الوكالات والإعلانات «تجمع رأسين لبنانيين بالحلال»

بعدما كان الأصدقاء والعائلة يلعبون دور الموجه الأول

TT

لم تخرج «عملية» الزواج في لبنان من طقوسها التقليدية حين كانت العائلة أو الأم هي الدليل أو الموجّه لابنها ليرتبط بابنة الحلال هذه أو ابنة العائلة تلك، لكنها اليوم لبست حلّة التمدن ولحقت بالتطور ومتطلبات الحياة من دون الاستغناء كليا عن الأقارب والمعارف والأصدقاء لتسهيل مهمة من يبحث عن شريك أو شريكة العمر.

إذا تعددت الوسائل والهدف واحد وهو الزواج الذي تتغير شروطه ومتطلباته من شخص إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى. فبعدما عادت الأمور إلى سابق عهدها في ظل تزايد هجرة الشباب اللبناني الذي بات يعود إلى لبنان في العطلة السنوية عازما على الارتباط ولا يجد أمامه إلا من تعرّفه إليها العائلة أو الأصدقاء، تحول الأمر إلى موضوع استثماري من دون أن يخرج عن هدفه الأساسي وهو «جمع رأسين بالحلال»، وهنا يكمن الاختلاف. فليس غريبا مثلا أن تجد إعلانا في إحدى الصحف اللبنانية السياسية أو التسويقية لـ«شاب يبلغ من العمر 32 سنة، يحمل شهادة جامعية ويملك منزلا في بيروت ويرغب في الزواج من فتاة لبنانية تتراوح سنها بين 22 و28، شرط أن تكون حاصلة على شهادة جامعية وحسنة المظهر...». والأمر نفسه ينسحب، وإن بطريقة مختلفة، على المواقع الإلكترونية المخصصة لهذا الغرض، وحتى بعضها صار محصورا في طائفة من دون أخرى، فمثلا ابتكر الشباب الدروز موقعا إلكترونيا خاصا بهم يهدف إلى تعرف الشباب والفتيات من الدروز بعضهم إلى بعض في أي بلد كانوا، ومن يدخل هذا الموقع سيجد صورا للمتزوجين الذين تعارفوا عبر هذا الموقع، ومعلومات عن المناطق التي ينحدرون منها، ومعظمهم كانوا يعيشون خارج لبنان.

والجديد القديم في هذا الإطار ظهور الوكالات الخاصة التي تعمل على تزويج اللبنانيين، والتي تكثر إعلاناتها في الصحف، وبالتالي لن يبذل جهدا كبيرا من يبحث عن شريك أو شريكة حياته، وذلك وفق الإعلان الموضوع في إحدى الصحف الذي يقول: «الزواج سُنّة الحياة والوحدة قاتلة، إذا كنت تبحث أو تبحثين عن شريك أو شريكة حياتك، مهما كان عمرك ووضعك الاجتماعي والمستوى العلمي، نحن نؤمّن لك الشريك المناسب مع الاحتفاظ بالسريّة التامة».

في السياق نفسه، قررت صولانج سريح تشريع عملية التعارف بين الشباب والفتيات في لبنان وتسهيل المهمة عليهم في بداية عام 2007 من خلال إنشاء وكالة زواج تحمل اسم «بوم دامور» ثم تحولت إلى «Introduction Wedding».

وقالت سريح لـ«الشرق الأوسط» إن الوكالة تهدف إلى «تقريب المسافات بين الشباب والفتيات في لبنان مع احتمال التوسع في اتجاه الدول العربية، حيث تفضل نسبة كبيرة من الشباب العرب الارتباط بفتيات لبنانيات».

