روائع وتحف من الفنون الإسلامية تعرض في باريس

معهد العالم العربي يستضيف قطعا من مجموعة ديفيد خليلي

سجادة صلاة من أواخر القرن السادس عشر
TT

كسوة قديمة للكعبة المشرفة، ومصحف ملفوف بطول ستة أمتار، وعلبة من الذهب المغطى بالزمرد، وصفحة من الشاهنامه الفارسية، و471 قطعة من روائع الفن الإسلامي استقرت على مساحة ألف متر مربع في معهد العالم العربي بالعاصمة الفرنسية باريس، اعتبارا من يوم أمس، في انتظار جمهور من الزوار سيكون غفيرا، بلا شك، لمتابعة هذا الحدث الذي يؤكد سمعة العاصمة الفرنسية كمركز لفنون العالم.

فبعد مدينة سيدني، كبرى مدن أُستراليا، وأبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، يتاح للجمهور الفرنسي أن يتفرج، للمرة الأُولى، على تحف نادرة من آيات الفن الإسلامي جاءت من المجموعة الاستثنائية لرجل الأعمال الإيراني الأصل والمقيم في لندن، ناصر ديفيد خليلي. والمعرض الذي جرى افتتاحه أمس، والذي يستمر حتى الربيع المقبل، يجمع قطعا تتنوع ما بين الخزفيات والسجاد والمنسوجات والزجاجيات والأسلحة والمباخر والمجوهرات والمعادن النفيسة والأخشاب المحفورة، وحتى المخطوطات النادرة.

صاحب المجموعة، الذي صنفته صحيفة «الصنداي تايمز» اللندنية خامسا في ترتيب أكبر أثرياء بريطانيا، يهودي من مواليد مدينة أصفهان، في وسط إيران، عام 1945. وكان أبوه تاجرا للعاديات، أما هو فقد غادر بلاده في أواخر ستينات القرن الماضي، وهو في الثانية والعشرين من العمر، ليكمل دراسته في الولايات المتحدة الأميركية. ولم يكن في جيبه، يومذاك، سوى 750 دولار.. مع طموح مبهم لا يستقر على حال. وكانت تلك الدولارات من عرق جبينه، ومن عائدات كتاب عن العباقرة ألّفه وهو في الثالثة عشرة من العمر.

وفي نيويورك درس خليلي علوم الكومبيوتر، وبعد بضع سنوات تعرف إلى بريطانية تزوجها وانتقل للعيش في لندن منذ 1978، وهناك اشتغل في ميادين التكنولوجيا الحديثة، واستثمر أمواله في العقارات وجمع ثروة تجاوزت الملايين إلى المليارات.

كان ناصر خليلي قد تلقى هدية، في عيد ميلاده الرابع عشر، من وزير سابق للتربية في إيران، هي عبارة عن وعاء لفرشاة الخط مصنوع من الخشب اللماع يعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي. وكانت تلك الهدية، التي سحرته وهو طفل، البداية لمجموعة من نوادر الفنون الإسلامية يصل عددها اليوم إلى أكثر من 20 ألف قطعة. مع هذا، ما زال صاحبها يسعى وراء ست أو سبع قطع نادرة موزعة في أرجاء العالم ويطاردها عبر المزادات الكبرى لكي يستكمل مجموعته. وهو يقول إنه كان، في سنواته الأُولى كجامع تحف، يشتري ما بين 25 إلى 50 قطعة في اليوم، أما الآن فلم يعد هناك الكثير من التحف الإسلامية في الأسواق، وهو قد لا يشتري أكثر من 50 قطعة في العام كله.

ومن الشغف بالفنون الإسلامية انتقل خليلي إلى تكوين مجموعة من القطع النادرة للفنون اليابانية وأطلق، عام 1982، «مؤسسة كيبو» التي تضم حاليا ألفي قطعة تعود إلى الفترة المسماة «ميجي» (العصر الميجي) والواقعة بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين.

إلى ذلك، تدور فكرة المعرض الباريسي حول ثلاثة محاور: أولها، القطع المرتبطة بالعقيدة مباشرة، كالمصاحف وكسوة الكعبة وغيرها من متعلقات أماكن العبادة. وثانيها، فنون البلاط وما كان يوصي بصنعه الأُمراء والخلفاء والولاة. وثالثها، الزخارف النباتية الملونة والخطوط والنقوش الهندسية التي تهدف إلى إراحة البصر والترويح عن النفس. وحسب المشرفة على المعرض، أُوريلي كليمون رويز، فإن ثمة من يعتقد بأن الفنون الإسلامية ترتبط جميعا بالعقيدة الدينية، في حين أن القسم الغالب منها يتألف من قطع دنيوية وكان يستخدم في شؤون الحياة اليومية وفي التزيين ويحمل صورا لبشر ولحيوانات. فهناك الأطباق والسكاكين والحلي والمخطوطات المزخرفة والأسلحة والمباخر التي تشهد كلها على ثراء المخيلة والوحدة الأُسلوبية في الفن الإسلامي.

غير أن ناصر ديفيد خليلي لا يكتفي بالاقتناء والجمع، بل يرى أن من صفات جامع التحف أن ينشرها ويعرضها. ولذا دأب على توزيع مئات الآلاف من الكراريس المصورة التي تشرح الفنون الإسلامية، على طلبة الجامعات الغربية والعربية، ووصل بعضها إلى طلبة فلسطين. وتبعا لهذا النشاط ولانخراطه في جهود السلام وحوار الأديان والتقريب بين الحضارات، نال خليلي التكريم من اثنين من بابوات الفاتيكان. وهو يردد أنه، وهو اليهودي، يسعى للتعرف على ثقافة أبناء عمه المسلمين لكي يعرف أكثر، ثقافته الخاصة من خلالها. ويضيف في حديث لصحيفة الأحد، في باريس، أن هناك سلاحا أكيدا للدمار الشامل اسمه الجهل.