ذوبان الثلوج بالقطب الشمالي يفتح نوافذ حياة جديدة

قوافل المراكب البحثية تفحص المخزون الهائل من الغاز والبترول الموجود في قاع البحار

TT

في معظم الأيام، فإنه ليس من المرجح أن تقابل شخصاً بمدينة «نورم» في ألاسكا قابلته من قبل. فعلى بعد 500 ميل غير ممهدة من «أنكوريدج»، لا يمكن للزائرين أن يتجولوا بسهول التندرة القاحلة ومياه «بحر بيرنغ» المتجمدة.

وبالتالي فكان مستغربا، أن تلقي سفينة الإقامة «وورلد»، 644 قدما، التي تكلف كل مقيم من المقيمين عليها عدة ملايين بمرساها بمدينة نوم خلال الصيف للقيام بجولة تستغرق يومين. فيقول ميتش إريكسون، مدير غرفة التجارة: «لم تكن لدينا سفينة بمثل هذا الحجم من قبل. وأعتقد أنهم مروا على كل مكان في العالم، والآن سوف يذهبون إلى الأماكن التي لم يرها معظم الناس».

ولكن ذلك على وشك التغير؛ حيث يعمل التقلص المستمر للقطب الجنوبي على تحويل تلك البحار المنبوذة التي تقع في أقصى الشمال من العالم إلى طرق ملاحية جديدة. وبخلاف «وورلد»، فقد رست أربع سفن أخرى في «نوم» أخيراً، ونشر حرس السواحل لأول مرة مراكب الدوريات الصغيرة بالقطب الشمالي خلال العام الماضي. وكانت قوافل المراكب البحثية تتوافد على الشمال طوال الصيف؛ حيث كانت السفن تفحص المخزون الهائل من الغاز والبترول الموجود في قاع البحار بالقطب الشمالي ويستخدمون «نوم» كقاعدة لهم.

وفي الواقع، تعتبر هذه المدينة التي تقع على حافة «مضيق بيرنغ» كطريق إلى ميدان جديد للاستكشاف البحري؛ فقد تزايدت حركة مرور السفن في «نوم» ثماني مرات عما كانت عليه خلال عام 1990، وأنفقت المدينة أخيراً ما يقارب من 90 مليون دولار في تجديد الميناء لكي تستطيع استقبال سفن أكبر حجما. وإلى الشمال، تفكر مدينة كوتزيبو في إنشاء ميناء يسمح بدخول السفن ذات الغاطس الكبير على مبعدة عدة أميال من المدينة. كما حظيت قرية «بارو»، القرية المنعزلة بالإسكيمو، التي تشتهر بصيد الحيتان وتقع في أقصى أطراف القارة، خلال آخر عدة مواسم صيفية بالعديد من السفن الكبرى التي تحتوى على سائحين ألمان ودوريات حرس السواحل التي ترسو على مقربة من المرسى البدائي.

يقول شين بارنيل، حاكم ألاسكا: «لم نعد نستطيع أن نفترض أن القطب الشمالي هو عائق صعب». فقد أثار ارتفاع معدل الملاحة في تلك المناطق من المخاوف المتعلقة بكيفية تأمين العمليات البحرية وحماية واحدة من أكثر المناطق البيئية هشاشة وغموضا على وجه الكرة الأرضية.

يذكر أنه، لا توجد أي قوانين دولية تنظم نوع السفن البحرية التي يمكن أن تمر بالقطب الشمالي، كما أنه لا توجد أي إجراءات تنظيمية للتخلص من نفايات السفن أو بروتوكولات تمنع تنظيف تسريبات البترول في درجات الحرارة المتجمدة. من جهة أخرى، لا توجد خرائط تفصيلية للأرض مطابقة للمعايير الدولية إلا لنحو 9% من القطب الشمالي، كما أنه لا يوجد نظام كفء للاتصالات عالية التردد.

وليس لدى حرس السواحل سوى سفينتين فقط لتفتيت الثلج المتراكم بالممرات البحرية المتجمدة، كما أن أقرب محطة للتزود بالوقود تقع على مبعدة 1000 ميل إلى الجنوب الشرقي في كودياك بألاسكا. ومن جهة أخرى، فإنها تقع على مسافة ثماني ساعات من طائرات الإنقاذ في حالة اصطدام إحدى تلك السفن بجبل ثلجي.

