الراية السعودية.. تغيرت الأزمنة واللون واحد

حملت اللون الأخضر وهي متوارثة منذ القدم وسميت بالبيرق * علم الرايات والأوسمة.. من الفراعنة إلى العصر الحديث * المؤرخ الرويشد يقدم لأول مرة معلومات عن قطعة القماش التي تحولت إلى رمز ولغة عالمية

الملك عبد الله متوشحا علم بلاده في إحدى المناسبات الوطنية (صور خاصة بـ«الشرق الأوسط»)
TT

ليست الراية أو العلم أو البيرق مجرد قطعة قماش ترفرف في الهواء أو تحمل بالأيدي ويلوح بها، بل تعدت ذلك لتصبح رمزا عظيما للأمم والأوطان والعقائد على مر الأزمان، وعندما ترتفع الراية فهذا يعني أن الوطن في لحظة ارتفاع وعز، وقد وقف دون العلم الأبطال الصناديد يذودون عنه بدمائهم وأرواحهم حتى لا يسقط أو يهان لان العلم أو الراية رمز الشعوب والأمم والأوطان، بل رمز العقيدة والفكر لقد تحول العلم من مجرد رمز تعبر عنه قطعة قماش إلى لغة عالمية تتكلم بها الشعوب، وتعرف كل أمة قيمة علمها وقيمة الأعلام الأخرى.

ونجح الباحث والمؤرخ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد في رصد تطور الراية على مدى حياة الحضارة ركز فيه على تاريخ الراية السعودية ومعالجا الأوسمة والميداليات والرتب العسكرية التي عدها الباحث ركنا من أركان العمل الوطني، كما سلط الضوء على قوانين الأعلام والرايات والأوسمة والرتب التي تحدد سبل التعامل معها في الحالات المختلفة، بل وتحدد الأوصاف الفنية الدقيقة التي يجب ان تتكون الأعلام والرايات والأوسمة والرتب والميداليات على موازينها ومقاييسها، وتضع أساليب رفعها أو إنزالها أو ارتدائها.. وتنص على العقوبات لكل من يخالف تلك التعليمات أو ينتهكها.

بداية يورد المؤرخ والباحث الرويشد في كتابه الذي عنونه بـ (تاريخ الراية السعودية ـ أعلام وأوسمة وشارات وطنية) وتناول فيه ولأول مرة ما يمكن تسميته بـ «علم الرايات والأوسمة والرتب» مفهوم ومعنى العلم في اللغة موضحا بأن العلم: يطلق على العلم ومرادفاته في قواميس اللغة: (اللواء) و(البند) و(البيرق) و(الدرفس) و(العقاب) و(النصب) وكلها يقصد بها: قطعة من القماش الملون تعقد على قائم.

وتدل القطعة من القماش على رموز وإشارات لشيء ذي قيمة كبيرة ومعنى خاص، ولهذه القيمة الرمزية الكبيرة يحملها الجند في طليعة الجيش وفي الاستعراضات، كما ترفع على الدور الحكومية في الأعياد والمناسبات.

إنها في الظاهر عند البعض قطعة قماش، لكنها في الحقيقة والدلالة رمز لصحيفة خط عليها شرف الأمة وأمجاد تاريخها.

وجمع العلم (أعلام) وجمع اللواء (ألوية) و(ألويات) واللواء وإن كان رمزا إلا أنه لا يعبر عن الإطار الوطني العام فهو دون العلم ودون البند، ومما ورد في قواميس اللغة:

لواء الجيش (علمه) وهو دون الراية، والراية مهموزة، ولكنهم استثقلوا الهمزة فقلبوها ألفا.

والبند كما ورد في لسان العرب (العلم الكبير) وهو فارسي معرب ونقل عن صاحب اللسان عن (ابن سيده): البند من أعلام الروم.

أما كلمة (البيرق) التي نعبر بها في الجزيرة العربية عن العلم، فأصلها فارسي معرب، فالبيرق يعني بلغة الفرس (العلم والراية) والبيرق أيضا لفظ تركي وكردي (وبيرقدار) تعني حامل الراية.

