نجاد يتحدث لقاعة شبه خاوية.. وإيرانيون يتظاهرون في الخارج

الرئيس الإيراني: قوى بعيدة عن الشرق الأوسط ترسل قوات لنشر الخوف * لقاء بين متقي وميليباند وميدفيديف يلمح لعقوبات

أحمدي نجاد يلقي كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء أول من أمس بينما بدت القاعة شبه خاوية (أ.ف.ب)
TT

وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع في قمة تاريخية رأسها الرئيس الأميركي باراك أوباما على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة يدعو جميع الدول التي تملك أسلحة نووية للتخلي عن ترساناتها النووية. وهذه هي المرة الخامسة التي يجتمع فيها مجلس الأمن على مستوى رؤساء الدول منذ إنشائه عام 1946 والمرة الأولى التي يرأس فيها رئيس أميركي اجتماعا للمجلس المكون من 15 دولة. وكان رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون ودعما لقرار التخلي عن الأسلحة النووية قد أعلن أن بريطانيا ستتخلص من إحدى سفنها النووية. وفيما لا يتعلق قرار مجلس الأمن بدولة أو منطقة معينة، إلا أن منطقة الشرق الأوسط تعد أيضا معنية بالقرار وسط محاولات لمنع إيران من التسلح نوويا مما قد يجبر دول أخرى على السعي للتسلح نوويا. وصعدت أميركا وفرنسا وبريطانيا من لهجتها ضد إيران، فيما لم تؤد كلمة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أي تخفيف للتوتر، فقد هاجم أحمدي نجاد السياسة الأميركية في المنطقة وهاجم إسرائيل وشهدت كلمته انسحاب الكثير من الدول من القاعة. وتبنى قادة الدول الكبرى وعلى رأسهم الرئيسان الأميركي باراك أوباما والفرنسي نيكولا ساركوزي أول من أمس موقفا حازما حيال البرنامج النووي الإيراني. كما أصدر وزراء خارجية الدول الست مساء أول من أمس بيانا مشتركا يطالب إيران بإعداد ردود جدية حول برنامجها النووي في جنيف. ولم يتضمن النص أي إشارة إلى فرض عقوبات جديدة أو إلى مهلة زمنية قد تفرض على إيران. ويرى بعض الخبراء أن إيران قد تكون على مسافة بضعة أشهر من امتلاك القدرة على صنع قنبلة ذرية وحذرت إسرائيل من أنها لن تسمح بذلك من دون أن تستبعد الخيار العسكري.

ولم تحمل كلمة الرئيس الإيراني جديدا بحد ذاتها إذ انه انتقد إسرائيل وأميركا كما دأب خلال السنوات الماضية، إلا أن الجديد هو حجم المقاطعة لخطاب نجاد. فقد غادرت وفود 12 بلدا يتصدرها الوفد الفرنسي والوفد الأميركي والوفد الكندي القاعة الكبرى للجمعية العامة للأمم المتحدة احتجاجا على خطاب احمدي نجاد الذي اعتبر «معاديا للسامية». وقال مارك كورنبلاو المتحدث باسم البعثة الأميركية إلى الأمم المتحدة في بيان «من المخيب للأمل أن يختار أحمدي نجاد مرة جديدة اعتماد خطاب حاقد وهجومي»، فيما قال أحد أعضاء الوفد الأميركي لـ«الشرق الأوسط»: «لم نشهد شيئا هكذا من قبل. لم يتحدث رئيس أمام الجمعية العامة والقاعة شبه خاوية كما حدث مع الرئيس الإيراني». وغادرت وفود الأرجنتين واستراليا وبريطانيا وكوستاريكا والدنمارك وفرنسا وألمانيا والمجر وايطاليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة القاعة حين بدأ احمدي نجاد يوجه انتقادات إلى إسرائيل. وكانت إسرائيل دعت إلى مقاطعة الخطاب ولم يكن وفدها حاضرا في القاعة حين بدأ الرئيس الإيراني بإلقاء كلمته. فيما كانت كندا أعلنت أنها ستتجاوب مع الدعوة إلى المقاطعة. وأضطر تلفزيون الـسي إن إن إلى الاتصال بمسؤولي التسجيل والفيديو في الجمعية العامة لتوجيه الكاميرات إلى المقاعد الخالية وخلال مغادرة الوفود. وحمل الرئيس الإيراني في خطابه مطولا على وضع العالم الراهن. وانتقد إسرائيل من دون ذكرها أو ذكر اليهود بالاسم، موجها انتقاداته إلى «النظام الصهيوني». وتساءل «كيف يمكن لبعض الحكومات أن تقدم دعما غير مشروط لجرائم المحتلين بحق نساء وأطفال عزل؟» وتابع «في الوقت نفسه، يحرم المستضعفون رجالا ونساء الذين يعانون من الإبادة ومن اشد أنواع الحصار الاقتصادي، من حاجاتهم الأساسية من طعام وماء وأدوية». وفي تلميح إلى مؤامرة يهودية. قال «لم يعد مقبولا أن تهيمن أقلية صغيرة على السياسة والاقتصاد والثقافة في أجزاء كبرى من العالم من خلال شبكاتها المتشعبة، وان تقيم نوعا جديدا من العبودية وتضر بسمعة دول أخرى بما فيها حتى دول أوروبية والولايات المتحدة، من أجل تحقيق أهدافها العنصرية».

