نجاد: مستعدون لشراء يورانيوم مخصب من أميركا.. وجلوس خبرائنا النوويين مع الآخرين

قال في مقابلة تنشرها «الشرق الأوسط» إن هناك رغبة في الولايات المتحدة نحو التغيير وطهران مستعدة للمساعدة

الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد خلال حديثه للصحافة على هامش اجتماعات الامم المتحدة في نيويورك (أ.ب)
TT

في مقابلة حصرية مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مع لالي واينماوث ومحرري «واشنطن بوست» تنشرها «الشرق الأوسط» تناول الرئيس الإيراني المحادثات المقبلة مع الولايات المتحدة ورأيه بشأن الرئيس أوباما، وإصراره على إنكار الهولوكوست إضافة للجهود الأميركية في أفغانستان التي يرى أنها محكوم عليها بالفشل. وخلال المقابلة التي اجريت في نيويورك عرض نجاد شراء اليورانيوم المخصب من الولايات المتحدة للأغراض العلاجية والذي يقول عنه الخبراء النوويون إنه غير صالح للاستخدام في الأغراض العسكرية.

* كما تعلم فإن إيران تحتجز مراسل «النيوزويك» مازيار باهاري منذ أكثر من ثلاثة أشهر. ولقد علمت مدى كرمك هذا الصباح عندما صرحت بأنك ستساعد في الإفراج عن الأميركيين الذين عبروا الحدود الإيرانية سيرا عن طريق الخطأ فهل تفكر في الإفراج عن مازيار على أسس إنسانية؟

ـ إنني أرغب في الإفراج عن جميع المسجونين لكنني لست القاضي. فالقاضي هو الوحيد القادر على القيام بذلك. ولو أنني كنت من تولى هذه القضية لكنت ضمنت لكم الإفراج عن جميع المسجونين.

* لكنك قلت إنك ستحاول الإفراج عن الأميركيين الذين دخلوا الحدود الإيرانية سيرا. فهل يمكن أن تحاول نفس الشيء مع مازيار؟

ـ إنني أود أن يتم الإفراج عن جميع المسجونين، دون استثناء، سواء أكانوا أميركيين أم غير أميركيين.

* متى ستحاول إيران إعادة بدء علاقاتها مع الغرب؟ ولماذا عاودت إنكار المحرقة اليهودية (الهولوكوست) في الوقت الذي يبدو فيه ذلك مستهجنا؟

ـ ألا تعتقد أن الهولوكوست قضية غاية في الأهمية؟

* نعم أعتقد أنها أكبر جريمة في القرن العشرين؟ ـ إذن فأنت تقر بأنها فقضية هامة. لذا هل تعتقد أن الهولوكوست لا تزال ترمي بظلالها على قضايا اليوم؟ هل تستطيع أن تفسر لي كيف تؤثر على قضايا اليوم؟

* الأمر لا يعني ما أعتقده بل المهم هو ما تعتقده أنت يا سيادة الرئيس.

ـ أنا أدرك ذلك، لكنني أرغب في أن نتبادل وجهات النظر حتى نحل تلك القضية.

* إن العالم يرغب في معرفة ما تعتقده أنت؟ ـ من هو العالم هنا؟

* تحاول إيران تحسين علاقاتها مع الغرب، كما أفهم ذلك ومن الواضح وقوع هولوكوست. لماذا تنفي وقوع المحرقة؟ هل تعتقد بضرورة عدم وجود دولة يهودية أو إسرائيل؟

ـ ما أقوله واضح جدا. إنها طريقة أكاديمية لدراسة قضية محورية ومبنية على أسس إنسانية. وما أود أن أقوله هنا هو أن الكثير من الأحداث وقعت في الماضي، وأن العديد من الجرائم تم ارتكابها في الحرب العالمية الثانية، فقد تم تعرض أكثر من 60 مليون شخص للقتل والتشريد. لذا فإن هناك العديد من الأسئلة المتعلقة بالحرب العالمية الثانية وأعتقد أننا لن نستطيع أن نجد الإجابة على هذه الأسئلة من خلال الدعاية التي يروج لها الإعلام. وفي النهاية فإن هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابات مقنعة. والسؤال الأول الذي أحاول فهمه والبحث عن إجابة له: ما هو السر وراء التأكيد على الهولوكوست دون سواها رغم الفظائع التي ارتكبت في الحر ب العالمية الثانية؟

