دبلوماسي أميركي: تخصيب اليورانيوم الإيراني في بلد ثالث.. سيعطل إنتاجها لأسلحة نووية

قال إن الهدف من خطة التخصيب في الخارج هو تعزيز الثقة.. ورفض طهران لها سيكون دليلا على أنهم غير جادين

محمد رضا زماني عضو إحدى الجماعات المؤيدة للملكية في ايران والمحكوم عليه بالاعدام لاشتراكه في مظاهرات الاحتجاج التي اعقبت الانتخابات الرئاسية في يونيو الماضي يلقي كلمة في أحد التجمعات (أ.ف.ب)
TT

اتصلت إيران بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، قبل أربعة أشهر، لتعلمها بقلقها من نفاذ وقود مفاعل الأبحاث النووي في طهران الذي ينتج النظائر الطبية التي تستخدم في تشخيص وعلاج نحو 10 آلاف مريض أسبوعيا بنهاية عام 2010. وطلبت إيران من الوكالة مساعدتها في البحث عن دولة تبيعها وقودا جديدا.

ظاهر الأمر، أن الطلب الإيراني طلب يحمل صبغة إنسانية من دولة تدور حولها شكوك كبيرة بسبب طموحاتها النووية، لكنه كان يحمل في طياته أيضا تهديدا ضمنيا: فإذا لم تبد أي دولة استعدادها لبيع طهران يورانيوم نصف مخصب يمكن لطهران القول إنها لا تملك خيارا سوى أن تنتج الوقود النووي بنفسها، وهو ما يضعها فعليا على مقربة من الحصول على الوقود الذي يمكن استخدامه في صنع أسلحة. يستخدم مفاعل الأبحاث وقودا نوويا تبلغ نسبة تخصيبه 19.75% وهو ما يعتبر نسبة تخصيب عالية مقارنة باليورانيوم الذي تخصبه إيران بنسبة 3.5%. ويأتي الطلب الإيراني ضمن اتفاق استثنائي تلعب فيه الولايات المتحدة دورا كبيرا وتسعى من خلاله إلى الحصول على المزيد من الوقت من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي لمأزق الطموحات النووية الإيرانية. وإذا ما نجحت الجهود الأميركية فستحصل إيران على الوقود اللازم لعلاج المرضى وتنهي مخزونها من الوقود منخفض التخصيب. لكن المنتقدين تساءلوا حول أسباب مساعدة الولايات المتحدة لهذه الدولة ـ وتقدم لها الوقود النووي الأعلى تخصيبا مما تملكه حاليا ـ من دون اتفاق يقضي بقيام إيران بوقف عمليات التخصيب التي تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي العديدة. وقال هنري سوكولسكي، المدير التنفيذي في مركز تعليم سياسة عدم الانتشار النووي في واشنطن: «إنك لا تشترى المزيد من الوقت. إنك تنزح الماء من السفينة بدلا من سد الفجوة بها». لكن مسؤولي إدارة أوباما يردون بأن هذا الاتفاق يجب أن ينظر إليه على أنه إجراء لبناء الثقة واختبار للنوايا الإيرانية. وأشاروا إلى أن فشل إيران في الالتزام بالاتفاق ـ الذي تم التوصل إليه خلال لقاء المسؤولين الإيرانيين مع القوى الست الكبرى في جنيف في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) ـ يوجب عليها أن تظهر أن لديها بعض الرغبة في العمل مع الدول الأخرى من أجل الأهداف الإنسانية النبيلة. وسيتم الإعلان عن المزيد من التفاصيل بشأن هذه الترتيبات، من بينها الجدول الزمني خلال الاجتماع الذي سيعقد في فيينا في 19 من الشهر الحالي.

وقال أحد مسؤولي الوزارة الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب الحساسية الدبلوماسية إن «هذا إجراء لتعزيز الثقة. فإذا قالوا إنهم بحاجة إليه لأغراض طبية فسنقدمه لهم فإذا ما قبلوه فسوف ينتهي مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب، وبالتالي يعطل إنتاج أي سلاح نووي، وإذا ما رفضوه فإن ذلك دليل آخر على أنهم غير جادين».

كانت الولايات المتحدة قد بنت المفاعل النووي في إيران قبل 40 عاما وزودتها باليورانيوم القابل للاستخدام في الأسلحة النووية (المخصب بنسبة 93%). لكن الولايات المتحدة رفضت بيع المزيد من الوقود لإيران بعد الثورة الإيرانية. وتصر إيران على أن الولايات المتحدة لا تزال تدين بملايين الدولارات لإيران ثمنا للوقود الذي لم تسلمه إليها. وفي عام 1987 وبمشاركة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية توصلت إيران إلى اتفاق مع الأرجنتين لتحويل قلب المفاعل النووي إلى استخدام يورانيوم مخصب بنسبة 20%. وفي عام 1998 تم شحن 50 رطلا من الوقود من الأرجنتين إلى إيران.

