الأكثرية والمعارضة في لبنان تنظران بحذر إلى الوضع ولكنهما تتفقان على أن الأزمة الحكومية لن تصير فتنة

«الشرق الأوسط» استطلعت آراء عدد من سياسيي الفريقين

TT

باشر أمس الرئيس المكلف سعد الحريري استشاراته البرلمانية لتأليف الحكومة اللبنانية، بعد مرور أسبوعين من وقوفه في قصر بيت الدين لتقديم اعتذاره، وأسبوع على إعادة تكليفه. لكن الجولة الجديدة التي بدأت أمس والمفترض أن تستمر خمسة أيام يبدو أنها خالية من أي بوادر فعلية لحلحلة الأزمة. فمواقف الفريقين، بحسب التصريحات المعلنة، لا تزال هي هي: فريق أكثري يطالب بحكومة تترجم نتائج الانتخابات البرلمانية، وفريق معارض متمسك بما يسميه «حقوقا»، مع التذكير بأن الفريقين لا يزالان متمسكين بحكومة وحدة وطنية. وفي ظل الجمود هذا، تبرز تخوفات الكثير من اللبنانيين من تحول الأزمة التي طال أمدها إلى فتنة، تماما كما حصل في مايو (أيار) 2008. فماذا يقول نواب الفريقين لـ«الشرق الأوسط»؟

عضو كتلة «المستقبل» البرلمانية النائب أحمد فتفت بدا مطمئنا إلى أن الأزمة الحكومية لن تصل إلى حد الفتنة. وقال: «لا ننكر أننا نعيش أزمة، فمجرد الوصول إلى تكليف ثان يعني أننا لا نعيش أوضاعا طبيعية. إنما هناك فرق كبير بين الأزمة والفتنة. ونحن سنبذل قصارى جهدنا لئلا تصل البلاد إلى هذا الأمر. فالفتنة موضوع خطير جدا ولا مصلحة لأحد في الدخول فيها. إنما هذا الأمر يتوقف على طريقة تصرف المعارضة، لكنني أرى أن الجميع في حالة تعقل».

وردا على سؤال، قال: «الجولة الجديدة من الاستشارات البرلمانية بالكاد بدأت. ولم نستمع إلى رأي المعارضة بعد لنحكم إذا كانت لا تزال على مطالبها أم لا. فالتكليف الثاني من المفترض أنه أعاد خلط الأوراق. إنما إذا أصرت المعارضة على المطالب نفسها، فسيطول أمد الأزمة. ونحن من جانبنا سنتفادى كل الأمور التي توصل إلى فتنة، إنما هذا لا يعني تخلي الأكثرية عن حقوقها».

وعن تشابه الظروف الراهنة وفترة الفراغ التي شهدتها البلاد وصولا إلى القرارين الشهيرين وما تبعهما من أحداث في مايو (أيار) 2008 وانتهيا بتسوية تمت في الدوحة، قال: «في تلك الظروف، كان التواصل منقطعا. إنما اليوم الأفرقاء على تواصل، والأزمة ليست في التواصل بل في موضوع مرتبط بالتأليف».

وعن تمسك المعارضة بما تسميه «حقوقا» مقابل تخليها عن الثلث الضامن والنسبية في التمثيل، قال: «المنطق الديمقراطي لا يقبل ما تطالب به المعارضة. كما أن الثلث الضامن ليس حقا دستوريا، لقد خسروا (المعارضة) في الانتخابات (البرلمانية) وفازت الأكثرية التي لها أيضا مطالب تترجمها عبر حصتها في الوزراء الخمسة عشر، أي لديها الحق في الحصول على نصف الوزارات السيادية ونصف الوزارات الخدماتية».