* لنقل إن جرائم ستالين كانت مشابهة للهولوكوست؟ ـ السؤال الثاني: لماذا يركز السياسيون الغربيون على هذه القضية بصورة خاصة؟ والسؤال الثالث كيف ترتبط هذه القضية بالقضايا التي يواجهها العالم اليوم؟ وهل كان ذلك حدثا تاريخيا تم بمعزل دون تأثير على الأحداث الجارية؟ والسؤال التالي هو أن علينا أن نسأل أنفسنا أنه إذا كان ذلك الأمر قد وقع فعلا فأين جرت وقائعه؟ ومن الذين ارتكبوا تلك الجرائم؟ وما هو دور الشعب الفلسطيني في ذلك؟ وما هي الجرائم التي ارتكبوها ليستحقوا ما يعانونه نتيجة لذلك؟ ولماذا يجب أن يكون الفلسطينيون هم الضحايا؟ هل تدرك بأن أكثر من 5 ملايين فلسطيني أخرجوا من أراضيهم قسرا وأنهم لاجئون؟ وما هو الدور الذي لعبوه في المحرقة؟ ولماذا تستخدم المحرقة كذريعة لاحتلال أراضيهم؟ ولماذا يجب على الفلسطينيين أن يدفعوا أرواحهم ثمنا لذلك؟ وربما تعلم أيضا أن هناك حصارا مفروضا على أهالي غزة.

* وهم يقصفون الإسرائيليين بالصواريخ؟ ـ في نهاية اليوم يعود أهالي غزة إلى منازلهم وأراضيهم ليعيشوا بين أهليهم فمن المحتل هنا؟ القرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة أدانت أي النظم المحتلة؟ ومن هو الشخص ذو العقل السليم الذي يستطيع أن يقبل أن يتكرر احتلال أرضه في أوروبا في أي مكان في العالم؟ وإذا ما وقعت جريمة في أوروبا لماذا يجب على الفلسطينيين أن يدفعوا ثمنها؟ إن القضية غاية في الوضوح. وللأسف يرفض القادة الأوروبيون الإجابة على هذه الأسئلة والابتعاد عنها إلى مناطق أخرى. هناك 60 مليون شخص تعرضوا للقتل والتشريد (في الحرب العالمية الثانية) وهو بالفعل أمر يرثى له. ولا يهم ما عقيدتهم أو دينهم فهم بشر وأرواح يجب أن تحترم، ببساطة لأنهم بشر. وأود أن أؤكد أننا لم نكن موجودين قبل 60 عاما.

* سمعنا الكثير حول الانتخابات المتنازع عليها التي جرت في يونيو (حزيران)، وهناك الكثير من اللغط حول ما إذا كنت قد سرقت الانتخابات. فهل تخطط لمحاكمة موسوي؟ ولماذا تلاحق الصحافة اليمينية رفسنجاني؟

ـ يتمتع الأفراد في إيران بحرية انتهاج المسار السياسي الذي يرغبونه. ولقد جرت الانتخابات في إيران في إطار القانون وكانت انتخابات حرة. وفي كل انتخابات لا بد من وجود فائز واحد. وأتذكر أنني كنت في المرة الأولى أخوض الانتخابات ضد رفسنجاني وأن غالبية الأشخاص الذين يعارضون نتائج الانتخابات الآن هم من عارضوا نتائج انتخابات عام 2005. فمناصروه هم من أجروا الانتخابات. وفي النهاية أعتقد أن الأمر كله متعلق بالدعاية الإعلامية وأنا لا أعير مثل تلك الحملات اهتماما، وأنا لا أرغب في تقديم أحد إلى المحاكمة.

* هل سيقدم موسوي إلى المحاكمة؟

ـ هذا منوط بالهيئة القضائية. فالحكومة لا تملك من الأمر شيئا. وإذا ما حدثت أي تجاوزات فسوف تتعامل المحكمة مع ذلك. وإن لم تحدث فلن يحدث شيء.

