المؤشرات تشير إلى وصول الاقتصاد الأميركي إلى نصف طريق التعافي

خبراء يتوقعون أن النصف الآخر من الرحلة سيستغرق وقتا أطول

صالة تداول في سوق الأسهم الاميركية ويظهر مؤشر ستاندرد آند بورز (أ.ف.ب)
TT

عند النظر إلى مؤشرات استعادة الاقتصاد الأميركي عافيته، يتضح أن الأسهم الأميركية في منتصف الطريق نحو استعادة مستوياتها السابقة للأزمة.

على خلاف التحذيرات التي أطلقها محللون حيال أن السوق صعدت بصورة بالغة بسرعة مفرطة، تسارعت وتيرة حركة الارتفاع التي بدأت في الربيع على امتداد شهور الصيف مع إقدام المستثمرين على خوض مزيد من المخاطر داخل أسواق الأسهم والسندات. يذكر أن مؤشر «ستاندرد آند بورز» يقف الآن عند مستوى 1071 نقطة، أي قرابة 400 نقطة أعلى من المستوى المنخفض الذي تراجع إليه في 9 مارس (آذار)، إلا أنه ما زال يتعين على المؤشر الارتفاع ما يقرب من 500 نقطة كي يستعيد المستوى المرتفع الذي كان عليه في أكتوبر (تشرين الأول)، ويدفع المستثمرين الذين تردت أوضاعهم بشدة إلى استعادة عافيتهم مجددا.

جاء الارتفاع الشديد في الأسهم ـ حيث ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز» بنسبة 58 في المائة منذ تراجعه في مارس (آذار) ـ في الوقت الذي تنامت ثقة المستثمرين إزاء نجاح الاقتصاد في تجنب سيناريو الدمار النهائي المتمثل في تأميم المصارف الكبرى وتعرض الاقتصاد العالمي لفترة ركود طويلة الأمد. إلا أنه في ظل الأضرار التي يعانيها المستهلكون ومعدلات البطالة المرتفعة، يتوقع الخبراء أن يستغرق النصف الآخر من رحلة السعي نحو إعادة الاقتصاد إلى سابق عافيته وقتا أطول. في هذا الإطار قال روبرت ميلين، رئيس شركة «جنسين إنفستمنت منجمنت»: «أعتقد أننا ندخل الآن مرحلة يمكن وصفها بعبارة (أرني). لقد عاودت السوق نشاطها على نحو دراماتيكي. إننا نمر الآن بفترة حرجة للغاية، حيث تلتقط السوق أنفاسها وتشرع في توجيه مزيد من الاهتمام إلى العناصر الرئيسية».

وأشار ميلين إلى أنه خلال فترات الركود الثمانية السابقة استغرق مؤشر «ستاندرد آند بورز» في المتوسط 1.9 عاما كي يستعيد عافيته ومعاودة بلوغ مستوياته المرتفعة السابقة. وبلغت أسرع فترة استعادة نشاط له 83 يوما، في أعقاب التراجع الاقتصادي عامي 1981-1982. أما الفترة الأطول فكانت 2.114 يوما، ما يعادل قرابة ست سنوات، بعد فترة ركود في منتصف السبعينات. من ناحيتهم سيعمد المحللون إلى مراقبة نتائج عائدات الشركات خلال الربع الثالث من العام عن كثب على امتداد الأسابيع القادمة بهدف التوصل إلى مؤشرات حول المدة التي سيستغرقها الاقتصاد هذه المرة كي يستعيد عافيته. ومن ناحيته أعرب ميلين عن اعتقاده بأن مثل هذه المدة قد تبلغ 3 أعوام ونصف العام على الأقل، بينما يرى آخرون أن الاقتصاد قد يستعيد نشاطه في وقت مبكر عن ذلك. وعلى الجانب الآخر يراود فريقا آخر الشعور بأن الارتفاع الأخير لا يعدو كونه فقاعة أخرى متخفية، وأنه لم يحدث أي تقدم حقيقي نحو التعافي الاقتصادي.

من بين أعضاء هذا الفريق أكسيل ميرك، من مؤسسة «ميرك ميتشوال فندز» ومؤلف كتاب «الثروة المستدامة» المقرر طرحه في الأسواق هذا الشهر. قال ميرك: «إننا نشهد تحرك كل شيء نحو الارتفاع، لكن هذا تحديدا ما سبق أن عايناه خلال الفترة السابقة لوقوع الأزمة... ويسارع بعض المستثمرين إلى دخول السوق لرغبتهم في المشاركة بهذا الأمر، إلا أن هذا الأمر سيلقى نهاية سيئة».

