الحريري لم يقرر بعد تولي رئاسة الحكومة المقبلة.. وسجال حول شكلها

جنبلاط لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن حكومة الوحدة الوطنية * بري مصر على إعادة ترشيحه.. وأعاد التواصل مع عون لإنجاح مهمته

TT

لا يزال رئيس الحكومة «المعتزل» سعد الحريري في موقع «التفكير المعمق» من احتمال عودته إلى رئاسة الحكومة اللبنانية بعد الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان مطلع الأسبوع المقبل. ورغم أن الكثير من حلفاء الرئيس الحريري، بالإضافة إلى بعض من هم خارج دائرة تحالف الأكثرية كرئيس مجلس النواب، سارعوا إلى إبداء رغبتهم في إعادة تسميته لتأليف الحكومة مجددا رغم اعتذاره عن ذلك أول من أمس، إلا أن القرار الأخير هو للحريري، خصوصا أنه يرأس أكبر تكتل نيابي في البرلمان الجديد الذي لا يزال عاجزا عن التشريع بسبب الأزمة الحكومية.

وإذ تؤكد مصادر قريبة من الحريري لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يزال في طور التفكير، على أن ينتقل بعد ذلك إلى طور التشاور مع حلفائه من أجل تحديد المصلحة الوطنية، فإن الرئيس بري لا يزال على صمته وعمله في آن. وتقول مصادر قريبة من بري لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يزال عند موقفه من قضية إعادة ترشيح الحريري، مشيرة إلى أنه قام بكل ما في وسعه من أجل تسهيل قيام الحكومة، حتى إنه عاود الاتصال المقطوع مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون منذ الانتخابات النيابية سعيا إلى تقريب وجهات النظر، فيما كان لافتا كلام لعضو كتلته النائب ميشال موسى، موضحا أن «صيام الرئيس بري للقول إن هناك أخطاء متبادلة».

ورأى موسى أنه «لا بد أن تنطلق الأمور من مبدأ هل هناك رغبة للرئيس الحريري في إعادة تكليفه أم لا؟»، متسائلا «هل ما زال جميع الأطراف يصرون على حكومة وحدة وطنية؟». وأشار موسى إلى أن «حكومة التكنوقراط طرحت سابقًا ولم يكن هناك إجماع حولها، والأمور ستترك للتشاور»، مضيفا «لا أعتقد أن الأمور ستبدأ من حيث بدأت».

وعاود النائب وليد جنبلاط أمس التأكيد على ضرورة قيام حكومة شراكة وطنية، في رفض واضح لمبدأ قيام حكومة أكثرية، كما نادى بعض قيادات «14 آذار». وقال جنبلاط لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا بديل عن قيام حكومة شراكة وطنية في المرحلة المقبلة»، مشددا على ضرورة فتح حوار عربي مع إيران حول القضايا الخلافية.

لكن عضو كتلة «المستقبل» النيابية التي يرأسها الحريري، النائب أحمد فتفت، رأى أن «التكليف الأول انطلق من سياسة اليد الممدودة، أما اليوم فسيكون هناك منطلق سياسي جديد، وهذا يستوجب انتظار مشاورة الأفرقاء. وقال فتفت لـ«الشرق الأوسط» إنه إذا ما استمر البلد على حاله، فالبلد يتطلب حكومة تتضمن أكثرية نيابية، لتواجه التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنفجر».

وقال فتفت إن «سقوط الحريري هو سقوط لحكومة الوحدة الوطنية، وإن الحريري اليوم أقوى من الأمس من الناحية السياسية، والناس ترى أنه راعي مصلحة البلد»، متهما المعارضة بأنها «أسقطت صيغة تقاسم الحكومة التي تم التوافق عليها سابقا (15 ـ 10 ـ 5) وعلينا الآن الانطلاق من الصفر».

ولم يثن اعتذار الحريري عن عدم تشكيل الحكومة العتيدة فريقي الأكثرية والمعارضة عن تقاذف كرة المسؤولية في التعطيل، في وقت رفع فيه الفريقان سقف شروطهما أكثر من الواقع المقبول سياسيا، وبما يخرج عن التوازن الذي أرسته الصيغة المتفق عليها سابقا وهي (15 ـ 10 ـ 5)، الأمر الذي أعاد الأزمة إلى نقطة الصفر. ورأى رئيس الحكومة السابق النائب نجيب ميقاتي أن «استمرار تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، بمواقف متصلبة وعناد غير مبرر، والذي أدى إلى اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري، بات يتجاوز استهداف شخص الرئيس المكلف، إلى استهداف مؤسسة مجلس الوزراء، دورا وصلاحيات، ومن خلالها سائر المؤسسات الدستورية، التي حدد الدستور مهامها، وجعلها من أسس قيام النظام المرتكز على التوازن والتعاون في ما بينها». وأمل أن «يؤدي قرار الرئيس المكلف إلى صحوة ضمير تدفع جميع القيادات السياسية إلى التعاطي مع مسألة تشكيل الحكومة من منظار وطني يغلب المصلحة العامة على المصالح الذاتية». وكان ميقاتي أجرى بعد ظهر أمس اتصالا بالنائب سعد الحريري معلنا تضامنه معه.