* سيادة الرئيس يبدي الكثير من الأشخاص سواء في الولايات المتحدة أو في خارجها قلقا حيال الطريقة التي عومل بها المتظاهرون الذي خرجوا احتجاجا على نتائج الانتخابات الأخيرة. حيث يزعم أحد المرشحين الرئاسيين أن لديه أدلة على تعريض بعض المعتقلين للتعذيب والاغتصاب ويبدي الكثيرون قلقا من إمكانية تعرضهم للمحاكمة. فهل أنت مستعد لمناقشة قضايا حقوق الإنسان في اجتماع جنيف القادم؟

ـ هل تعلم عدد السجناء في الولايات المتحدة؟

* إن سؤالي عما إذا كنت مستعدا لمناقشة الموقف في إيران؟

ـ أنا أفهم سؤالك وأرغب في الإجابة عليه، لكن هل تعلم عدد المسجونين في الولايات المتحدة؟ وسأقدم لك الإجابة إذا تحليت بالصبر. أنت لا تتوقع مني أن أمنحك الإجابة التي تتوقعها على سؤالك. إن لديكم 3.6 مليون سجين في الولايات المتحدة. لماذا هم في سجونكم؟ بعضهم محكوم عليه بالإعدام بالكرسي الكهربائي، لماذا؟ ولماذا تحديدا؟ هناك قانون هنا يتعامل مع مثل هذه الأمور. فهل يمكننا القول إن هذا أمر سيئ؟ هل يمكننا التعامل بصورة دقيقة مع سبب وجود 3.6 مليون شخص في السجون الأميركية. إذا لم يكن أحد قد انتهك القانون إذن فلماذا انتهوا إلى السجن. إن قانون الإجراءات الجنائية في إيران قوي جدا، وبإمكان أي شخص مراجعة الأحكام قبل صدور الحكم النهائي. وهذا أمر فريد في حد ذاته لذا فعندما يمثل شخص أمام المحكمة فإن هناك خمس مراحل؛ أربعة منها تدخل في نطاق استئناف الأحكام. لذا فنظامنا القضائي يبذل كل جهد ممكن لضمان حقوق الأفراد قبل الحكم النهائي. لكن ذلك لا يعني أن ضابطا في مكان ما لا يمكن أن يخرق القانون، تماما كما تفعل الشرطة في نيويورك أو في أماكن أخرى في الولايات المتحدة ممن قد يلجأون إلى ضرب الأفراد. لكن أحدا لا يستطيع اتهام الولايات المتحدة بالإهمال نتيجة لذلك. إن القضاء الإيراني سيتعامل مع هذه القضايا. وأما بشأن القضايا التي سنناقشها في اجتماع جنيف فستتناول قضايا الأمن العالمي ونزع السلاح والمشكلات الاقتصادية والقضايا التي تواجه العلاقات الدولية. ونحن نرحب بطرح قضايا حقوق الإنسان ومن بينها قضايا السجناء المعتقلين في أماكن سرية في أوروبا على سبيل المثال وفي غوانتانامو والجرائم التي ارتكبت في أفغانستان والعراق وفلسطين. سنكون سعداء بمناقشة كل هذه القضايا، إلى جانب حقوق الأفراد الذين يسعون للحصول على المزيد من معلومات في أوروبا وكيف منعتهم. إننا لا يسمح لنا بمجرد إثارة الأسئلة حول الهولوكوست، حتى أن لديكم أكاديميين وعلماء تعرضوا للسجن عندما قاموا بذلك.

* خلال المحادثات مع الغرب، قلت إنك لن تناقش البرنامج النووي. فهل أنت ملتزم بذلك أم أنك على استعداد لقبول مقترحات غربية؟ لأنه لن تكون هناك محادثات إذا ما كنت غير مستعد لقبول المقترحات التي تعاملت معها بذكاء حتى الآن يا سيادة الرئيس؟ ـ أشكرك على ملاحظاتك المتفائلة، وأعتقد أننا إذا كنا قد خرقنا القانون والتشريعات الدولية فلن يستفيد أحد من ذلك. من ثم فإن على الجميع أن يلتزم بالقوانين الدولية. والقضية النووية تخص الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تتبع مسارات واضحة في كيفية التعامل مع هذه القضايا، ونحن لدينا التزامات وتعهدات محددة إضافة إلى حقوقنا داخل هذا الإطار. وسوف نفي بالتزاماتنا ونستمتع بحقوقنا أيضا.