وعن سبب خوضها هذه التجربة تقول سريح، التي عاشت فترة في فرنسا قبل أن تستقر نهائيا في لبنان: «إن فكرة تنظيم لقاء بين شخصين راغبين في الزواج لطالما كانت موجودة في المجتمع اللبناني وذلك من خلال الأسرة أو الأصدقاء الذين يرون إمكان توافق شخصية كل من الفتاة والشاب ويعمدون إلى تقريب المسافة بينهما. وفي وكالتي أعمل على تشريع هذه العملية بطريقة طبيعية وراقية من خلال تقديم الطلبات التي تتضمن معلومات تفصيلية خاصة عن مقدم أو مقدمة الطلب والصفات التي يفضل توافرها في الطرف الآخر، وذلك بعد أن أجلس معه شخصيا وأتناقش معه، لا سيما أنه في كثير من الأحيان قد يصار إلى التنازل عن بعض الشروط». وتضيف: «في المرحلة الأولى وجدت صعوبة في تقبل المجتمع اللبناني لهذه الفكرة، لكن بعد فترة صار الموضوع مألوفا وازدادت نسبة مقدمي الطلبات، لكن ما لم يتغير هو رفضهم الإعلان عن الطريقة التي تعرفوا من خلالها». وتشير إلى أن عدد المتزوجين عبر وكالة «Introduction Wedding» وصل خلال سنة 2009 إلى 7، بعدما حالت الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان في عامي 2007 و2008 دون إقدام الشباب اللبناني على هذه الخطوة.

وتلفت سريح إلى أن أبرز الشروط التي يحرص الشاب والفتاة على توافرها في الشريك هي الطائفة والسن والمستوى العلمي. أما سن مقدمي الطلبات فهو يبدأ لدى الشباب في سن الـ28 والفتيات في سن الـ22، مع العلم بأن النسبة الأكبر لدى الذكور تتراوح بين 33 و42 ولدى الفتيات بين 25 و28. وفي حين تشير إلى أن معظم طالبي الزواج هم من اللبنانيين واللبنانيات المسافرين، وبالتالي قد يطول انتظارهم نظرا إلى عدم وجودهم في لبنان بشكل دائم، الأمر الذي قد يعيق لقاء الشاب بالفتاة التي تتوافق مع الصفات التي يطلبها، والأمر نفسه ينسحب على الفتيات اللاتي يعملن خارج لبنان.

وتلاحظ سريح من خلال طالبي الزواج أن المسلمين من اللبنانيين يتزوجون في سن أصغر من السن التي يتزوج فيها المسيحيون. وتشير إلى أن أهم الصعاب التي تواجهها هي في حالة الرجل الذي تعدى سنا معينة ولا يزال يطلب الارتباط بفتاة شابة بحجة أن التي تقاربه في السن قد لا تستطيع الإنجاب، ومن جهة أخرى صارت الفتاة اللبنانية بحسب رأي سريح، أكثر وعيا في هذا الموضوع، وترفض الارتباط بمن يكبرها بعشرات السنين. ولأن طالب الزواج قد لا يجد مبتغاه في وقت سريع، فإن تقديم طلبه إلى وكالة «Introduction Wedding» هو بمثابة اشتراك سنوي تبلغ تكلفته 600 دولار للشاب و300 دولار للفتاة، وتعزو سريح هذا التفاوت في السعر إلى أن، وبناء على إحصائيات قامت بها الشركة، حياة الفتاة تتطلب مصاريف أكبر للاهتمام بمظهرها الخارجي، مقارنة بحياة الشاب الذي يتقاضى عادة أكثر منها، إضافة إلى ذلك فإن السعر المنخفض يشجع الفتاة على الإقدام على هذه الخطوة، لا سيما أن بعض الأرقام في المجتمع اللبناني تشير إلى أن عدد الفتيات اللبنانيات أكبر من عدد الشباب بين 5 و7 مرات، وبالتالي فرصة الزواج بالنسبة إليهن تصعب يوما بعد يوم.

وفي حين تشير سريح إلى أن الوكالة تعمل من دون دعاية تقريبا بسبب المخاوف من أن ينظر إليها على أنها تسهل علاقات غير مشروعة بين الجنسين، يزعجها عدم قبول الأزواج بعد الارتباط الإعلان عن الطريقة التي تزوجوا من خلالها، وتقول: «يشعرون بالإحراج من الاعتراف والإعلان أمام المجتمع أنهم التقوا من خلال وكالة الزواج، حتى إن بعضهم لم يرسل إليّ دعوة لحفل الزفاف، الأمر الذي يحول دون الإعلان عن وكالتي، وعلى الرغم من أن هذا الأمر يزعجني، فإنني أحترم خياراتهم وأتقيد بها».