وتوجه رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص، في تصريح أدلى به، إلى «الذين يغبطون رئيس الوزراء على صلاحياته ويصورون خطأ أنها مفرطة»، بالقول: «لقد جاءت التطورات الأخيرة والتي أودت بالشيخ سعد الحريري مرشحا للرئاسة. إن منصب رئاسة الوزراء ركيك، فعند أول أزمة يدفع رئيس الوزراء الثمن، ولو أنه يتربع على رئاسة أكبر تكتل في مجلس النواب». ورأى أن «إعادة تكليفه قد تكون أبسط أشكال المعالجة للأزمة الناشبة، على أمل أن يكون الشيخ سعد قد تعلم درسا من التجربة الأولى فبات يدرك كيف يجب أن تؤلف حكومة الوحدة الوطنية من غير المجازفة بتفجير أزمة جديدة».

واعتبر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني أن اعتذار الحريري «جدد بإصرار الثقة الشعبية والوطنية في الرئيس المكلف، لأنه لا يمكن للرأي العام أن يرضى بأن يصبح فخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس المكلف ساحة للإملاءات أو فرض الشروط. من جهته أسف نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان لاعتذار الرئيس المكلف، وطالبه من جديد بأن «يعود إلى ساحة جهاده، ويصبر، ويكظم الغيظ، ويتعاطى مع الناس بمودة ورفق، وعلينا أن نعمل جميعا لإصلاح ذات البين والابتعاد عن الأحقاد».

واعتبر النائب عماد الحوت (الجماعة الإسلامية) أن الرئيس سعد الحريري إذا ما أعيد تكليفه بتشكل الحكومة «لا يمكن أن يتراجع عن ثوابته». وقال: «لقد أعطيت الفرصة للمعارضة أن تتجاوب مع هذه التنازلات ولم يحصل، لذلك إذا كلف من جديد أعتقد أن المفاوضات سوف تبدأ من نقطة الصفر، وأن كل الاتفاق السابق سيعاد النظر فيه حتى صيغة الـ(15 ـ 10 ـ 5) وهذا يعطي فرصة أكبر للرئيس المكلف للوصول إلى تسمية تجعله يحافظ على ثوابته وفي الوقت نفسه يشكل الحكومة ليكون قادرا على مواجهة التحديات».

وأعلن عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري أن «موضوع ترشيح النائب سعد الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة هو الآن في دائرة الدراسة الدقيقة، بداية من الرئيس الحريري نفسه، ومن ثم من كتلة المستقبل، ومن قوى الأغلبية»، مرجحا أن «يتم هذا الأمر في فترة قصيرة، وقصيرة جدا». وقال: «لا بد من إعادة النظر في المرحلة الجديدة، وبغض النظر عن اسم الرئيس المكلف العتيد، وفي الكثير من الأمور».

أما في جبهة المعارضة، فقد أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم «الحرص على تشكيل حكومة وحدة وطنية التزاما بالصيغة التي اتفقنا عليها، وترجمة الاتفاق بالتوافق في كامل مراحل تحديد الحقائب والأسماء وأخذ الثقة والبيان الوزاري»، مشددا على أن «المعارضة متضامنة مع بعضها، تدخل إلى الحكومة مجتمعة وترفض المشاركة غير المتوازنة مجتمعة»، معتبرا أن «الحوار هو الطريق إلى الحل، والحوار المشفوع بالمرونة وتقديم التنازلات، وعدم رفع الأسقف، وهذا يتطلب جهدا مشتركا»، ورأى أن «الحكومة اللبنانية ليست لإعطاء جوائز لأحد، فهي ليست جائزة لنتيجة الانتخابات، ولا جائزة لفريق دون آخر، الجائزة يأخذ أي فريق منا وأي طرف منا عندما ينجح في إدارة البلاد من خلال حكومة الوحدة الوطنية».

وتمنى وزير الشؤون الاجتماعية ماريو عون «أن يكون في الأيام المقبلة رئيس مكلف جديد، وأن تكون الذهنية منفتحة كذهنية التيار الوطني الحر لنتخطى الصعاب كافة، ونصل إلى تأليف حكومة تكون حكومة الأمل والنهوض بلبنان». ودعا عضو كتلة «التحرير والتنمية» (التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري) النائب عبد المجيد صالح إلى «الحفاظ على الخطاب السياسي الهادئ الذي يساعد على تخطي الصعاب التي يشهدها البلد». وقال: «لقد اصطدمت الحكومة التي كانت مرتقبة بمجموعة من العراقيل والشروط العملية والدولية، مما أطال ولادتها ولو قيصريا»، مشيرا إلى أن «لبنان لا يقوم إلا على الشراكة والتوافق والتعاون».