* لكنك لم تفي بتعهداتك، لذا فرضت الأمم المتحدة عقوبات على إيران وأبطلت الأمم المتحدة حقوقكم بموجب قرارات الوكالة. فهل ستقومون بتعليق برنامج تخصيب اليورانيوم؟ وهل ستتعاونون مع البروتوكول الإضافي للوكالة الذي وقعتم عليه بالأحرف الأولى؟ (وتنصلت منه إيران بعد ذلك)؟ ـ تشير التقارير الرسمية والمتكررة التي تصدرها الوكالة إلى قيام إيران بأنشطة نووية داخل الإطار الذي حددته الوكالة وقد قبلنا بصورة اختيارية التعهدات الجديدة بشأن الإطار القانوني. لكننا لم نستفد من حقوقنا كاملة. فالبند الثاني والرابع من ميثاق الوكالة ينص على ضرورة مساعدة الدول التي تمتلك تكنولوجيا نووية للدول الراغبة في الحصول على تكنولوجيا نووية سلمية، لكن الوكالة أو أيا من أعضائها قدم لإيران يد العون في هذا الإطار في الوقت الذي قمنا فيه بالوفاء بالتزاماتنا.

* تساءل محمد البرادعي الذي كان يوصف في واشنطن بأنه أكبر مدافع عنك في التقرير الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أغسطس (آب) عما إذا كنتم ستلتزمون بقرارات الوكالة أم ما إذا كنتم حقيقة تعملون على بناء برنامج أسلحة نووية، حيث ذكر: «إن إيران لم تتعامل بشكل ملائم مع جوهر هذه القضايا. ومن ثم طلبت الوكالة الدولية من إيران تزويدها بردود حاسمة وإتاحة الوصول إلى الأفراد والمعلومات والمواقع. ـ هذا ليس المكان الملائم للحديث حول هذه الأمور الفنية لهذه القضايا، لكن تقرير سبتمبر (أيلول) له شقان واضحان أحدهما يتعلق بالوكالة ذاتها. فمنذ عامين توصلنا إلى اتفاق مع الوكالة لتقديم إجابات حول الأسئلة الستة الباقية التي طرحتها الوكالة داخل هذه الفئة الأولى. وقد كانت تلك التساؤلات واضحة وقد قدمنا إجابات لها، وأقرت الوكالة الإجابات التي قدمناها. والمثير في الأمر أن الإدارة الأميركية تقدمت بمزاعم معينة ضدنا وطالبت الوكالة بالتحقيق في هذه المزاعم أيضا، وهو ما شكل انتهاكا لوضعية الوكالة واتفاقاتها الموقعة مع إيران ونتيجة للضغوط السياسية التي تعرضت لها الوكالة قبلت تلك المزاعم الأميركية ونشرتها فجأة. وقد عارضنا منذ البداية ذلك النهج لأنه مبني على أسس قانونية وقواعد تم تحديدها بصورة مسبقة. وأعتقد أن ما تتحدثون عنه يرتبط بتلك المجموعة الثانية من التطورات التي حدثت. والتي كما نعلم تفتقر إلى المصداقية القانونية. فالتزاماتنا تجاه الوكالة الدولية أوفينا بها. وإذا ما دققت النظر في ذات النص فلن تجد ذكرا لتعهداتنا. لا يوجد سوى تلك المزاعم التي قالتها الولايات المتحدة ضدنا. ومن الناحية القانونية فإننا غير ملزمين بالإجابة على هذه الأسئلة ولن نكون قادرين على التمتع بكامل حقوقنا ولن نتمكن من العيش بسلام وأمان. لقد قدمت أكبر مساحة من التعاون مع الوكالة.

* سيدي الرئيس، أود العودة إلى السؤال المتعلق بالرئيس أوباما. تشير التقارير إلى أنه بعث بخطابين إلى المرشد الأعلى خلال الشهور الأخيرة. أتساءل ما إذا كان بمقدورك إطلاعنا على فحوى هذين الخطابين، وكذلك وجهة نظرك حيال الرئيس أوباما. كيف تراه مقارنة بالرئيس بوش؟ هل يمكنك التعامل معه؟ ـ أنت تطلب مني الكشف عن معلومات بخصوص الخطابين اللذين سمعت بأمرهما؟

* لقد قرأت بشأنهما في الصحافة الإيرانية؟ ـ أنا لا أقرأ الصحف، وبالتالي لا أعلم بأمرهما.