تشير الأرقام المتوافرة إلى أنه خلال ربع العام المنتهي في 30 سبتمبر (أيلول)، قفز مؤشر «داو جونز» الصناعي لـ30 من الأوراق المالية من الدرجة الأولى بنسبة 15%، ليصل إلى 9712 نقطة. يأتي إلى جانب ذلك مكاسب تمثلت في ارتفاع بنسبة 11% خلال الربع الثاني. يذكر أن مؤشر «داو جونز» قفز، الجمعة، إلى أعلى مستوى له خلال عام 2009، مكتسبا 78 نقطة ليصل إلى 9865.

من ناحية أخرى أنهى «ستاندرد آند بورز 500»، الذي يعد مقياسا أوسع نطاقا للسوق، الربع الثالث من العام مرتفعا بنسبة 15 في المائة ليستقر عند 1057 نقطة. وقد قدم كلا المؤشرين أفضل مستوى أداء ربع سنوي لهما على امتداد ما يتجاوز العقد، كما ارتفع مؤشر «نسداك» بمعدل 16 في المائة.

جاءت الشركات التي تعرضت للأضرار الأكبر خلال الأزمة المالية، بمعنى تحملها ديونا أكبر وانطواء ميزانياتها على مخاطر أعلى وتذبذب عائداتها بدرجة أكبر، على رأس موجة الارتفاعات. خلال الربع الثالث شهدت أسهم الشركات المالية ارتفاعا بالغا وصل إلى 25 في المائة، وارتفعت أسهم الشركات العاملة بقطاع المنتجات الاستهلاكية الرفاهية ـ مثل شركات بناء المنازل والسيارات والملابس وسلاسل الفنادق ـ بنسبة 19%. أما أسهم الشركات العاملة بقطاعات المنافع العامة والمنتجات الاستهلاكية فقد حققت مكاسب أكثر تواضعا بلغت 5% و10.5% على الترتيب. طبقا لـ«ليبر»، شركة بيانات معنية بالصناديق الاستثمارية، فإن الصناديق المستثمرة بشركات للخدمات المالية حققت ارتفاعا بلغ في المتوسط 23% خلال ربع العام. أما الأداء الأفضل فكان من نصيب الصناديق المعنية بالعقارات، حيث قاربت عائداتها 33% في أعقاب الضربة القاسية التي تعرضت لها خلال فترة انحسار النشاط الاقتصادي.

الملاحظ أن الصناديق الاستثمارية التي توجه استثماراتها إلى أسهم شركات صغيرة فاقت في أدائها الأخرى المستثمرة في شركات أكبر وأكثر استقرارا. الملاحظ أن الصناديق الاستثمارية المعنية بالقيمة تفوقت في أدائها على الأخرى المهتمة بالنمو مع بحث المستثمرين عن أسهم عند مستويات أدنى من قيمتها. وأوضحت «ليبر» أن الصناديق الاستثمارية ذات رأس المال الضخم والمهتمة بالنمو حققت عائدات بلغت 14% خلال الربع الثالث، بينما حصدت الصناديق الاستثمارية ذات رأس المال المنخفض والمهتمة بالقيمة عائدات بلغت 21%. علاوة على ذلك، أشارت «ليبر» إلى أن الصناديق التي استثمرت بالخارج جاء أداؤها أفضل، حيث حققت الصناديق الاستثمارية الدولية المتميزة برؤوس أموال ضخمة المعنية بالنمو عائدات بلغت 17 في المائة، بينما جنت صناديق الأسواق الناشئة عائدات بلغت 21 في المائة. أما عائدات الصناديق المهتمة بالشركات الأميركية اللاتينية فوصلت إلى 28 في المائة. إضافة إلى ذلك، أقدم المستثمرون على خوض مخاطر أكبر داخل أسواق الاعتمادات، في هذا الإطار تحقق الأداء الأفضل على يد الصناديق المستثمرة في سندات مرتفعة العائد كبيرة المخاطر، حيث بلغت عائداتها 13 في المائة عن ربع العام. أيضا أبلت صناديق الاستثمار بديون الأسواق الناشئة بلاء حسنا، حيث حققت عائدات بنسبة 11 في المائة. في تلك الأثناء ارتفعت صناديق وزارة الخزانة الأميركية قصيرة الأجل بنسبة 0.8 في المائة، بينما ارتفعت نظيرتها الأطول أجلا بنسبة 4.7 في المائة، حسبما أعلنت «ليبر».

