هل تتنازل الدول الصناعية عن زعامة اقتصاد العالم؟!

سعود الأحمد

TT

البيان الختامي لقمة دول العشرين في مؤتمرها في مدينة «بتسبرغ» الأميركية.. يوم الجمعة (25 سبتمبر) الماضي، وما تضمنه من قرارات غير مسبوقة على مستوى الاقتصاد العالمي، بإحلال مجموعة العشرين محل مجموعة الثماني. هذا الحدث التاريخي يبعث على التعجب؟!. فما الذي حدث لسيدة الاقتصاد العالمي وحليفاتها؟!.. هل يُعقل أن تتبنى دول مجموعة الثماني توجها يدعو لتنازلها عن زعامة اقتصاد العالم؟! هل نهض العالم (بحسن نية) ليشرع في توزيع الأدوار والقوى التأثيرية تحقيقا للعدالة على ساحة الاقتصاد العالمي، لوضع إطار دولي للنمو الاقتصادي المتوازن والمستدام. ليشمل مراكز القوى دولا مثل الصين والهند والسعودية! كاعتراف (ضمني) بمساهمة هذه الدول في مواجهة الكساد العالمي والتصدي للأزمات الاقتصادية ودورها في تجنيب العالم كوارث اقتصادية كان من الممكن أن تكون تبعاتها أسوأ مما كان.

لكن حقيقة ما حدث ببساطة.. أن الدول الصناعية وجدت أنها تتحمل مسؤولية العالم. وأن أزمات اقتصادات دول العالم يجب أن يُشارك في حلها دول العالم كافة. مع إدراك بأن حكومات وشعوب العالم بدأ يميل للرغبة في إعادة تقسيم كعكة القرار الاقتصادي العالمي. عند ذلك سعت أميركا (بحركة ذكية) إلى دخول أعضاء من حلفائها (المقربين) منها، تحت مسمى ضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد العالمي. في محاولة منها لتوظيف علاقاتها التاريخية الممزوجة بالهيمنة والنفوذ لزيادة نصيبها من كعكة التأثير في صياغة القرارات الاقتصادية الاستراتيجية. فعوضا عن أن ينظم لمجموعة الدول السبع دولة أو دولتان أو ثلاث من الدول المستقلة في قراراتها.. ممن لها تاريخ لا يخلو من العداء أو على الأقل الطموح التنافسي، ليضعف بذلك صوت أميركا في مجموعة الدول السبع أو الثماني. فإن مجموعة العشرين ستمنح للولايات المتحدة نفوذا أكبر على صعيد صناعة القرارات الاقتصادية العالمية. لكونها ستشكل منظومة أكبر تأييدا لأميركا.. لأن غالبية أعضاء مجموعة العشرين ستكون أكثر إيمانا من غالبية أعضاء الدول السبع في تأييدها لأميركا (وهنا مربط الفرس). من منطلق اعتقادها بأن أميركا ذلك الزعيم الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري الذي لا غنى عنه، والذي لم يوجد له بعد من بديل! في وقت تعلم فيه أميركا أن هناك دولا ممن انضموا لطاولة صنع القرار، تعاني من ثغرات يمكن لأميركا توظيفها للتأثير في تبعيتها لقرارات أميركا وتوجهاتها. مثل العجز في الميزان التجاري ونقص واختلال الأنظمة المالية والإدارية والحاجة لمصادر الطاقة وندرة المياه ونقص الغذاء والعرضة للكوارث الطبيعية وانحسار الديمقراطية وتقليص دور المؤسسات الشعبية إلى غير ذلك من نقاط الضعف.

وبالتالي.. فالرأسمالية باقية على سيادتها للاقتصاد العالمي وقوة الدولار ستبقى تفرضه معطيات وضرورات عالمية، كعملة أساسية للاحتياطيات العالمية بالمستقبل المنظور. والنفوذ الرأسمالي ليس به جديد. بل إن السيد بِن بيرنانكي رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وميرفين كنج رئيس بنك إنجلترا وجان كلود تريشيه رئيس البنك المركزي الأوروبي باقون يديرون السياسة الاقتصادية العالمية، من خلال مجموعة العشرين كما كانوا من خلال مجموعة السبع الصناعية. والجديد في الأمر أن الصورة الخارجية لقادة الاقتصاد العالمي ستبدو أكثر ديمقراطية. فبدل أن يصبح القرار الاقتصادي محصورا في أيدي سبع دول بتعداد سكاني لا يتجاوز الـ 900 مليون فرد، سيصبح مناطا بدول مجموعة العشرين التي تمثل 4.2 مليار إنسان، وإن كنا نعلم أن منهم ما يزيد على 2.6 مليون فرد يصنفون على هامش التعداد السكاني.

وختاما.. عن موقف الدول التي أعطيت فرصة النفوذ، رغم عتامة المشهد الاقتصادي العالمي، فإنها تدرك أن من الحماقة أن تفوت فرصة المشاركة في رسم السياسة الاقتصادية العالمية.. ويبقى الأمل معقودا في أن يؤكد ممثلو هذه الدول أن مشاركاتهم فعلية وكاملة، وأنها تحصل في إطار تمثيلي حقيقي لكل دولة.. خدمة لمصالح شعوبها أولا وأخيرا.

*كاتب ومحلل مالي