* إذن دعنا نتحدث عن أوباما؟ ـ نعتقد أن الرغبة القائمة هنا داخل أميركا تجاه التغيير تسير على الطريق الصحيح. في الواقع، إنها رغبة عالمية. في ظل الوضع الراهن، لا شيء قابل للاستمرار على مستوى العالم اليوم. وقد اضطلعت الإدارات الأميركية المتعاقبة بدور كبير في صياغة الكثير من القضايا في عالم اليوم. وعليه، من الطبيعي أن نتوقع أن تشرع الإدارة الأميركية في التغيير من أجل خدمة نفسها. من جانبنا، نعتقد أن التغيير حتمي وضروري. في الوقت ذاته، ينبغي أن تكون هذه التغييرات حقيقية، ذلك أن التغييرات السطحية لن يكون بمقدورها تسوية أي من المشكلات التي نواجهها، وإنما ستزيدها تعقيدا وتعطل الوصول إلى حل نهائي. نأمل أن يسعى السيد أوباما نحو تغيير حقيقي. ونرى أنه إذا قرر ذلك، فإنه سيتمكن على الأقل من إحداث جزء من التغييرات التي عقد العزم عليها. ونحن على استعداد، من ناحيتنا، للمساعدة في تحقيق هذه التغييرات. خلال اجتماع جنيف، لدينا استعداد لمناقشة بعض القضايا، بما فيها استعدادنا لشراء يورانيوم مخصب بدرجة 20% لسد احتياجاتنا الداخلية. وفي المقابل، ستعرض إيران موقفها حول التغييرات اللازمة. أما إذا استمرت سياسات السيد بوش مغلفة بلغة جديدة، لن نتمكن من تحقيق الكثير لأن هذا التوجه عفا عليه الدهر بالفعل. يجب أن تتغير السياسات. وإذا لم تتبدل تلك السياسات، لن نرى تغييرا حقيقيا.

* هل يمكنك الحديث بالتفصيل عما سبق لك قوله؟ قلت إنه في جنيف ستوافقون على شراء وقود نووي مخصب؟ هل هذا صحيح؟ هل ستشترونه من الولايات المتحدة؟ ـ لدينا مفاعل في طهران ينتج أدوية نووية تعتمد على تقنيات إشعاعية. ويتطلب ذلك مواد مخصبة بدرجة 19.75%. ونحن على استعداد لشراء هذه المواد. ونحن على استعداد للسماح لخبرائنا النوويين بالجلوس مع خبراء من الجانب الآخر والدخول معهم في مناقشات حول مجالات التعاون النووي لشراء المواد التي نحتاجها، وذلك من أجل المشاركة في تعاون نووي ومناقشة احتياجاتنا لشراء هذه المواد. أعتقد أن هذا مقترح ممتاز يمنح فرصة جيدة للبداية.

* لكنكم تخصبون اليورانيوم في إيران في اللحظة التي نتحدث فيها الآن. هل هذا صحيح؟ تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنكم خصبتم كمية من اليورانيوم ـ أعتقد أنها تبلغ 4.5% ـ تكفي لبناء سلاح نووي بدائي. من خلال ما قلته للتو، هل تلمح إلى استعدادكم تجميد تخصيب اليورانيوم؟ ـ أود تصحيح بعض المعلومات لديك، إن مستوى التخصيب الحالي لدينا يبلغ 3.5% في نطاق يتراوح بين 3% و5%. يجري توجيه المواد إلى مفاعلات للطاقة النووية، وهي مواد بلا أدنى أهمية للقنبلة النووية، ذلك أن صنع قنبلة نووية يستلزم درجة تصل إلى 99.7%. كما أننا نعتقد أنه من الخطأ حيازة قنابل نووية. هل تعلم كم عدد القنابل الذرية التي تملكها الولايات المتحدة؟