والآن بدأ الوقود النووي الأرجنتيني في النضوب. وكان تقرير إخباري إيراني قد ذكر عام 2007 أن المفاعل ينتج عددا من النظائر التي تستخدم في أشعة «إكس» وعلاج اضطرابات الغدة الدرقية. وعندما علم المسؤولون الأميركيون برغبة إيران في الحصول على وقود جديد، أدركوا التهديد المحتمل. ففي منشأة «ناتانز» يحتفظ الإيرانيون بمخزون 3.300 رطل من اليورانيوم منخفض التخصيب وهو ما يكفي لصنع قنبلة نووية إذا ما وصل إلى مستوى التخصيب المستخدم في صنع القنبلة النووية. وفي كل يوم يزداد المخزون اليومي بمقدار 4.5 رطل، لذا اعتقد الأميركيون أن منح إيران الدافع لتخصيب اليورانيوم بصورة أكبر يشكل كارثة.

لذا خرجت إدارة أوباما بخطة تقوم بمقتضاها إيران بنقل مخزونها من اليورانيوم إلى دولة أخرى ـ روسيا ـ لكي تقوم بتزويدها بالوقود النووي لمفاعل الأبحاث. وستضطر إيران في هذه الحالة إلى التخلي عن 80% من مخزونها للحصول على الكمية نفسها من اليورانيوم الذي زودتها به الأرجنتين في عام 1993. ووفق معدلات الإنتاج الحالية سيكون أمام إيران عامان حتى تتمكن من استبدال تلك المواد. وخلال رحلة الرئيس أوباما إلى موسكو في يوليو (تموز) عرض غاري سامور مسؤول البيت الأبيض الفكرة على سيرغي كيرينكو رئيس وكالة الطاقة الذرية الروسية ووكيل وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف. وقال مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية: «وافق الجانبان على الفكرة في الحال وقالوا إنها فكرة رائعة. لم يكن الروس بحاجة لأن يعلموا ما هو في صالحهم بوضوح، فأي أمر يعيد الساعة النووية الإيرانية إلى الخلف يصب في صالح روسيا».

لكن الروس كانوا في حاجة إلى دولة أخرى لتحول الوقود المخصب إلى ألواح معدنية مصنوعة من مزيج من اليورانيوم والألمنيوم القابل للاستخدام في المفاعل النووي. ومن ثم كانت فرنسا المرشحة الأولى لهذه المهمة. من جانبها، تدخلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيسها محمد البرادعي في الخطة واستمروا على اتصال بالإيرانيين. وكان الرئيس أوباما قد ناقش المسألة مع البرادعي قبل لقاء جنيف في الأول من أكتوبر (تشرين الأول).

تم المضي قدما في الخطة سرا، وهو ما أثار دهشة المسؤولين الأميركيين عندما أثار الرئيس محمود أحمدي نجاد مشكلة مفاعل الأبحاث خلال المقابلة التي أجرتها معه صحيفة «واشنطن بوست» ومجلة «نيوزويك» في 23 سبتمبر (أيلول) وقال إنه مهتم بشراء الوقود مباشرة من الولايات المتحدة.

أثار تصريح نجاد حيرة المسؤولين الأميركيين لأن شراء الوقود من الولايات المتحدة محظور سياسيا. لكنهم أبدوا ارتياحهم عشية مفاوضات جنيف عندما علموا أن إيران ستشحن اليورانيوم المخصب إلى دولة ثالثة لمعالجته. ويرى المنتقدون مثل سوكولسكي أنه سيكون باستطاعة إيران استخلاص يورانيوم عالي التخصيب لصنع أسلحة نووية. وأشار إلى أن الأرجنتين نشرت عملية التخصيب على الإنترنت. فيما عارض مسؤول أميركي هذا الرأي بالقول إن إيران لا تمتلك الخبرة التقنية لاستخلاص اليورانيوم من الألواح المعدنية. وحتى الآن لا يزال المسؤولون الأميركيون يرفضون تحديد مسؤول الإدارة الذي رسم هذه الخطة، فيما قال مسؤول آخر: «أعتقد أننا نرغب في نجاح الخطة قبل أن نعلم من هو مبتكرها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»