المناهج التربوية في لبنان: بعض موادها تحكمه السياسة والدين

تحديات يعاد طرحها مع بداية العام الدراسي الجديد

مدرسة خاصة في جبل لبنان
TT

بقي النظام التربوي في لبنان 28 سنة على حاله قبل أن يخضع عام 1997 لتعديلات طالت محتوى مواده وأضافت إليه مواد أخرى تسمى «المواد الإجرائية»، وتضم الفنون والمسرح والتكنولوجيا واللغة الثالثة. وبعدما عجز المسؤولون عن الوصول إلى كتاب تاريخ موحد يحظى بموافقة الأفرقاء السياسيين، اتفق على الإبقاء على الكتب القديمة التي لا يتعدى محتوى معلوماتها عام 1973.

الورشة التي لحقت بهذا المنهج، بوشر بتطبيقها عام 1998، في المدارس الخاصة، في حين بقي تطبيقها في المدارس الرسمية استنسابيا بسبب العوائق التربوية والإدارية. وبذلك، يعمل المركز التربوي للبحوث والإنماء الذي توكل إليه مهام مراقبة البرامج وتعديلها وإصدار الكتب، منذ عام 2003، على تقييم هذا المنهج وثغراته ليبدأ تصحيحه في بداية العام الدراسي الجديد، كما أكدت رئيسته الدكتورة ليلى فياض لـ«الشرق الأوسط».

انطلاقا من تعديل عام 1997 صار النظام التربوي في لبنان يتألف من مرحلتين أساسيتين، تسبقهما مرحلة الروضة التي تضم الروضة الأولى والثانية قبل أن تعود إلى ما كانت عليه قبل ذلك، أي إلى ثلاث سنوات دراسية. المرحلة الأولى هي مرحلة التعليم الأساسي ومدتها تسع سنوات مقسمة بدورها إلى ثلاث حلقات: الحلقة الأولى تضم الصفوف الأول والثاني والثالث، والحلقة الثانية تضم الرابع والخامس والسادس، والحلقة الثالثة تضم السابع والثامن والتاسع. بعد الصف التاسع الذي يرتكز النجاح فيه على خضوع التلميذ للامتحانات الرسمية العامة الموحدة في كل لبنان، ينتقل إلى المرحلة الثانوية التي تتألف من العاشر والحادي عشر والثاني عشر. وتتسم السنة الأولى في هذه المرحلة بأنها من دون تخصص، ويتشعب الاختصاص في السنة الثالثة إلى أربع تخصصات هي الآداب، والاجتماع والاقتصاد، والعلوم العامة، وعلوم الحياة، التي يخضع أيضا التلميذ فيها لامتحان رسمي موحد ليحصل على شهادة تخوله الدخول إلى الجامعة. تشير فياض إلى أن المناهج التعليمية في لبنان «كانت مبنية على المحتوى ثم على الأهداف التربوية، الأمر الذي جعل المركز التربوي يعمل على تعديله ليبنى على أساس (المقاربة بالكفايات)..». وتشرح: «وذلك بعدما شرعنا في إنجاز تقييم له منذ عام 2003، وقد صدرت عن هيئة متابعة تطوير المناهج التي تضم نحو 25 خبيرا تربويا ممثلين للمؤسسات التربوية والجامعات، توصيات مهمة ارتكزت في المرحلة الأولى على المرحلتين الأساسيتين الأولى والثانية. إذ قرر العودة إلى مرحلة الروضات التي تضم ثلاث سنوات دراسية، كما كانت عليه قبل تعديل عام 1997. على أن يبدأ التلميذ بالتعرف على الحروف الأكثر استخداما، مع ما يتلاءم من مادة الرياضيات مع قدرات الطفل العقلية على شكل نشاطات تطبيقية ترسخ المفاهيم في الذاكرة، ليصل إلى المرحلة الأساسية الثانية قادرا على تقبل البرنامج التعليمي غير المكثف».