والدرفس فارسية ومعرّبها الراية، كما جاء في كتاب (شفاء العليل) وفي لسان العرب (الدرفس) هو العلم الكبير، وجاء في شعر البحتري:

والمنايا مؤاثل وأنو شروان يزجي الصفوف تحت الدرفس وأما (العقاب) فهو العلم الضخم، وجاء في الأحاديث المروية: أن اسم راية النبي (صلى الله عليه وسلم) العقاب.

ويبدو أن ألفاظ الراية واللواء والعلم ألفاظ عربية أصيلة.. أما البيرق والبندر والدرفس فألفاظ معربة، وإن كانت دلالتها تنحصر في العلم الكبير إلا أنها دلالة كلمتي علم وراية.

ويقدم الرويشد لمحة تاريخية عن العلم والأعلام مشيرا إلى أن قدماء المصريين أول من رفع رموزا شبيهة بالأعلام قبل آلاف السنين، فقد كانوا يربطون قصاصات خفاقة على رؤوس أعمدة طويلة، وكان الجنود يحملون هذه الأعلام في المعارك، واستخدم الآشوريون ومن بعدهم الإغريق والرومان الرموز الطريقة نفسها.

وقد أصبحت الأعلام مهمة أثناء المعارك.. فقد كان الجند يراقبون الأعلام لمعرفة مكان جنودهم، كما أن الأعلام كانت تساعد في معرفة اتجاه الرياح، وبذلك استطاع الجنود تحديد الاتجاه الذي يطلقون فيه السهام. وكانت الأعلام تمثل الجيش في كل جانب من جوانب المعركة، وكان القتال في كل جانب يتمحور حول العلم في غالب الأمر وإذا قتل حامل العلم أو جرح أثناء المعركة، فإن الجنود الآخرين يحتشدون حول العلم لمنع العدو من انتزاعه. أما إذا انتزع العدو العلم، فإن كثيرا من الجنود قد يتوقفون عن القتال.. إلا إذا وجدوا من يقودهم ببسالة وشجاعة حتى يسترد العلم..! وفي كتب الأديان السابقة للإسلام ما يشير إلى أن الشعوب القديمة في مصر وآشور قد عرفت استخدام الرايات، كذلك استخدم الإغريق والرومان (البيرق).

وبصفة عامة كانت لهذه الرايات مهما اختلفت أسماؤها دلالات دينية وعسكرية عميقة لدى أصحابها. وقد اتخذ الرومان النسر أو (العقاب) شعارا لهم يرسمونه على رؤوس الحراب، وتتدلى أسفله الراية الرومانية. كذلك كان للعرب أيام الجاهلية رايات وأعلام كثيرة بأشكال وألوان متعددة.

الرايات في تاريخ الحضارة الإسلامية

* كان النبي العظيم محمد (صلى الله عليه وسلم) يعقد رايته بيده الكريمة على رمح ويسلمها للسرايا المقاتلة، وجاء في كتاب (الأوائل) لأبي هلال العسكري، أن أول لواء عقده الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو لواء أبيض عقد لحمزة وحمله مرثد (ابن أبي مرثد) حليف حمزة الذي بعثه الرسول في ثلاثين رجلا من المهاجرين ليعترض عير قريش المقبلة من الشام.

وقد ورد في تاريخ الطبري أن راية أبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة هي أول راية عقدها الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأحد المسلمين.. كما ورد في مصدر آخر أن رايته (صلى الله عليه وسلم) يوم (حنين) كانت سوداء من برد لعائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها). وكانت راية علي بن أبي طالب يوم (صفين) سوداء، حملها (الحصين ابن المنذر) وقد قال علي في تلك المناسبة:

* لمن راية سوداء يخفق ظلها ـ إذا قيل قدمها حصين تقدما.

ويذكر لنا التاريخ بعد ذلك أن الأمويين في دمشق (41 ـ 132هـ) اتخذوا من اللون الأبيض شعارا لهم، كما اختار العباسيون (132 ـ 656 هـ) اللون الأسود. أما العلويون فقد اختاروا اللون الأخضر.

