العامل الإقليمي أقوى المؤثرات في الأزمة الحكومية اللبنانية

فريق الأكثرية يتهم حزب الله بالعرقلة لمصلحة إيران وتكتل عون يتهم إسرائيل وأميركا

TT

بعد ساعات من إعلانه الاعتذار عن تشكيل الحكومة، وخلال إفطار في دارته، قال رئيس الأكثرية النيابية في لبنان سعد الحريري: «نشعر إزاء التعقيدات التي رافقت هذه المرحلة، كأننا عشنا هذه الأجواء من قبل»، وأضاف: «قدمنا تنازلا تلو الآخر، لكنهم لا يريدون تشكيل حكومة. وقد اعتذرت لأن التنازل لم ينفع». ومن ثم حذر من «العبث بالأمن على خلفية الأزمة الحكومية لأن أعداء لبنان كثيرون. هناك العدو الصديق والعدو العدو». لم يحدد الحريري «الأعداء ـ الأصدقاء» لكن إشارته كانت واضحة إلى حجم التدخل الخارجي في دفع فريق الأقلية إلى التشبث بمواقفه للحيلولة دون تشكيل الحكومة، وذلك بعزل «المفهوم الحقيقي للديمقراطية ونتائج الانتخابات النيابية والتضحيات التي قدمها فريق الأكثرية». لذا وعد بأن «يضع النقاط على الحروف» ليعلم الرأي العام بما يجري. النائب في كتلة المستقبل نبيل دو فريج، وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أشار إلى بعض هذه النقاط. واعتبر أن «الأزمة هي بصفة خاصة، خارجية. والحريري كان يعرف ذلك لذا أطلق شعار «لبنان أولا». وهذا الشعار لم يكن غير مدروس. وهو موجه إلى الشعب اللبناني عموما وجمهور «8 آذار»، تحديدا، ليؤكد أن لا مشكلة لدى لبنان مع الخارج، لكن مصلحة لبنان أولا هي الأهم لا سيما في مواجهة الاستحقاقات التي تنتظرها المنطقة. ففي العشرين من الشهر الحالي هناك بحث في فرض عقوبات على إيران بسبب الملف النووي. كذلك هناك إصدار القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، بالإضافة إلى السعي لعودة المفاوضات بين سورية وإسرائيل عبر تركيا وأيضا العلاقات العراقية ـ السورية. كل هذه الأمور بدأت تتمظهر مع القمة السورية ـ الإيرانية، التي اختتمت ببيان تصعيدي، لتبدأ بعد ذلك الهجمة على الحريري وجهوده لتشكيل الحكومة، وبات واضحا هدف التعطيل من تعامل فريق الأقلية معه». ويشير دو فريج، إلى «أن العلاقات كانت قبل القمة السورية ـ الإيرانية لينة وقابلة للحل. لكن بعد ذلك تغير الأمر، وتبين بما لا يقبل الجدل أن فريق الأقلية مجتمعا لا يريد حكومة. ما يعني أن العقدة ليست عند عون ورغبته في توزير صهره. هذه الحجة ليست أكثر من واجهة لخطة متكاملة صادرة عن الأقلية المتضامنة. وعون ليس أكثر من أداة في يد من ينفذ الأجندة الخارجية».

وأشار دو فريج، إلى أن «فريق الأكثرية وعلى رأسه الحريري لا يتكل على الخارج. وإذا صدقت التسريبات المتعلقة بتمنيات السعودية عليه بالتريث في تقديم اعتذاره، لوضح أنه يأخذ نصائح من حلفاء لبنان والغيارى على مصلحته، ولا يتلقى الأوامر والتعليمات، في حين أن الفريق الآخر يتلقى تعليمات من جهات تقرر عنه، كنا نتمنى لو أنه لا ينساق إليها مع أنها تموله».

