صوت البنتاغون أيام حكم بوش.. هل خفت في عهد أوباما؟

جدل حول الطموحات السياسية للجنرال بيترايوس ودوره في البت بإرسال مزيد من القوات لأفغانستان

TT

أشار مصدر مطلع إلى أن الجنرال الأميركي، ديفيد بيترايوس، الذي يعد بمثابة الوجه العلني الممثل لقرار زيادة أعداد القوات الأميركية في العراق، وأحد المسؤولين المفضلين لدى الرئيس السابق جورج بوش، شارك أو جرى استدعاؤه «عدة مرات» خلال الاجتماعات الجارية حالياً حول صياغة إستراتيجية تجاه أفغانستان داخل «غرفة الطوارئ» بالبيت البيض الأسبوع الماضي. ومن المنتظر أن يشارك في اجتماعين آخرين خلال هذا الأسبوع. على الجانب الآخر، يرى مقربون من الجنرال أنه وراء السطح الموحي بعلاقات طيبة، يجابه القائد العسكري البارز واقعا جديدا داخل البيت الأبيض برئاسة الرئيس باراك أوباما، فرغم استمرار مشاركته في طاولة محادثات الرئيس، بات مقعده مختلفا تماما. لم يعد الرجل الذي يتولى الإشراف على حربي العراق وأفغانستان أحد أكبر الأصوات المسموعة داخل اجتماعات «مجلس الأمن القومي»، مثلما كان الحال في عهد بوش الذي منحه 20 دقيقة في الاجتماعات الأسبوعية التي كانت تمتد لساعة، كي يعرض وجهات نظره عبر بث مرئي مباشر من بغداد. ولم يعد الجنرال، الذي يتميز بصلات عديدة داخل الكونغرس وشبكة من العلاقات عبر البريد الالكتروني بالمؤسسة الصحافية في واشنطن، يدلي بشهادته أمام الكونغرس ويشارك في لقاءات إعلامية لا حصر لها، مثلما فعل في سبتمبر (أيلول) 2007، عندما شارك في 34 مقابلة خلال ثلاثة أيام.

كان من شأن هذا التحول إثارة تكهنات داخل واشنطن حول إمكانية سعي الجنرال بيترايوس للمنافسة على الرئاسة عام 2012، ما نعته مستشاروه بالأمر السخيف، لكن على صعيد السياسة الراهنة، يعني هذا الوضع أن النقاش الدائر في صفوف الإدارة حول ما إذا كان ينبغي إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان يصل قوامها إلى 40.000 جندي يشارك به صوت أقل قوة مؤيد لموقف المؤسسة العسكرية.

ويطلق مساعدو الجنرال بيترايوس عليه الآن «ديف الكسول»، مشيرين إلى أنه حرص بصورة كبيرة على عدم المشاركة بنشاط في الجدال العام الدائر حول الحرب، سعيا لتجنب إثارة غضب البيت الأبيض، الذي لا يرغب بالتعرض لضغوط من العناصر البارزة في المؤسسة العسكرية، ويبدي حذرا حيال طموحات بيترايوس على وجه التحديد. وطلب مساعدو الجنرال عدم الإفصاح عن هويتهم كي يتمكنوا من الحديث بصراحة أكبر عن علاقته بالبيت الأبيض. من ناحية أخرى، قال بيتر منسور، الكولونيل المتقاعد بالجيش وبروفيسور التاريخ العسكري بجامعة ولاية أوهايو: «لم يلمح الجنرال بيترايوس لأي شخص باهتمامه بالحياة السياسية، بل إنه في الواقع نفى في الكثير من المناسبات اهتمامه بها». يذكر أن منسور سبق له العمل مع بيترايوس عندما كان الأخير القائد العسكري الأميركي الأعلى في العراق. واستطرد قائلا: «هناك أشخاص آخرين ينظرون إلى شعبيته ويقولون إنه يمثل مرشحا رئاسيا جيدا، لكن أعتقد أن هذا الأمر يثير شكوك الإدارة قليلا حياله». وأشار مستشارو الجنرال بيترايوس إلى أن تعمده التنحي بعيداً عن دائرة الضوء يرجع في جزء منه إلى وقوع اختيار أوباما على جنرال ستانلي إيه. مكريستال ليكون الوجه العام للحرب في أفغانستان على الصعيد العلني الداخلي. يذكر أن الجنرال مكريستال شارك الأسبوع الماضي في مقابلة مع برنامج «60 دقيقة» بقناة «سي. بي. إس»، والتقى الرئيس أوباما على متن الطائرة الرئاسية، واستغل خطابا ألقاه في لندن للتعبير عن رفضه دعوات التقليص من جهود الحرب الأميركية. وربما تثبت تعليقات الجنرال مكريستال المعلنة أن قرار الجنرال بيترايوس بالعودة إلى الصفوف الخلفية خلال النقاشات الدائرة بشأن أفغانستان قد يكون حكيماً. تجدر الإشارة إلى أنه عندما سأل جون كنغ، من قناة «سي.إن إن»، الجنرال جيمس إل. جونز، مستشار الأمن القومي، حول ما إذا كان من المناسب لشخص يرتدي البزة الرسمية للمؤسسة العسكرية المشاركة علانية في الحملات الداعية لإرسال مزيد من القوات، أجاب جونز: «من الناحية المثالية، من الأفضل للنصائح العسكرية المرور عبر سلسلة القيادة».