إذن فهناك العلم الأبيض الأموي، والأسود العباسي، والأخضر العلوي، والأحمر الهاشمي.. وهذا ما يدل عليه قول صفي الدين الحلي: بيض صنائعنا، سود وقائعنا خضر مرابعنا.

وقد اتخذ العثمانيون 1343هـ (1924م) العلم الأبيض ثم غيروه إلى الأخضر، فالأحمر الذي تتوسطه مساحة خضراء بيضاوية، وعرف بالعلم السلطاني، كما كانت لهم أيضا أعلام أخرى خاصة بالوزراء وكتائب الجند بألوان متعددة.

وقد ذكر المؤرخ (ابن إياس) أن العلم العثماني كان يصنع من حرير أخضر وأحمر، حتى تبدل العلم السلطاني في عهد السلطان سليم بن بايزيد (918 ـ 927هـ) الموافق (1512 ـ 1520م) بإزالة المساحة الخضراء، فأصبح لونه هو اللون الأحمر الخالص.

ومن أغرب ما قرأت في بعض المصادر الخاصة (بالأعلام) أن أول دولة كتبت على علمها عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هي (بولندا) حين كانت ـ كشرق أوروبا ـ خاضعة للخلافة العثمانية، وكان ذلك في القرن السادس عشر الميلادي (العاشر الهجري) وقبل أن تقع فريسة للحكم الشيوعي بثلاثة قرون.

ويقال: كانت ترفع راية حمراء اللون كتبت الشهادة في وسطها باللون الأبيض، وتحتها رسم لسيفين متقاطعين، والأغرب من ذلك أن الشهادتين كتبتا باللغة العربية.

وفي عهد السلاجقة كان لون العلم أبيض، وهو العلم الرسمي حتى عهد علاء الدين، آخر ملوكهم سنة 699هـ (1299م).

ولم يعرف بالضبط تاريخ إضافة الهلال والنجم على العلم التركي.. وذكر أن الهلال كان موجودا في أعلام الدول الشرقية قبل فتح القسطنطينية.

ويقول واصف أفندي في تاريخه: إن بعض الخلفاء العباسيين كانوا يجعلون هلالا من النحاس المذهب على رأس علمهم الأسود، فلما تغلب السلاطين عليهم أحدثوا لأعلامهم شارات أخرى غير الهلال.

وفي خطط المقريزي وصبح الأعشى للقلقشندي: أن الفاطميين كان لهم علمان دون لواءي الحمد، وهما رمحان برأسيهما هلالان من ذهب صامت، وفي كل واحد منهما صورة أسد مصنوع من ديباج أحمر وأصفر يتقدمان المواكب أمام الرايات.

وكان السلطان عثمان (700 ـ 726هـ) (1300 ـ 1325م) يتيمن بالهلال وبالعلم الأبيض الذي أهداه إليه آخر سلاطين السلاجقة، ثم بدّل السلطان مراد الأول (1359 ـ 1389هـ) (761 ـ 792م) لون العلم الأبيض إلى الأخضر وجعل في وسطه ثلاثة أهلة بيضاء مفضضة.. ثم اتخذ السلطان محمد (1443 ـ 1445هـ) (847 ـ 849م) علما أحمر تتوسطه دائرة خضراء أزيلت فيما بعد وحل الهلال محلها.

وقد وضع النجم على العلم العثماني مضافا إلى الهلال عام 1203هـ (1788م) واستمر هكذا إلى أن تمزقت الدولة العثمانية، فاقتصر العلم التركي على الأحمر ذي الهلال والنجم بلونه الأبيض.

