد مهدي كروبي «الإرادة السيئة» للسلطات الإيرانية معتبرا أنها لا تريد الحصول على أدلة لسوء المعاملة التي تعرض لها أشخاص احتجوا على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد. وقال كروبي، أمس، إن قائدا عسكريا أصدر أوامر لوزارة الصحة بعدم إعطاء شهادة طبية لأشخاص تلقوا علاجا إثر إصابتهم في الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات. وأوضح كروبي في رسالة مفتوحة إلى رئيس السلطة القضائية، صادق لاريجاني، نشرت على موقعه: «أريد أن أعرف أكثر من أي وقت مضى سبب تزايد الترهيب عندما أرى قائد مؤسسة عسكرية يصدر في بريد إلكتروني أوامر لوزارة الصحة بعدم إعطاء شهادات طبية للمتظاهرين المصابين»، ولم يكشف كروبي اسم القائد العسكري أو الهيئة العسكرية التي أصدرت هذه الأوامر. لكن موقعي «نوروز نيوز»، و«موجكامب»، نشرا الرسالة، وأكدا أن كروبي يتحدث عن قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري.

وقال كروبي: «كنا نتساءل في الماضي لماذا يتدخل الجيش في الشؤون السياسية والاقتصادية.. واليوم بات يتدخل في الشؤون الطبية»، وأثار كروبي غضب المحافظين بتأكيده أن متظاهرين، أوقفوا بعد الانتخابات، تعرضوا للتعذيب والاغتصاب في السجون. وأغلق مكتب كروبي الواقع في شمال طهران بناء على أوامر مدعي عام العاصمة، حسب ما قال المتحدث باسمه، منتصف الأسبوع الماضي.

وهناك مخاوف متزايدة من اعتقال السلطات لكروبي نفسه، الذي كرر مسؤولون في المعسكر المحافظ الدعوات لاعتقاله بسبب مواصلته الجرئية لتحدي السلطات في إيران وكشفه عن التعدي على المعتقلين في السجون، ثم اتهامه أمس لرئيس الحرس الثوري. ويأتي ذلك فيما نقل راديو «أوروبا الحرة» عن محمد طاهري، ابن أخ خامنئي، قوله إن الحرس الثوري الإيراني والرئيس محمود أحمدي نجاد هم من يديرون الحكم في إيران، وليس المرشد الأعلى. وقال طاهري، الذي يعيش في فرنسا، في مقابلة مع راديو «أوروبا الحرة»: «أعتقد أن خامنئي، وهو عمي، إما أنه لعبة في يد أحمدي نجاد، ومعلمه، آية الله مصباح يزدي، والحرس الثوري، أو أنه مشارك في الجرائم التي تحدث». وتابع: «ليس هناك شيء يستطيع فعله، إذا تراجع عن مواقفه ولو خطوة واحدة، فإنه سوف يخسر زعامته، والمعسكر المحافظ كله سوف ينهار.. لا أعتقد أن خامنئي يتمتع بسلطات كبيرة. من المرجح أن كل هذا يتم بإدارة الحرس الثوري، وخامنئي مضطر للتعامل مع الحرس الثوري لكي لا يخسر موقعه كمرشد أعلى لإيران، لم يقل أو يفعل الكثير منذ الانتخابات، ولم نسمع من خامنئي تكرار ما يقوله أحمدي نجاد».

وفيما يبحث قادة المعارضة الطرق التي يواصلون بها تحدي نتائج الانتخابات، ويسعون لإخراج مظاهرات كبيرة يوم 17 سبتمبر الحالي، قالت مصادر من داخل إيران لـ«الشرق الأوسط» إن قوات الباسيج تشن حملة ضد الأطباق اللاقطة في طهران لمنع الإيرانيين من متابعة الأخبار من خلال قنوات الأخبار الأجنبية. ولدى ما يقرب من 90% من الإيرانيين أطباق لاقطة، وعلى الرغم من أنها ممنوعة بحكم القانون، فإن السلطات الإيرانية نادرا ما كانت تعمل على جمع تلك الأطباق بشكل جماعي.