* لا أدري. هل لديكم استعداد للالتزام بعدم السعي قط لصنع أسلحة نووية؟ ـ نعتقد أن فكرة أن الدول ينبغي أو لا ينبغي أن تملك أسلحة نووية تشكل نقطة انطلاق خاطئة. طبقا للتقارير التي تلقيناها، هناك حوالي 10.000 رأس حربي نووي هنا في الولايات المتحدة. ألا تعتقد أنه من المضحك القول بأن العالم بأكمله قد يتعرض للخطر حال امتلاك إيران رأسا حربيا نوويا واحدا، بينما لا تشكل مسألة امتلاك الولايات المتحدة الآلاف من هذه الرؤوس أي تهديد على الإطلاق؟ أليس من المضحك تخيل أنه بإمكانك التصدي بصورة أساسية لقوة مؤلفة من 10.000 رأس حربي نووي عبر امتلاكك رأس حربي نووي واحد؟ تنتمي القنبلة الذرية للجيل السابق. لقد ولى عهد القدرة على استخدام مثل هذه الأسلحة. بأمانة، لو كان لها أدنى فائدة، لم يكن الاتحاد السوفياتي لينهار، ذلك أنه كان سيلجأ لاستغلالها بصورة ما. وكانت تلك الأسلحة لتساعد قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الانتصار في الحرب في أفغانستان. وكانت تلك الأسلحة لتساعد النظام الصهيوني على النصر في غزة ولبنان. في الواقع، إن القنبلة النووية أشد الأدوات التي عرفتها البشرية على امتداد تاريخها انتهاكا للإنسانية. فيما يخص القضية النووية، قدمنا مقترحين محددين على مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا من أجل التفاوض بشأنهما. أولهما: نزع التسلح النووي ومنع انتشار الأسلحة النووية، والثاني: أننا بحاجة لتمهيد الطريق من أجل ضمان قدرة الجميع على الحصول على التقنيات النووية السلمية عبر تعاون الأطراف كافة. أيضا نعتقد أنه من المنظور البيئي، فإننا بحاجة كذلك إلى الحصول على طاقة نظيفة. ونحن نعمل داخل إطار عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتزمنا بواجباتنا حتى الآن.

* لا أتفهم كيف يتوافق مقترحكم بشراء الوقود الخاص باليورانيوم المخصب مع الصورة العامة لبرنامجكم النووي؟ ـ مرة أخرى أقول إن تلك المواد النووية التي نسعى لشرائها ترمي لخدمة أغراض دوائية. إن المواد المنتمية لدرجة 20% مطلوبة لإنتاج عقاقير نحتاجها لعلاج أمراض. إنها قضية إنسانية. إنهم يعكفون على محاولة تصنيع هذه العقاقير في طهران الآن. إن مفاعلاتنا منهمكة بالفعل في محاولة إنتاج هذه العقاقير. وقد أنتجت بالفعل حوالي 20 نمطا مختلفا من الأدوية النووية، لكننا بحاجة إلى توقع احتياجاتنا للأعوام الـ20 القادمة، ونحن بحاجة بالفعل لمزيد من المواد المخصبة. واعتقدنا أن تلك ستشكل بداية طيبة لبدء المفاوضات.

* إذا تمكنتم من شراء هذه المواد، ماذا ستقدمون في المقابل؟ ـ سندفع أموالا مقابل هذه المواد. إنها بداية طيبة للتعاون وللمشاركة في جهود تعاون. أيضا قلت إننا سنوافق على جلوس خبرائنا النوويين مع خبراء من الجانب الآخر والشروع في مناقشة هذه الأمور. ومن شأن ذلك المساعدة في بناء الثقة والقضاء على المخاوف القائمة لدى الجانبين.

* لماذا ترغبون الحصول على يورانيوم مخصب إذا لم يكن لديكم أي مفاعل نووي عامل بحاجة ليورانيوم مخصب في هذه اللحظة؟ ـ لدينا مفاعل نووي في طهران ظل عاملا على امتداد الأعوام الـ20 أو الـ30 الماضية في مجال إنتاج العقاقير. وما زال عاملا حتى الآن. ينتج هذا المفاعل 20 نوعا مختلفا من الأدوية. في الماضي، اشترينا اليورانيوم المخصب بدرجة 20% من دول أخرى، ليس من الولايات المتحدة. الآن، بإمكاننا شراؤه من الولايات المتحدة. أعتقد أنها نقطة طيبة لنبدأ منها التعاون والدخول في محادثات. إنها قضية إنسانية، ذلك أنها تتعلق بالدواء.

* عندما تقول إن خبراء نوويين من جانبكم سيجلسون مع خبراء نوويين من الجانب الآخر للدخول في مناقشات، هل يعني ذلك أنكم على استعداد لجعل هذه المناقشات تغطي القضايا العالقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ ـ لماذا لا تدعهم يجلسون ويتحدثون فحسب ونرى ما يمكنهم تحقيقه؟

* وهل سيشكل ذلك جزءا من محادثات جنيف؟ ـ هذا هو مقترحنا، نعم. إن المحادثات ليست أحادية الجانب. هل يعد هذا مشكلة؟ أعتقد أن هذا أمر جيد.