الأعلام في البلاد العربية

* أما في مصر فبعد أن فتحها العثمانيون سنة 1517م أصبح علمها هو العلم العثماني الذي أضيف لأحد جوانبه لفظ الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) واستمر ذلك حتى آخر عهد الخديوي إسماعيل 1879م إذ أجريت عليه بعض التعديلات الطفيفة وفي نهاية عام 1913م نشبت الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1919م وأعلنت الحماية البريطانية على مصر، بعد أن فصلت عن الدولة العثمانية، وتولى حكمها السلطان حسين كامل ـ وعندئذ استقر الرأي على العلم الأحمر ذي الأهلة الثلاثة والنجوم الثلاث، وفي عام 1922م أعيد النظر في أمره بجعله أخضر اللون يتوسطه هلال أبيض وثلاث نجوم بيضاء.. هذا إلى جانب العلم الخاص بالملك الذي أقر عام 1923م، ويميزه تاج في زاويته المجاورة لأعلى الرمح.

لم يتغير العلم المصري بعد ثورة يوليو مباشرة وإنما تغير عقب الوحدة بين مصر وسوريا سنة 1958م حيث كان يتكون من ثلاثة ألوان (الأحمر، الأبيض والأسود) وعند اتحاد مصر وسوريا وقيام الجمهورية العربية المتحدة 1958م أضيف نجمان خماسيان باللون الأخضر داخل اللون الأبيض. بعد ذلك تعرض العلم للتغيير حيث استبدل النجمان برسم (نسر صلاح الدين) وهو العلم الحالي المصري. ثم استبدل النسر (بصقر قريش) ثم أعيد إلى النسر.

وفي سوريا حدد العلم عام 1928م بتقسيمه أفقيا إلى ثلاثة ألوان متساوية (الأخضر، الأبيض والأسود).

وقد استخدمت العراق أول علم لها عام 1925م لدى تأسيس المملكة العراقية.

أما في الأردن فقد اتخذ الأمير عبد الله ابن الحسين العلم نفسه الذي استعمله أخوه فيصل في سوريا.

وفي اليمن عدل الإمام يحيى شكل العلم عام 1931م ثم غيره السلال لدى قيام الجمهورية اليمنية عام 1963م.

ويعود تاريخ علم المملكة العربية المغربية إلى القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي).

ومنذ استقلت ليبيا وتونس والسودان وأقطار الخليج العربي اتخذت كل منها علما خاصا.

ويذكر أنه خلال ثورة التحرير في عمان رفع العمانيون علما أبيض اللون، يحمل عبارة (نصر من الله وفتح قريب) مكتوبة باللون الأحمر.

أما في الكويت ففي فترة من فترات حكم الشيخ سالم الصباح للكويت عام 1922م أضيف إلى علم الكويت عبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) تحتها كلمة (الكويت) كما أضاف الشيخ أحمد الجابر الصباح لفظ الشهادة إلى العلم، وفي أيام الشيخ مبارك الصباح كان العلم يحمل عبارة (توكلنا على الله).

وفي السودان، خلال ثورة المهدي، رفعت عدة رايات تحمل لفظ الشهادة (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وتحتها (المهدي خليفة رسول الله).

وفي تونس كان علم (الباي) يحتوي على ثلاثة عشر شريطا ومائة وخمس وأربعين نجمة، وتسعين عين سمكة.

أما لبنان فقد اختارت لنفسها علما يتكون من خطين باللون الأحمر، بينهما خط أبيض، وفي وسط العلم شجرة أرز خضراء.

وقد اختارت المملكة العربية السعودية اللون الأخضر تتوسطه شهادة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وتحتها سيف مسلول وهو علم متوارث ثابت منذ الدولة السعودية الأولى.

علم الدولة السعودية

* يعد العلم أو الشعار في المملكة العربية السعودية رمزا للحاكم وللدولة معا منذ نشأت الدولة السعودية في ظل قيادة البيت السعودي الكريم.

وللرمز دلالة واحدة ومعنى محدد يستوعبه الجميع ويتفق على معرفة دلالته الوطنية والدينية.

