شارع معاوية الصغير في دمشق القديمة.. مقصد أصحاب المناسبات السعيدة

صنعت شهرته ورش تحضير الحلويات والسكاكر منذ أكثر من قرن

شارع معاوية الصغير.. مركز تجمع معامل «راحة الحلقوم» والشوكولاته («الشرق الأوسط»)
TT

في نهاية سوق مدحت باشا القديم، بالعاصمة السورية دمشق، وحيث يستمر الشارع في تمدده بشكل مستقيم ليصل حتى باب شرقي، يتفرع شارع تاريخي يوازي سوق البزورية القديم.

هذا الشارع يحمل اسم «شارع معاوية الصغير»، حيث يوجد قبر الخليفة معاوية بن يزيد حفيد الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان (أي معاوية الكبير). تشير المصادر التاريخية إلى أن معاوية (الصغير) بن يزيد لم يحكم أكثر من 40 يوما فقط. أما شارعه الدمشقي فاشتهر منذ أكثر من 100 سنة بأنه مكان تجمّع معامل «الراحة» (راحة الحلقوم) والشوكولاته والبسكويت الدمشقي، إذ انتشرت في جنباته عشرات الورش اليدوية التي تصنع السكاكر ولا سيما الشوكولاته بأنواعها المتعددة، وكذلك «الراحة» و«الملبّس» و«اللوزينا» (اللوزينج). كذلك طارت في هذا الشارع شهرة عدد من الأسر الدمشقية التي تخصصت في صنع السكاكر والحلويات، يدويا، ثم اليوم باعتماد التقانة الحديثة. ومن أبرز هذه العائلات عائلة غراوي، التي توارثت المهنة أبا عن جد، ولا يزال كثيرون من أبنائها يعملون فيها. أما أقدمهم في هذه المهنة فهو «أبو زاهر» زهير جميل غراوي (75 سنة)، والذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» عن صناعة السكاكر الدمشقية والمراحل التي مرّت بها وتفنن الدمشقيين في تحضير أنواع مميزة منها تتناسب مع الأعياد والأحداث السعيدة كحفلات الزفاف والولادة وغيرها. بدأ «أبو زاهر» كلامه بالقول: «نحضر المربيّات والشوكولاته و«الراحة بالفستق» منذ أكثر من مائة سنة. وأنا تعلمت المهنة من والدي قبل ستين سنة، حين كنت طفلا وآتي مع والدي إلى الورشة في شارع معاوية الصغير. كان العمل في ذلك الوقت يدويا بكل مراحله على الشمعة والفحم الحجري. وكان أبي والعمال يحركون حلّة «الراحة» بقطعة خشبية وباليد، وكانوا يضعون الحلة على النار وفيها ماء مع السكر بمقادير متناسبة، وبعدها يضاف النشا ويصار إلى تحريكه بشكل سريع ومتواصل حتى يأخذ المزيج وضعه النهائي، فتضاف مسكة ناعمة تعطي «الراحة السادة» نكهة لذيذة، ومن ثم تصّب في صواني خاصة وعلى رخامات وتترك لليوم التالي، حين يتحول وجهها إلى ملمس خشن تدعى باللهجة الشامية «راحة مقشمشة»، وتقطع بعد ذلك وتوضع في علب خاصة فيها وتباع. وبعد ذلك تطوّر أسلوب العمل وأصبح العاملون يضعون على وجهها أو في داخلها الفستق الحلبي واللوز وغيرهما». وأضاف «الشوكولاته أيضا كانت تحضّر يدويا، وأنا عملت بها مع والدي قبل أن نتحول لتحضيرها آليا. حيث كنا نأتي بالشوكولاته من الخارج فتُحلّى وتقطّع.. وكانت طريقة التحضير صعبة نوعا ما، وكنا نستخدم كيس نايلون مع الثلج لتبريد الشوكولاته، ومن خلال فوهة الكيس نصبّ الشوكولاته السائلة على صينية نقطة نقطة، وقبل أن تجمد نضع في قلبها حبة لوز أو بندق. أما اليوم فلدينا الآلة التي تحضر الشوكولاته بعد تحضير الخلطة من الكاكاو والحليب والزبدة، وتتحوّل إلى شكل العجينة وتوضع في الآلة حيث تفرم وتنعم. ومع تطور أساليب التحضير زاد الإنتاج اليومي عشر مرات تقريبا، ولا سيما مع وجود القوالب الحديثة التي تعطي الشوكولاته أشكالا مختلفة».

ويواصل «أبو زاهر» حديثه قائلا «ومن الأشياء التي نحضّرها أيضا «النوغا» البيضاء اللون، وهي عبارة عن سكر وقَطر مع بياض البيض، ولها طريقة خاصة وشكل مزيج خاص يقدره الحرفي المتخصص بهذا النوع من الحلوى. ويتطلب العمل خفق المزيج بشكل مستمر وسريع مع وضع بياض البيض، الذي يخفق مع المزيج ليعطي اللون الأبيض، ومن ثم يرش المزيج بماء قليل ويُحشى بالفستق ويُمد بالصاج، وفي اليوم التالي يقطع بسكين خاص وبمقاسات محددة، وتلف عندها «النوغا» بالنايلون، وهذه الخطوة تجري اليوم بواسطة الآلات وهذا أفضل صحيا وبيئيا».

وحول أنواع الشوكولاته و«النوغا» التي يحضرها «أبو زاهر» للأعياد والمناسبات الاجتماعية قال: «هناك تواصٍ خاصة بالأعياد، وهذه تكون فاخرة ومرتفعة الثمن. وفي الأعراس درجت العادة أن يطلب أهل العريس تحضير علب خاصة توزّع على المدعوين ويطلبون معها أن توضع فيها قطعة شوكولاته كبيرة و«راحة» و«نوغا» مع «الملبّس»، ويحدّدون الحشوات المطلوبة من لوز وبندق وزبدة وغير ذلك، كما يحدّدون لون الورق المغلفة به، وهناك تصاميم خاصة لأغطية العلب عليها مثلا رسوم زاهية الألوان تتناسب وطبيعة المناسبة إن كان حفل زفاف أو بمناسبة ولادة طفل أو عيد ميلاد».

ولشهرة العائلة بالمهنة ومردودها الجيد فإن أبناء «أبو زاهر» وأولاد أعمامه يعملون في تحضير الشوكولاته و«النوغا» وغيرها من السكاكر. ويتذكر «أبو زاهر» أن ابن عمه صادق غراوي أنشأ أول مصنع للبسكويت في سورية، حيث أنجز البناء في منطقة قرب دمشق واستورد الآلات المطلوبة التي وصلت إلى مرفأ اللاذقية. ثم يقول «كان ذلك قبل نصف قرن تقريبا.. أي أيام الوحدة السورية المصرية، ولكن لسوء حظه صدر قرار تأميم كل المنشآت الخاصة، في ذلك الوقت، بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر، وكان منها معمل ابن عمي قبل أن تركّب الآلات فيه، إذ كانت لا تزال في البحر عند إعلان التأميم.. لكن اسم المصنع ظل «مصنع بسكويت غراوي».