* كيف ترون أفغانستان في المستقبل؟ هل ترون إمكانية ظهور تعاون إيراني ـ أميركي في أفغانستان أم ترون إيران مهيمنة؟ أنا على ثقة من أنكم اطلعتم على تقرير مكريستال، الذي يتسم بوضوح بالغ. ـ أفغانستان جارتنا، ونرتبط معها بروابط تاريخية وعاطفية عميقة. كما أن هناك عدة ملايين من الأفغان يعيشون في إيران. ويتنقل ملايين الأفغان والإيرانيين بين البلدين سنويا. علاوة على ذلك، هناك الكثير من التزاوج بين أفراد الشعبين. بوجه عام، علاقاتنا عميقة للغاية. ويترك مستوى الأمن في أفغانستان تأثيره الأكبر على إيران. وعليه، أتمنى عودة الأمن إلى أفغانستان في أسرع وقت ممكن. وقد ذكرت من البداية أننا على استعداد للمساعدة شريطة تغيير السياسات الراهنة. إننا نعتقد أن طبيعة السياسات المتبعة في أفغانستان خاطئة، وليس هناك حاجة لمحاولة إثبات صحتها. لقد وقعت جرائم كثيرة منذ وصول قوات «الناتو» إلى أفغانستان. من الواضح أن السياسات المتبعة جانبها الصواب. حتى إذا قدمنا العون، لن تتم تسوية أي شيء. ولا يوجد لدى أفغانستان حل عسكري للأمر. دعني أطرح عليك سؤالا: لماذا لا تتعمق وسائل الإعلام الأميركية في تحليل القضايا؟ أريد أن أطرح عليك أسبابا على هذا الصعيد. هل طرح أحد تساؤلا على الحكومة الأميركية لماذا دخلت أفغانستان وشاركت فيها على هذا المستوى؟

* هل نظرتم في تقرير الجنرال مكريستال (قائد القوات الأميركية في أفغانستان)؟ لقد حمل انتقادات بالغة؟ ـ نعم، هذا صحيح لكن بعد سبع سنوات. حتى قبل دخول أفغانستان، ألم يكن من الواجب طرح هذا التساؤلات آنذاك؟ عندما كانت أصوات دعاة الحرب على أشدها في عهد إدارة بوش؟

* لكن 3000 شخص لقوا حتفهم في نيويورك في 11 سبتمبر (أيلول)؟ ـ بالتأكيد، لكن هل نجحوا في معاودة الظهور والعودة إلى الحياة مجددا بعد الجرائم التي اقترفت في أفغانستان؟ ليس ذلك فحسب، لكن عشرات الآلاف تعرضوا للقتل جراء ذلك. لا يمكنك غسل الدم بالدم. منذ دخول قوات «الناتو» أفغانستان، تفاقم الإرهاب عشرة أضعاف وزاد إنتاج المخدرات المحظورة خمسة أضعاف. دعني أذكرك بحادثة تاريخية، وأطلب من وسائل الإعلام الأميركية أن تذكر مديريها بها أيضا لأن هذه هي مسؤولية الإعلام. لو كان السيد بوش اضطر لدراسة أحداث القرن الماضي من تاريخ أفغانستان، أؤكد لك أنه ما كان ليقدم على الدخول هناك. لقد أثبتت التجربة أن أي جانب يدخل هذه الأراضي بالقوة العسكرية يخرج مهزوما. منذ قرابة 100 عام، دخلت القوات البريطانية أفغانستان بكامل عتادها ورحلت تجر أذيال الهزيمة. ومنذ ثلاثين عاما، دخلت القوات السوفياتية أفغانستان، وأيضا غادرتها مهزومة. فما هي القوة الخارقة التي ظن السيد بوش أنه يمتلكها وستمكنه من الفوز في حرب عجز السوفيات والبريطانيون عن تحقيق النصر فيها تماما؟ إننا نثير هذه القضية في إطار مناقشة ودية، ذلك أننا نعبأ بأمر ما يدور هناك. ونهتم عندما يفقد أبناء الشعب أرواحهم. في مقابل كل روح نخسرها، تتضاعف صعوبة الوصول إلى حل. لو لم تكن نيتنا حسنة، كنا سنقف صامتين حيال ما يجري. لكننا في الواقع نصر على القول علانية وبوضوح إن السياسات المتبعة هناك خاطئة. ويجري استغلال ثروات الشعوب الأوروبية والأميركية هناك دون نتيجة سوى الهزيمة. في المقابل، يمكن استغلال هذه الثروات في بناء الصداقات أو إعادة إعماء منطقة ما. لذا، يساورنا القلق حيال ما يدور. يعي الجميع أن «الناتو» على وشك تلقي هزيمة نهائية في أفغانستان. وكان باستطاعتنا التزام الصمت فحسب إزاء هذا الأمر والاكتفاء بدور المتفرج لأنه تصادف كون بعض الدول الأعضاء في «الناتو» أعداء لنا. وكان ممكنا أن نشعر بالسعادة لأنهم يمنون بالهزيمة هناك. لكننا في الحقيقة لسنا سعداء، وإنما يحزنني مشاهدة ما يجري. إننا نؤمن ونعلن أن هناك حلا إنسانيا، وتراودنا دهشة كبيرة إزاء السبب وراء إقدام السياسيين و«الناتو» على سد آذانهم والامتناع عن الإنصات إلى الانتقادات الأخرى. بل إننا على استعداد لمساعدتهم في تغيير سياساتهم هناك. أما الشرط الأساسي المسبق لذلك فهو ضرورة أن يبدوا استعدادهم للإنصات. لقد أشار تقرير الجنرال بوضوح إلى أن السياسات التي جرى تنفيذها حتى الآن شابها الخطأ. إذن، متى سيبدلون السياسات؟ نعتقد أن هناك تغييرات محورية وأساسية في السياسات يجب اتخاذها، وإلا فإن تبديل الحزم المطروحة، أعني الحزمة النووية، من دون التعامل مع الجزء الجوهري من القضايا الأعمق لن يجدي شيئا. يجب تغيير السياسات، ونحن على استعداد لتقديم يد العون في ذلك.