يشير الرويشد إلى أن علم السعودية علم متوارث مرت به تطورات إلى أن استقر إطار العلم على النحو الذي هو عليه في آواخر عهد الملك عبد العزيز (رحمه الله) واستمر حتى اليوم موضحا انه لم يعثر على أثر مكتوب ـ في التاريخ المحلي ـ أو نص مسجل عن تاريخ العلم السعودي في الدولة السعودية الأولى، ولا على أبعاده وقياساته.. لكن الباحث لجأ إلى كثير من أهل الثقة الذين يمكن الاعتماد على أقوالهم في هذا الأمر، ومنهم الأمير (مساعد بن عبد الرحمن) والشيخ (محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ) والشيخ (محمد بن صالح بن عبد العزيز آل الشيخ) و(محمد بن عبد الرحمن بن عبيكان) و(عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ) و(عبد الله بن محمد عبيكان آل عمران) ومعظم هؤلاء من المعمرين الذين عاصروا جيلا أدرك بالمشاهدة رؤية علم الدولة السعودية الأولى.

وقد اتفقوا جميعا على أن الراية السعودية كانت خضراء مشغولة من الخز والإبريسم، وقد كتبت عليها عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وكانت معقودة على سارية بسيطة.

وقد استمرت هكذا في عهود المؤسس الأول الإمام (محمد بن سعود) وابنه الإمام عبد العزيز بن محمد، وابنه الفاتح العظيم الإمام سعود بن عبد العزيز المعروف بـ (سعود الكبير) وابنه عبد الله بن سعود، الأمر الذي أيده ما ورد من كلمات مسجوعة تدل على هذا للمؤرخ (حسين بن غنام) وليس ذلك بمستبعد، بل ربما يكون أمرا مستفيضا إلى درجة اليقين، سيما أن ذلك هو شكل الرايات والبيارق في العهد الإسلامي على مر العصور.

ومع تصاعد الصراع البريطاني الفرنسي جاء (دومنغو باديا ليبيلخ) الذي تظاهر بالإسلام وتخفى تحت اسم (الحاج علي العباسي) ليعمل لحساب نامليار الثالث، وليسبر غور الحركة الإصلاحية في نجد فوصل ذلك العميل إلى مكة في شهر يناير 1807م وأتيح لهذا الجاسوس حينها فرصة رؤية دخول جيش الإمام سعود إلى مكة المكرمة، فسجل (دومنغو) أو (علي بك العباسي، كما كان يسمى) دخول 45 ألفا من أتباع سعود، وهم في ثياب الإحرام، وشاهد الشريف وجنده يختفون في قلاعهم، كما شاهد جيش سعود وأتباعه يزحفون داخل مكة ليؤدوا المناسك، يتقدمهم علم أخضر طرزت عليه بحروف كبيرة بيضاء عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله).

وقد ذكر (جون لويس بوركهارت) في ملاحظاته حول البدو الوهابيين التي دونها خلال رحلاته في الشرق، عندما تحدث عن الشؤون العسكرية للإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، وسلطته الراسخة في الجزيرة العربية وغزواته، فقد ذكر أن: لدى كل شيخ أو أمير من أمرائه راية خاصة، وأن سعودا يمتلك عددا من الرايات المختلفة، ووصف خيامه بأنها ذات جمال فائق، صنعت في دمشق أو بغداد، وأنها من اللون الأسود الشائع عند العرب.

وتجدر الإشارة إلى أن أول راية في الجهاد في العصر السعودي الأول قد رفعت عام 1157هـ (1744م) ضد كل من عادى أهل التوحيد أو سبهم، كما أن أول جيش بعث عقدت له الراية لهذه المهمة كان يتألف من عدد قليل من الرجال يحملون عددا قليلا من العدة والعتاد والرواحل. ومما قيل أيضا إن أول حاكم للدرعية من آل سعود استمر حكمه أربعين سنة، وكان يعقد الراية لأحد أبنائه أو يتولاها هو بنفسه. وذكر ابن بشر في تاريخه أن الإمام عبد العزيز بن محمد الحاكم الثاني في الدولة السعودية الأولى، وابنه الإمام سعود كانا يبعثان رسلهما إلى رؤساء القبائل، ويحددان لهم يوما ومكانا معلوما على ماء معين، وتتقدمهما الراية، فتنصب على ذلك المورد، فلا يتخلف أحد من رؤساء القبائل.