وعلى الجانب الآخر، ليس واضحاً إلى أي مدى سيؤثر صوت الجنرال بيترايوس المنخفض على القرار النهائي لأوباما، لكن المقربين منه يقولون إن جهوده لكبح جماح ظهوره على الصعيد العلني ربما تمنحه مصداقية أكبر للتأثير على النقاش من الداخل، بينما يعتقد آخرون أن نفوذه الأكبر ربما يظهر عندما يعمل كجزء من فريق من المستشارين العسكريين، يضم الجنرال مكريستال والأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة.

يذكر أن هؤلاء المسؤولين متفقون فيما بينهم في الرأي إزاء ما يعتبرونه ضرورة بناء الجهود الأميركية في أفغانستان، رغم أن الجنرال بيترايوس، الذي عمل بصورة وثيقة مع الجنرال مكريستال، صرح الأسبوع الماضي أنه لم يقر بعد طلب جنرال مكريستال إرسال مزيد من القوات لأفغانستان. ومن المحتمل أن يتحالف القادة العسكريون الثلاثة ضد نائب الرئيس، جوزيف بايدن، علاوة على مسؤولي الإدارة الآخرين الراغبين بتقليص الجهود الأميركية في الحرب في أفغانستان. وفي ظل هذا الوضع، ربما يصبح وزير الدفاع، روبرت غيتس، الذي ساوره القلق حيال إقرار وجود أميركي ضخم في أفغانستان، لكن ترك في الوقت ذاته الباب مفتوحا أمام إرسال قوات إضافية، الصوت الأكثر نفوذاً. ويبدو واضحاً أن علاقة الجنرال بيترايوس بأوباما بعيدة تماما في مستواها عن علاقته بسلفه، بوش، الذي قام بنزهة جبلية باستخدام الدراجات مع الجنرال في واشنطن الخريف الماضي، أو علاقته بخصم أوباما في الانتخابات الرئاسية عام 2008، السناتور جون ماكين، الذي ذكر مساعدوه في غضون فترة قصيرة اسم الجنرال العام الماضي باعتباره أحد المرشحين لخوض الانتخابات مع ماكين كنائب للرئيس. وفي ذلك الوقت، جرى الحديث عن الجنرال كمرشح رئاسي محتمل في حد ذاته، الأمر الذي لا يزال يثير قلق بعض المساعدين السياسيين داخل البيت الأبيض. لكن هذا القول لا ينطبق على أوباما، على الأقل حسب وجهة نظر أحد كبار مستشاريه، حيث أكد رام إيمانويل، رئيس فريق العاملين بالبيت البيض، «أن الرئيس لا يفكر على هذا النحو، ولا يفكر نائبه بهذا الأسلوب. إن الرئيس يقدر وجهات نظره (بيترايوس) في المساعدة في إحداث تحول بحرب استمرت ثماني سنوات وتعرضت للإهمال».

من ناحية أخرى، يرى مستشارو الجنرال بيترايوس أنه سعيا منه للحفاظ على شعور بالحياد العسكري، لم يدل الجنرال بصوته منذ عام 2003 على الأقل، وهو ليس على ثقة أنه ما زال مقيداً بدائرة نيو هامبشير، حيث يملك هو وزوجته منزلا. يذكر أن الجنرال جرى وصفه باعتباره أحد أنصار الحزب الجمهوري في إطار مقال مطول عنه نشرته مجلة «ذي نيويوركر» العام الماضي. إلا أن مسؤولاً عسكرياً بارزاً مقربا منه اعترف الأسبوع الماضي أنه ليس بمقدوره تحديد وجهة الولاء السياسي للجنرال بيترايوس. والملاحظ أن بيترايوس يسافر باستمرار من منزله في تامبا إلى واشنطن، حيث التقى الأسبوع الماضي وزير الخارجية الأفغاني. كما تناول العشاء مع ريتشارد هولبروك، المبعوث الخاص للإدارة إلى أفغانستان وباكستان. إضافة إلى ذلك، يقوم الجنرال بزيارات إلى الكونغرس. من ناحيتها، قالت ليندساي غراهام، عضو الحزب الجمهوري في ساوث كارولاينا: «إنه يتفهم طبيعة الكونغرس أفضل من أي قائد عسكري آخر قابلته على الإطلاق». وأضافت أن الجنرال يتمتع بنفوذ على مستوى البلاد يؤهله للعمل كمتحدث رسمي باسم الإدارة عن سياستها في أفغانستان. لكن حتى يتخذ الرئيس قرار نهائيا في الأمر، ويحدد ما إذا كان يرغب بالاستعانة ببيترايوس للمساعدة في الترويج للقرار، سيبقي الجنرال على نفسه بعيدا عن دائرة الضوء. وقال جاك كين، النائب السابق لرئيس هيئة أركان الجيش: «إنه يعي كيف يمر عبر مثل تلك حقول الألغام».

* خدمة «نيويورك تايمز»