في هذا السياق قال مارك كوفيلت، رئيس شؤون الاستثمار بمؤسسة «إمبيريك فندز»: «إننا نشهد موجة تقليدية من استعادة السوق لنشاطها بناء على توقعات بتحسن أوضاع الاقتصاد. وأعتقد أنه سيتحسن». وأعرب عن اعتقاده بإمكانية ارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز» بما يتراوح بين 100 و150 نقطة خلال الربع الرابع. ونظرا لاعتقادهم بأن توجهات أداء الأسهم خلال الربع الثالث ستستمر على امتداد ستة شهور أخرى على الأقل، يتطلع فريق العمل المعاون له نحو أسهم شركات أصغر يجري بيعها بأسعار منخفضة، حسبما أوضح كوفيلت.

ومع ذلك حذر كوفيلت وآخرون من أن عملية استعادة الاقتصاد نشاطه قد تستغرق فترة طويلة وتتسم بوتيرة بطيئة، خصوصا أن الإنفاق الاستهلاكي، المحرك الرئيس للاقتصاد الأميركي، من غير المتوقع أن يعاود ارتفاعاته القوية، بسبب الأخطار التي تتهدد أمن وظائف المستهلكين ووقف خطوط الاعتمادات.

علاوة على ذلك هناك مشاعر قلق حيال إمكانية وقوع أزمة أخرى. يذكر أنه في إطار حديث لها في أثناء حفل عشاء في مانهاتن، الثلاثاء، على شرف عدد من المصرفيات البارزات، أبدت شيلا سي بير، رئيسة «هيئة التأمين على الودائع الفيدرالية»، قلقها إزاء صناعة العقارات التجارية وتأثيرها على المصارف. وقالت: «بدأت العقارات التجارية في البروز على الرهون العقارية» باعتبارها المحرك الأساسي وراء الخسائر المصرفية، حسبما أوضحت بير. وأضافت أنها تتوقع استمرار إخفاقات المصارف خلال عام 2010. من ناحية أخرى قال ميرك إن الأسهم تم إصلاحها وإن الارتفاع الأخير يشكل نتاجا مباشرا لسعي المستثمرين الاستفادة من الأموال السهلة التي خلقتها السياسات المالية لمصرف الاحتياطي الفيدرالي. واستجابة للأزمة الاقتصادية عدل مصرف الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة إلى قرب الصفر وأغرقت السوق بأموال عبر شراء الأوراق المالية الصادرة عن وزارة الخزانة وأصول أخرى.

وقال ميرك (40 عاما): «لقد عاود تعطش الناس للأرباح إلى الظهور»، مضيفا أنه ليست لديه أسهم في محفظته الخاصة. وأوضح أن المستثمرين «سينكبون على أي شيء يوفر لهم عائدا أكبر قليلا عن الأوراق المالية الصادرة عن الخزانة التي توفر أرباحا تقترب من الصفر. وبدلا من تطبيع الأشياء التي يمكننا من خلالها تحقيق نمو أبطأ لكن مع توافر عائدات تعتمد على السوق، بات أمامنا مصرف احتياطي فيدرالي يتدخل في الأسواق على نحو مصطنع، ويحط من العائدات ويشجع ذات النمط من الممارسات الذي أوقعنا في المشكلات من البداية. إننا لم نحسم بعد القضايا المتعلقة بالأزمة الأخيرة».

في المقابل أعرب جيمس بولسن، رئيس شؤون الاستراتيجيات الاستثمارية بمؤسسة «ويلز كابيتال منجمنت»، عن وجهة نظر مخالفة، حيث يرى أنه خلال فترة انحسار النشاط الاقتصادي الأخيرة، عمدت الشركات إلى تطهير قوائم العاملين لديها ومخزوناتها، مما قلص من تكاليف التشغيل لديها إلى «مستوى يمكنها على أساسه البقاء عبر فترة الكساد التالية». وأوضح أن هذا الأمر علاوة على الأرباح الناشئة عن استعادة النشاط الاقتصادي عافيته سيؤدي إلى «دورة عائدات كبرى». وأكد قائلا: «ما زلت أرى الكثير من الإمكانات هنا. أعتقد أن من المحتمل بلوغ الأسواق مستوى الذروة في غضون شهرين من انتهاء فترة الركود».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»