وعندما عرض ابن بشر سيرة الإمام تركي بن عبد الله جد الأسرة المالكة حاليا (الجد الخامس لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله) ومؤسس الدولة السعودية الثانية قال: كان إذا أراد الغزو يكتب إلى أمراء البلدان ورؤساء القبائل يحدد لهم الخروج في يوم معين وموقع معلوم ثم يخرج آلاته الحربية ومعدات الجيش وأعلاف الخيول قبل مسيره بخمسة عشرة يوما، ثم يخرج الراية فتنصب قريبا من باب القصر قبل خروجه بيوم أو يومين أو ثلاثة وكان الإمام تركي يأمر بحمل الراية فحذا ابنه فيصل حذوه في نظام إخراج الراية وتقديمها أمامه أو نصبها أمام القصر.

رمز وطني وانجاز تاريخي

* وفي عرضة لموجز الكتاب يشدد الدكتور ناصر بن محمد الجهيمي نائب الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز على أن أهمية الكتاب تأتي من كونه رصدا توثيقيا لتاريخ الراية السعودية كما يقدم إضافات مهمة تتعلق بتطور العلم السعودي والأوسمة والشارات الوطنية كما تأتي أهمية توثيق هذا الرمز الوطني السعودي لصلته بإنجاز تاريخي مهم يعبر عن التحول الذي حدث في المملكة العربية السعودية من التفكك والتفرق إلى أن هيأ الله لها على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود لينقلها من دويلات وقبائل تفتقد الأمن والحضارة والثقافة والتعليم إلى دولة واحدة تعمها نعمة الأمن والنهضة الحضارية والعمرانية والتعليم والصحة.

بل أصبحت مهوى أفئدة المسلمين في كل أنحاء العالم لما هيأ الله لهذه البلاد من شرف خدمة الحرمين الشريفين ولما تحقق من إنجازات حضارية ساهمت في وصول الحجاج والمعتمرين والزوار المسلمين من جميع أنحاء العالم بكل يسر وسهولة للوصول إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة.

كما أن هذه البلاد أصبحت محط أنظار العالم لما هيأه الله لها من توافر النفط والموقع الإستراتيجي المهم وتنوع التضاريس وسعة المساحة.

ومما لا شك فيه أن موقع المملكة السياسي أهلها لدور مهم في أحداث العالم العربي والإسلامي بل العالم كله.

وذكر الجهيمي أن الباحث الرويشد في كتابه (تاريخ الراية السعودية – أعلام وأوسمة وشارات وطنية) تناول فيه بإيجاز لمحة تاريخية عن العلم ونشأته في التاريخ القديم والإسلامي حتى العصر الحديث وأبرز خلال هذه اللمحة التاريخية الراية في عهد الرسول × وأنه عليه الصلاة والسلام كان يعقد الراية بيده الكريمة على رمح ويسلمها للسرايا المقاتلة، وأن أول لواء عقده عليه الصلاة والسلام كان لواء أبيض عقده لحمزة وحمله مرثد بن أبي مرثد رضي الله عنهما ليعترض عيرا لقريش مقبلة من الشام.

واستطرد في ذكر أعلام الدول العربية وتطورها إلى أن وصل للعلم السعودي الذي أشار إلى أنه حمل شهادة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وأنه علم متوارث ثابت منذ عهد الدولة السعودية الأولى.

والمؤلف بحكم تخصصه في تاريخ الدولة السعودية لم يفته أن يعطي نبذة تاريخية وافية عن آل سعود في التاريخ، فذكر معلومات موثقة عن نسبهم وأن عشيرتهم الدروع تعد أشهر الفروع المنتسبة إلى حنيفة من قبائل بكر بن وائل، وتحدث عن قدوم مانع المريدي عام 850هـ/ 1446م على ابن عمه ابن درع رئيس بلدة حجر (الرياض والجزعة) فأقطعه المليبيد وغصيبة اللتين عرفتا فيما بعد بالدرعية.

كما أضاف فائدة أخرى لا تقل أهمية عن ذكر نسب الأسرة المالكة الكريمة وهو الألقاب التي أطلقت على ملوكهم بدءا بلقب الأمير ثم الإمام ثم الملك وصولا إلى خادم الحرمين الشريفين الذي تأكد استعماله بإعلان الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – عام 1407هـ/1987م بأن هذا اللقب أحب الألقاب إليه.