يقول الأدميرال ثاد ألين، قائد حرس السواحل في «نوم» خلال الصيف الماضي: «هناك مياه في أماكن لم يكن بها مياه من قبل، ونحن مسؤولون عن ذلك، لكن السؤال الأكثر أهمية هو ما نوع الوجود والإمكانات التي نريدها هنا؟». يذكر أن، حوالي ستة آلاف سفينة تمر في مياه القطب الشمالي؛ وفقا لأولى الدراسات الاستقصائية المتعلقة بالملاحة في المنطقة التي أصدرها مجلس القطب الشمالي الدولي في أبريل (نيسان).

وقد شهد الممر الشهير في الشمال الغربي، الذي يربط بين البحر الأطلسي والهادئ عند شمال كندا، فترات من الملاحة من دون ثلوج بين 2007 و2008. وتشير التوقعات إلى أنه، بنهاية القرن الحالي، سوف يصل عدد الأيام التي يمكن فيها الملاحة من دون ثلوج إلى 120 يوماً سنويا.

وقد أسفر ذوبان الثلوج القياسي لأول مرة في فتح الممر الشمالي الغربي والممر الشمالي الشرقي فوق روسيا لعدة أسابيع.

وتمكنت السفن التجارية الألمانية من مرور نادر بالممر الشمالي الشرقي في 7 سبتمبر (أيلول) عندما أبحروا في حماية سفن تحطيم الثلوج الروسية إلى ميناء سيبريا في يامبرغ. وقد بدأت الرحلة – وهي أول رحلة تقوم بها سفينة غربية- في كوريا الجنوبية في يوليو (تموز) ثم استمرت صوب أوروبا.

ويسمح الطريق المختصر عبر روسيا للسفن بأن تقطع مسافة 8700 ميل من شبه الجزيرة الكورية إلى أوروبا في 23 يوما بدلا من 11 ألف ميل في 32 يوما عبر قناة السويس. وتقدر شركة بيلوغا للملاحة التي تدير السفن الألمانية أن توفر حوالي 200 طن من الوقود للسفينة. وقد اكتشف مجلس القطب الشمالي أن الطلب العالمي المتنامي على معادن القطب الشمالي أصبح له دور أكبر منذ بدء التغير المناخي يفتح طرقا جديدة في أقصى الشمال. ويؤدي منجم «ريد دوغ»، أكبر حقل للزنك في العالم، الذي يقع على بعد 90 ميلاً من الشمال الشرقي كوتزيبو، إلى تنشيط الحركة الملاحية في كبرى الموانئ البحرية التجارية في الولايات المتحدة في القطب الشمالي، حيث تعبر كبرى السفن العالمية من الساحل المتجمد للمنجم المقفر إلى كافة أسواق العالم.

ويقول مديرو المؤسسات التجارية إنهم ليست لديهم أي خطط لمد العمليات أو إعادة توجيه سفنهم عبر ممر الشمال الغربي كجزء من العمليات الحالية. «فهم يسافرون حاليا إلى الجنوب من خلال قناة بنما».

يقول جون إيغان، مدير عمليات المنجم، إن امتداد فترات عدم تساقط الثلوج ربما يتيح الفرصة للتوصل إلى احتياطي الذهب حتى في الأماكن المنعزلة بالإضافة إلى تريليونات الأطنان من الفحم، التي ما زالت مطمورة في المناطق الشمالية الغربية من ألاسكا. وعلى جزيرة بافن في المناطق الشمالية من كندا، بدأ العمل على شحن 18 طناً سنوياً من ركاز الحديد عالي الجودة عبر الممرات الثلجية إلى مصانع الصلب في أوروبا. وسرعان ما سوف تقرر إدارة أوباما إذا ما كان يجب فتح قطاعات كبيرة من ساحل القطب الشمالي في ألاسكا لمرور مليارات البراميل من الزيت والغاز. يقول لوسون بريغمان، القائد السابق لإحدى سفن تحطيم الثلج التابعة لحرس السواحل، الذي ترأس مهمة تقييم الشحن البحري لصالح مجلس القطب الشمالي: «إن ما يحرك النشاط البحري في القطب الشمالي ليس هو التغير المناخي، بقدر ما هو الاقتصاد العالمي».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»