وتوقع دو فريج، أن «يشن فريق الأقلية حملة شرسة على الحريري ويتهمه بأنه عميل أميركي ويحمله مسؤولية الأزمة الوزارية. فهذا الفريق لا يزال متمرسا خلف التعليمات التي يتلقاها في انتظار حدث إقليمي يغير المعادلات لصالحه». عضو فريق العمل الرئاسي الخاص بالحوار الوطني اللبناني والمرشح للمشاركة في الحكومة العتيدة من حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الدكتور عدنان السيد حسين، يعتبر أن لبنان محكوم بالتأثيرات الخارجية. ويقول: «التأثيرات الخارجية لقوى إقليمية لا يستهان بدورها منذ زمن بعيد، بدءا بسورية، الجار الأقرب، وعلاقاتها المميزة مع لبنان بموجب اتفاق الطائف، مرورا بالمملكة العربية السعودية ومصر، ووصولا إلى إيران، من دون ننسى الدور القطري الذي برز في مؤتمر الدوحة». ويضيف: «كذلك لا ننسى دور إسرائيل وتجاوزاتها اليومية وخروقها المتكررة للقرار 1701». ويشير إلى أنه «لا يمكن تجاهل مدى تأثر لبنان بالعلاقات المضطربة بين السنة والشيعة في كل المنطقة. هذه التأثيرات الخارجية تترك تداعياتها على الداخل اللبناني عند كل استحقاق. كذلك يرتبط الوضع اللبناني بالتدخلات الأميركية والأوروبية المنطلقة من مصالح لا تقتصر على لبنان، إنما تشمل الشرق الأوسط. وحيال ضعف اللبنانيين وارتهان عدد كبير منهم للخارج نتيجة الاصطفاف الطائفي، وأمام كل منعطف خطير يتجه المسؤولون في لبنان إلى الخارج طلبا للمساعدة في حل الأزمات المتفاقمة. وبالتالي يصعب تصور استقرار لبنان مع غياب النظام العربي الإقليمي الذي يحمي الأمن العربي على مستوى كل دولة وعلى مستوى المنطقة ككل».

ويوضح السيد حسين، أن «الأزمة الحالية لتشكيل الحكومة باتت معقدة بسبب العلاقات الوثيقة بين أطرافها اللبنانيين والقوى الإقليمية والدولية. ولم تعد اللعبة السياسية محصورة في التجاذب الداخلي. ولا حل من دون عوامل خارجية مساعدة، مع الإشارة إلى أن الاتصالات اللبنانية مع الخارج لم تنقطع». ويقول: «التفاهم السعودي ـ السوري مهم لكنه لم يستكمل شوطه. ويمكن للدولتين إذا صممتا أن تباشرا العمل لحل الأزمة الراهنة». ثم يضيف: «تبقى الأهمية القصوى للحوار الوطني الذي كان قائما ويجب أن يتابع. فالخارج مل من قضيتنا ويجب أن نواجه قضايانا في الداخل وليس بالاتكال على الخارج». وكان النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» نبيل نقولا قد صرح أن «الإسرائيليين والأميركيين يتدخلون في الداخل اللبناني، ولا أعرف لماذا المسموح لهم ممنوع على غيرهم؟ فما دخل أميركا وفرنسا والسعودية في الوضع اللبناني؟» ليضيف: «لغاية اليوم لم أر أي تدخل إيراني في موضوع الحكومة».

إلا أن وزير الثقافة تمام سلام قال، إن «المرحلة المقبلة من التكليف ومن ثم التأليف، تتطلب مزيدا من الوضوح والشفافية في التعاطي من قبل كل الفرقاء السياسيين وليس الاختباء وراء بعض العراقيل والصغائر التي تحكمت بالمرحلة السابقة». وأضاف: «لا يمكن تجاهل التأثيرات الخارجية، خصوصا على فريق المعرقلين في ضوء ما اطلعنا عليه بالأمس من موقف إيراني يتحدث عن حزمة من المقترحات تتطرق إلى قضايا تتجاوز الملف النووي إلى الأزمات في العراق وأفغانستان ولبنان والأراضي الفلسطينية». وسأل: «هل يعني ذلك أن وضع لبنان في إطار المفاوضات الدولية والإقليمية من جانب طرف إقليمي، وهو إيران وحلفائها، يخضع إلى مساومات ومفاوضات قد تأخذ وقتا طويلا، وبالتالي سيمضي حلفاء هذا الطرف الإقليمي في لبنان بالتسويف والعرقلة إلى ما شاء الله خدمة للملف الإيراني المثقل والمترابط بالصراع مع الغرب؟»