وأفاد بإيجاز عن التطور التاريخي للسعودية من خلال عرض لتاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية والمملكة العربية السعودية حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله، وهذا أعطى الكتاب أهمية تاريخية تعود بالفائدة على القارئ ليصل إلى معلومات موثقة عن تاريخ المملكة العربية السعودية.

ثم بدأ الحديث عن علم الدولة السعودية وذلك بالإشارة إلى أهميته كرمز رسمي له دلالة على العمق الحضاري والبعد التاريخي وأنه رمز متوارث مرت به تطورات في شكله وتصميمه إلى أن وصل إلى ما نراه اليوم يرفرف عاليا في أنحاء السعودية.

وعلى رغم صعوبة مثل هذا البحث لعدم وجود مصادر أو نصوص تتعلق بتطوره فإن الباحث عبد الرحمن الرويشد، بخبرته التاريخية وكفاءته البحثية استطاع أن يجمع مادة من أفواه الرواة المعاصرين والمصادر المطبوعة والوثائق التاريخية وما دونه الرحالة والصور الفوتوغرافية ليقدم لنا مادة علمية موثقة لتاريخ العلم السعودي.

واعتبر الجهيمي ان من النصوص المهمة والتي تعود إلى فترة مبكرة أوردها عبد الرحمن الرويشد في كتابه ما ذكره عثمان بن بشر في تاريخه عنوان المجد في تاريخ نجد بقوله:((إن الإمام سعودا قد أعطي السعادة في مغازيه فلم تهزم له راية، وكان يحدد للناس موضعا فتنصب الراية فيه ويسارع الجميع قبله بيومين أو ثلاثة أيام وفي اليوم التالي تقف للإمام كتائب الخيل في اليوم المحدد لخروجه من الدرعية، وعندما يخرج من قصره يسارع بالدخول إلى المسجد المجاور له ويطيل الصلاة والدعاء فإذا فرغ ركب جواده ثم سار»).

وقد أشار المؤلف إلى حملة الراية في الدولة السعودية الثانية فذكر أنهم أسرة آل سلمة وأن أبناءها استمروا في حملها حتى زمن الإمامين عبد الله وسعود ابني الإمام فيصل بن تركي وأن آخر من حملها منهم محمد بن عبد العزيز آل سلمة الذي قتل في موقعة جودة عام 1288هـ/1871م. كما أورد معلومات مهمة عن تاريخ العلم في عهد الملك عبد العزيز، فأشار إلى أن العلم السعودي كان أخضر اللون مصنوعا من الحرير به جزء قليل أبيض يلي السارية وبرأس السارية قرص من النحاس تعلوه حربة.

خياطة الرايات وحاملو البيرق

* وإضافة إلى هذا الوصف التفصيلي فإن من المعلومات الجيدة والجديدة في هذا المصدر ما ذكره مؤلفه من أسماء من تولوا خياطة الرايات، وهذا يدل على أهمية العلم والعناية بخدمته فقد أشار إلى أن ممن تولوا خياطة الرايات في عهد الملك عبد العزيز، عبد الله بن محمد بن شاهين ثم أوكل الأمر بعده إلى الشيخ سعد بن سعيد وابنه عبد المحسن ثم آل الأمر إلى جهات الاختصاص الرسمية بعد ذلك.

وأورد مؤلف الكتاب نظام رفع العلم وأنه صدر في يوم 12/1/1357هـ الموافق 13/3/1938م بالأمر السامي رقم 1/4/7 ونشر في صحيفة أم القرى في العدد 693 الصادر في 17/1/1307هـ.