وفي إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة، تساءل احمدي نجاد في هجوم ضمني عن «البعض الذين يبعدون آلاف الكيلومترات عن الشرق الأوسط» ويرسلون قوات «لنشر الحرب وإراقة الدماء والعدوان والإرهاب والتخويف». ودعا إلى عدم التدخل في شؤون العراق وأفغانستان ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا، وإلى إجراء إصلاح اقتصادي وإقامة اقتصاد مبني على العدالة الحقيقية وعلى الأخلاق والعلاقات الإنسانية «ليكون في خدمة الكمال الإنساني ويعمل على ازدهار الشعوب». غير أن الرئيس الإيراني لم يكن استفزازيا كما في خطاباته السابقة وتجنب بشكل واضح ذكر أن المحرقة اليهودية خرافة. إلا أن الرئيس الإيراني أعلن أيضا التزام بلاده في المساعدة على إقامة سلام وأمن دائمين قائمين على أسس العدالة والكرامة والقيم الروحية.

وقال نجاد «إن شعبنا مستعد للسلام على كافة الأيدي الممدودة إلينا بأمانة»، معبراً عن استعداد بلاده للتعاون من أجل إصلاح عالمي جوهري. وحول الأزمة الاقتصادية، وقال نجاد «ليس من المقبول بعد اليوم إيجاد ثروة مصطنعة من الأوراق المزيفة، تعادل الآلاف المليارات من الدولارات غير الحقيقية، وضخها في اقتصاد العالم، والتسبب في مشاكل اقتصادية واجتماعية جمة للآخرين، وفي المقابل نقل ثروات الآخرين إلى اقتصاديات بعض الدول الخاصة».

وأضاف «أن محرك الاقتصاد الرأسمالي المنفلت والظالم وصل إلى طريق مسدود وأن هذه المعادلة الأحادية الجانب لم تعد قادرة على الحركة الآن». وقال من دون أن يسمي أي بلد بعينها: «لقد ولى العصر بالنسبة لأولئك الذين يحددون مفاهيم الديمقراطية والحرية ويضعون المعايير، في حين أنهم هم أنفسهم أول من ينتهك مبادئها الأساسية.. ولا يمكن قبول أن يكونوا الحكم والجلاد بعد الآن». وأشار إلى الولايات المتحدة التي هاجمت البرنامج النووي الإيراني رغم أنه برنامج مخصص للأغراض السلمية فقط، وقال: «لذلك نرى شعوب العالم كافة، ومن بينها الشعب الأميركي، تنتظر التغيير العميق والحقيقي وترحب بشعار التغيير». ثم تطرق الرئيس الإيراني إلى الوضع الفلسطيني مطالباً بتغييره، وقال: «كيف يمكن أن يتلقى المحتلون، قاموا بارتكاب أبشع الجرائم ضد الأطفال والنساء والرجال العزل وتدمير منازلهم ومزارعهم ومدارسهم ومستشفياتهم، الدعم غير المشروط من بعض الدول، فيما تمارس مختلف صنوف الضغوط والحصار ومنع الماء والدواء، ضد الرجال والنساء، الواقعين تحت الاحتلال، أن ذلك يرقى للإبادة الجماعية».

وأكد أحمدي نجاد أنه يتم منع الفلسطينيين من «إعادة بناء ما دمره العدوان الصهيوني الوحشي على غزة والناس هناك على أعتاب الشتاء، في وقت يرفع المحتلون وحماتهم شعار حقوق الإنسان ويمارسون مختلف الضغوط على الآخرين تحت هذه الذريعة»، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية. وفي تعليق على الانتخابات التي جرت في بلاده وأغرقتها في أزمة سياسية حادة، قال إن إيران «شهدت انتخابات عظيمة وديمقراطية بالكامل، فتحت فصلا جديدا أمام بلادنا في مسيرتها نحو التقدم الوطني».

وخلال كلمة الرئيس الإيراني أحاط المئات بمقر بعثة إيران في الأمم المتحدة في نيويورك، متعهدين بعدم قبول محمود احمدي نجاد رئيسا لهم. وهتف الإيرانيون الذين تجمعوا خارج مقر البعثة بالقرب من مقر الأمم المتحدة في مانهاتن ايست سايد يهتفون «احمدي نجاد ليس رئيسنا». ارتدى العديد من المتظاهرين اللون الأخضر رمز الدعم للمعارضة التي يقودها زعيم المعارضة الإصلاحية مير حسين موسوي. وانتقدوا انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.

وعلى صعيد مواز، عقد وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متقي، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة لقاء مع نظيره البريطاني ديفيد ميليباند، بحثا خلاله رزمة المقترحات الإيرانية واجتماع إيران بالدول الكبرى الست في جنيف. وكان أوباما قد قال في خطابه أمام أكثر من 120 رئيس دولة وحكومة يشاركون في الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة من أن إيران وكوريا الشمالية تهددان بـ«جر» العالم «إلى منزلق خطير». وتابع «إذا ما اختارت حكومتا إيران وكوريا الشمالية تجاهل القواعد الدولية، إذا وضع هذان البلدان السعي لامتلاك أسلحة نووية قبل الاستقرار الإقليمي والأمن، إذا تجاهلا مخاطر السباق لحيازة الأسلحة النووية في شرق آسيا والشرق الأوسط، عندها سيتوجب عليهما الخضوع للمساءلة». وأشار إلى انه «يبقى من المحتمل فرض عقوبات جديدة صارمة» على نظام طهران أن لم يعلق نشاطاته النووية الحساسة.

كذلك وجه ساركوزي تحذيرا لإيران من منبر الأمم المتحدة معلنا «أود القول للقادة الإيرانيين إنهم برهانهم على تقاعس المجتمع الدولي لمواصلة برنامجهم النووي العسكري، إنما يرتكبون خطأ فادحا». وأمهل إيران ديسمبر لتغيير سلوكها. بينما قال رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون بدوره «إننا مستعدون لدرس عقوبات جديدة».