من جهته، استبعد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض وقوع فتنة، وقال: «لا أشعر بالقلق لهذه الناحية، إنما أدعو إلى التوقف عن استخدام الخطاب الذي يلجأ إليه البعض لإثارة الغرائز الطائفية والمذهبية. فهذا الخطاب أثبت أنه لا يخدم أحدا، بل يدفع ثمنه الجميع». وأضاف: «أعتقد أن الرأي العام اللبناني يحتاج من قبل المعنيين الأساسيين في تأليف الحكومة إلى مصارحة، أي أن يطلعوه على العقد الأساسية التي تحول دون التأليف، ذلك أن هناك جانبا غامضا في الموضوع يجعل الصورة مرتجة وغير واضحة».

وردا على سؤال عن الخشية من تكرار سيناريو 2008، قال: «نخشى التباطؤ في عملية التأليف. فالاستحقاقات الكثيرة التي تواجه البلاد تفرض التعامل بمسؤولية مع عملية التأليف. هناك إحساس بالفراغ في السلطة يؤدي إلى تدهور في الاستقرار الاجتماعي يترجم عبر ارتفاع نسبة عمليات السرقة والنشل فضلا عن الجمود في حركة الاستثمارات الخارجية، كذلك إن المنطقة مقبلة على استحقاقات كبيرة. كل هذا يفرض التعامل بمسؤولية من أجل قطع الطريق على أي محاولات تسلل للعبث بالأمن اللبناني».

وردا على فتفت الذي اعتبر أن الفتنة تبقى رهن طريقة تصرف المعارضة، قال: «المشكلة تكمن في عدم وجود حكومة. والمسؤولية الأساسية في الإسراع بالتأليف هي مسؤولية الرئيس المكلف. وبالتالي يجب أن يتعامل الجميع بمنطق تسهيل التأليف لنقطع الطريق على أي تكهنات أو مخاوف».

وبدا أن لعضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ألان عون قراءة متفائلة، إذ قال: «الجولة الجديدة من الاستشارات النيابية لم تبدأ بعد، ونحن لم نقطع الأمل. وفي جميع الأحوال، لا إرادة وسبب يدعوان إلى العودة إلى الفتنة حتى وإن طالت الأزمة». وأوضح أن «عناصر الصدام التي أدت إلى أحداث مايو (أيار) 2008 لم تعد مطروحة اليوم. نحن في إطار أزمة سياسية ليس من المفترض أن تؤدي إلى صدام». واستدرك: «المشكلة أن بقاء الوضع على حاله فترة طويلة يفتح الباب لمتسللين من طابور خامس. فسابقا، استمرت الأزمة سنتين قبل أن تنفجر، وحين كانت في الإطار السياسي لم تؤد إلى صدامات. كما أن الظروف التي وجدت سابقا تختلف عن الظروف الراهنة، لذلك الأزمة السياسية لا تبرر وحدها وقوع فتنة».

ولفت إلى أن «ما نقوله لا يطمئن إلى عدم وجود مشكلة، لأن بقاء البلاد في أزمة وحال توتر مع استخدام خطاب طائفي متشنج، يمكن أن يرتدا أحداثا سلبية. كذلك فإن أي تطوّر سلبي على المستوى الإقليمي يمكن أن يؤدي إلى مشكلة في الداخل».

وعن الكلام الذي نقل عن الرئيس المكلف سعد الحريري عن أنه «غير مستعجل في التأليف»، قال: «آمل في ألا يكون هذا الجو الذي نقل عنه صحيحا. فلا أحد لديه مصلحة في أن تطول الأمور. كذلك الرئيس الحريري نفسه لا مصلحة لديه في أن يستغرق تأليف الحكومة وقتا، لا سيما أنه آت بمشروع كبير».

عضو قوى «14 آذار» النائب السابق إلياس عطا الله، قال: «لا شك أن هناك سباقا بين مجموعة استحقاقات خطيرة، منها الاستحقاق الأمني والاقتصادي والاجتماعي، كما أنه لا أحد يغفل الترابط بين وضع لبنان الداخلي ووضع المنطقة المستعصي، فما يحصل في فلسطين خطير، وما يحصل في إيران وامتداداته كله ينعكس في لبنان، والحكومة تشكل صمام الأمان بصفتها السلطة التنفيذية ومؤسسة دستورية أساسية، وغيابها يضعف خاصرة البلاد».