وبعد هذا الرصد التاريخي لتطور العلم السعودي جاء المؤلف بمادة طريفة ذات علاقة مهمة بالعلم السعودي وهي المعلومات عن الرجال الذين كانوا يحملون العلم ويسمون «البيارقيين» نسبة إلى حمل البيرق وأن لحملة العلم مكانة تفوق غيرهم من سائر الجند كونهم يحملون الرمز الذي يلتف حوله الجميع وهو المستهدف ساعة اللقاء سعيا وراء إسقاط هذه الراية التي يلتف حولها المقاتلون لذلك لابد أن يكون البيارقي متصفا بالشجاعة والثبات وحسن التدبير في المعارك كما فصل ذلك المؤلف في كتابه.

وذكر من حملة العلم إبراهيم بن طوق في عهد الإمام عبد العزيز بن سعود، وعبد الله أبو نهية في عهد الإمام عبد الله بن سعود، والحميدي بن سلمة وصالح بن عبد الله بن هديان وإبراهيم الظفيري في مراحل متأخرة من تاريخ الدولة السعودية الثانية وبداية عهد الملك عبد العزيز.

كما أشار إلى أن من اشتهروا في حمل الراية في عهد الملك عبد العزيز عبد اللطيف بن حسين المعشوق ومنصور بن عبد اللطيف المعشوق وعبد الرحمن بن مطرف ثم ابنه منصور ثم حفيده مطرف، وقد بقيت الراية في يد هذه الأسرة من آل مطرف إلى الوقت الحاضر.

لا تنكيس للعلم

* ويسير الجهيمي إلى انه بعد هذه التطورات التاريخية والمعلومات الموثقة لتاريخ العلم السعودي اتجه المؤلف إلى التعريف بالعلم السعودي من حيث وصفه ومقاساته وتطور أنظمته إلى أن صدر النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر السامي رقم أ/90 في 27/8/1412هـ /1993م في مادته الثالثة التي نصت على أن يكون علم الدولة السعودية كالآتي: لونه أخضر.

عرضه يساوي ثلثي طوله.

تتوسطه كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) تحتها سيف مسلول ولا ينكس العلم أبدا (نظرا لوجود الشهادتين فيه).

كما نصت المادة الرابعة على أن يكون شعار الدولة: سيفين متقاطعين مع نخلة، توضع وسط فراغهما الأعلى.. أي بينهما من أعلى. وبعد ذلك تحدث المؤلف عن وصف العلم الوطني من خلال المواصفات الخاصة به والمواد القانونية المنظمة لشكله واستعمالاته والأصول المتعلقة برفعه من خلال اثنتين وعشرين مادة ذكرها كاملة بنصوصها.

وتحقيقا لمقتضيات المنهجية العلمية التاريخية قدم المؤلف نصوص المراسيم الملكية وقرارات مجلس الوزراء واللوائح التنفيذية لنظام العلم والأحكام العامة المتعلقة بالعلم السعودي، وهذا بلا شك يمنح الباحث في هذا الموضوع توفيرا للوقت والجهد ويمده بمصدر وثائقي مهم.

كما أورد المؤلف تفصيلات مهمة في نظام استعمال العلم واللائحة التنظيمية لنظام العلم مما يعني أن هذا الكتاب يعد مصدرا تاريخيا مهما في هذا المجال.

ويشير الجهيمي إلى أن المؤلف تناول في الكتاب الأعلام الخاصة المتفرعة عن العلم السعودي للجهات الرسمية السعودية مثل علم القوات المسلحة السعودية وعلم القوات البرية الملكية السعودية وعلم القوات البحرية السعودية وعلم القوات الجوية السعودية وعلم قوات الدفاع الجوي السعودي وأورد صورا لها وتعريفا وافيا بها. وختم المؤلف كتابه بعدد من الفصول المهمة ذات العلاقة بالعلم مثل أهمية خدمة العلم الوطني وآداب التعامل مع الأعلام وقوانينها وأشكالها وألوانها وأنواعها ومكوناتها والمصطلحات الأساسية للعلم.

كما لم يفت المؤلف الحديث عن الأوسمة والميداليات والرتب العسكرية في المملكة العربية السعودية والأنظمة التي صدرت بشأنها والرتب العسكرية، وهذا أعطى الكتاب إضافة علمية مميزة بجانب توثيق هذه المعلومات بالصور الفوتوغرافية والنصوص الوثائقية المهمة.