* فيما يخص القضية النووية، هل تقصد أن إيران ستوافق على تجميد إنتاجها لليورانيوم المخصب لأغراض دوائية حال السماح لها بشراء يورانيوم مخصب؟ وهل سيشكل ذلك خطوة أولى نحو مزيد من المناقشات يمكن أن تتضمن مزيدا من إجراءات التجميد مقابل مزيد من عمليات الشراء. ـ إننا ببساطة لا نملك القدرة على تخصيب اليورانيوم بدرجة 20% لأغراض دوائية، بالصورة التي في ذهننا، في هذه المرحلة. إنها عند مستوى 3.5% فحسب. لقد كنا نشتري هذه المواد فيما مضى، لكن ليس من الحكومة الأميركية. والآن، بمقدورنا شراؤها من الولايات المتحدة. في الواقع، لا يهم من الذي نشتريها منه، لذلك نتحلى بالانفتاح حيال هذا الأمر. لكن هذا الأمر لا يؤثر على دورة الوقود. ومع ذلك، تبدو لي بداية طيبة وفرصة جيدة للمضي قدما.

* بمعنى آخر، تقول إن هذا الأمر لا يؤثر على أجهزة الطرد المركزي التي تعكفون على بنائها وحقيقة أنكم تعيدون تدوير اليورانيوم منخفض التخصيب وتحولونه إلى يورانيوم عالي التخصيب، حسبما فهمت من حديثك؟ ـ ما أقوله هو أن لك مطلق الحرية في تفسير ما أقوله كيفما تشاء. لقد تحلينا بوضوح شديد إزاء ما نقوم به. إننا نعلن ببساطة حاجتنا للوقود من أجل مفاعلات الطاقة لدينا. وبناء على قواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لنا الحق في الحصول على هذا النمط من المساعدة الفنية. ومن فضلك حاول أن تتذكر عندما ترحل من هنا أن أحد التحولات الرئيسية المحورية التي يجب إقرارها تتعلق بالطابع الحصري الذي يتسم به التركيز على بعض القضايا دون الأخرى، ما يسفر عن اتباع معايير مزدوجة. إذا لم تبدلوا موقفكم حيال هذه القضايا، لن يتغير شيء.

* إذن، سيدي الرئيس، السؤال الأخير: هل ستفعلون شيئا حيال مازيار؟ أرجو أن تقول إنك ستساعده. إنه يعمل لحسابنا. إن هذا أمر مختلف تماما؟ ـ سأفعل ما بوسعي. أرجو أن تنصح زملاءك بعدم خرق القوانين.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»