وتؤكد فياض أن «أبرز أهدافنا في هذا التعديل هو بناء المناهج على أساس الكفايات، وهي الاستفادة من أهداف المناهج في الحياة العامة بدلا من أن تبقى إفادتها محصورة في القواعد النظرية». تدخل هذه التعديلات إلى المناهج التربوية بدءا من العام الدراسي الجديد، وهي ستكون مرحلة تجريبية في 16 مدرسة خاصة ورسمية في كل المحافظات اللبنانية خلال العام الدراسي، بعد إنجاز تدريب المعلمين، ليصار في نهاية العام إلى تقييم هذه الإجراءات. مع الإشارة إلى أن هذا التقييم سيطال، وعلى مراحل، كل الصفوف للوصول في ما بعد إلى تعديلات عامة تسهم في تطوير مستوى التلميذ اللبناني. وفي ما يتعلق بالمواد الأخرى، لا سيما اللغات والرياضيات، يراعى في اختيار برامجها في كل المراحل الدراسية، توصيات هيئة متابعة خطة تقويم الهيكلية والمناهج التعليمية وتطويرها وتوجيهات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو). مع العلم أن المواد العلمية تدرس في لبنان باللغات الأجنبية، في حين تدرس مواد التاريخ والجغرافيا والتربية باللغة العربية إذا لم تقرر إدارات المدارس الخاصة إبدال اللغة العربية باللغة الأجنبية والعكس صحيح. أما في ما يتعلق بالمواد «الخلافية» أو «الشائكة»، كمادة العلوم والدين والتاريخ، فهي تحتاج مثل السياسة في لبنان إلى توافق سياسي ومرجعيات دينية، والحقيقة أنه لم يتم التوصل بعد في شأنها إلى الصيغة التي يجب أن تتلاءم مع التطورات الاجتماعية والسياسية. فبعدما نسفت التربية الجنسية من مادة العلوم في المناهج التربوية اللبنانية، تقول فياض: «ستعود تحت اسم (التربية السكانية من منظور اجتماعي) وذلك بعدما كسبت تأييد كل المراجع التربوية التي تمثل في لبنان المراجع الدينية، على أن تقدم معلوماتها إلى التلاميذ على مراحل، بدءا من صفوف المرحلة الأولى ووصولا إلى الصفوف الثانوية». أما التاريخ فقد توقفت حقباته في كتب تلاميذ لبنان عند عام 1973، أي قبيل تفجر الحرب الأهلية عام 1975، من دون أن يتحقق الاتفاق بين المراجع السياسية على كتاب تاريخ موحد، و«بعدما صار موضوع خلاف جذري يحتاج ـ كما تقول فياض ـ إلى توافق سياسي حكومي على مستوى لجنة الحوار الوطني، لا سيما أن هناك أحداثا متلاحقة منذ عام 2005، إضافة إلى الحرب الأهلية، تشكل مجتمعة مادة خلاف دسمة يصعب التوافق عليها بين الأفرقاء السياسيين». ثم تسأل: «من يقول إنه إذا تحقق التوافق على كتاب التاريخ سيدرس التاريخ بطريقة صحيحة في بلد تدرس فيه مادة التربية الوطنية حسب النفس السياسي لكل مدرسة؟». والواقع أن لكتاب الدين في بلد تحكمه 18 طائفة، مشكلاته اللاحصرية، إذ لم يتوصل المسؤولون إلى اتخاذ قرار إلغائه نهائيا، وفي الوقت نفسه لم يتيسر بعد إصدار كتاب موحد. وبالتالي، لا يزال تلاميذ لبنان يخضعون لقوانين «طائفة كل مدرسة»، خاصة كانت أو رسمية، من دون أن يدرج في لائحة الكتب المعتمدة في المدارس. وعن هذا الجانب تقول فياض: «كانت هناك محاولات بين عامي 1997 و2000، للتوصل إلى كتاب (التربية الدينية الموحد) الذي يعرف بطريقة عامة على الأديان في لبنان مع التركيز على القواسم المشتركة بينها، من دون الخوض في التفاصيل. لكن العمل أوقف في هذا المشروع منذ ذلك الوقت. واليوم، تعطي وزارة التربية والتعليم العالمي أذونات خاصة لرجال الدين الذين يعينون في بعض المدارس الرسمية من المراجع الدينية». وعن تطبيق المناهج التربوية التي يصدرها المركز التربوي الرسمي في المدارس الخاصة، تلفت فياض إلى أنه «عندما يصدر المركز التربوي المناهج التعليمية وكل ما يلحق به من تعديلات، على المدارس الخاصة التي تشكل 65 في المائة من القطاع التعليمي في لبنان، العمل على تطبيق الأهداف العامة في مناهجها التعليمية، شرط أن يحصلوا على موافقتنا في أي سلسلة من الكتب اختاروا اعتمادها إذا لم تكن تلك الصادرة عن المركز. ولكن في ما بعد لا نتدخل في طريقة تطبيق هذه المناهج التي قد تختلف من مدرسة إلى أخرى. غير أن ثمة 30 في المائة من المدارس الخاصة تتبع الكتب التي يصدرها المركز التربوي، نظرا إلى محتواها الغني ونوعيتها الجيدة».