لبنان يجمع فنانين تشكيليين في معرض فرانكفوني

64 فنانا قدموا أعمالا من شتى المدارس الفنية

جانب من أعمال المعرض
TT

توحدت فنون الرسم والتصوير والنحت في توجهاتها المختلفة واجتمعت على جدران قصر اليونسكو في بيروت معرض الفن التشكيلي بأقسامه الثلاثة، الرسم والتصوير والنحت. ثقافات متعددة ومختلفة يجمعها انتماؤها إلى العالم الفرانكفوني، تولى فنانوها مهمة إظهار فنونهم ومواهبهم بأسلوب محترف كل بحسب حسه والمدرسة التشكيلية التي تطبع أعماله.

64 فنانا، توزعوا بين 24 رساما و20 نحاتا و20 مصورا تم اختيارهم بعد خضوعهم لمسابقات أُجريت في بلدانهم للمشاركة في هذه التظاهرة البيروتية. أعمال ذات مستوى عال من التقنية الفنية التي جمعت عوالم مختلفة وعكست هواجس فنانين يحاولون تصوير «حيوات» مواطنيهم ومجتمعاتهم ولا سيما من خلال التصوير والرسم.

بين مدارس الفن التشكيلي المتعددة، ولا سيما منها الواقعية والرمزية والتعبيرية والتجريدية والسريالية، توزعت أعمال هؤلاء على جدران قصر اليونسكو وفقا لمواضيعها المتنوعة، بعضها حملت عناوين محددة والبعض الآخر جاءت متحررة من أي عنوان ليتولى مشاهد اللوحة أو الصورة أن يستشف موضوعها وفقا لمخيلته وتطلعاته.

لم يتم توزيع الأعمال وفقا لهوية الفن ولكنها اجتمعت على جدران المعرض بحسب تشابه مواضيعها. على خلفية حمراء ورمادية تركزت اللوحات فيما زينت الزوايا أعمال النحاتين لتشكل في حد ذاتها ديكورا مميزا ومكملا لهندسة المعرض الذي بدا أشبه ببرج بابل ثقافي، سواء مع لوحة بوغدان بينيف السريالية التعبيرية الآتية من بلغاريا أو تلك التي تحمل توقيع هوغو برجورون التجريدية بألوانها المستوحاة من ألوان قوس قزح، إلى تلك الآتية من الكاميرون في جو تعبيري يعكس مشاعر طفل من خلال ملامح وجهه ولا سيما عينيه في ألوان متموجة داكنة. واختار بنجامن رودجر من كندا أن يصب «جام» فنه في لوحة «autoportrait» رُسمت بالأكريليك فأتت كأنها صورة فوتوغرافية تصور ملامح تفصيلية لوجه صاحبها المتجهم وهو يدخن سيجارته. ومن ساحل العاج وظف باسكال كونان أنامله في خدمة الإنسانية في عمل حمل عنوان « فلنبنِ إنسانيتنا» وذلك من خلال لوحة كلاسيكية تميل إلى التجريدية جمعت امرأة وطفلا في ألوان هادئة مفرحة تعكسها ابتسامتا بطليها. ومن لبنان جسد أسامة بعلبكي «الطبيعة الميتة» التعبيرية الواقعية في لوحة «بوسطة عين الرمانة» التي تحولت إلى «أيقونة سوداوية» تمثل الحرب اللبنانية.

ولفئة التصوير الفوتوغرافي حصة الأسد، فهنا أطلق 20 فنانا العنان لمواهبهم من خلال التقاطهم مشاهد لـ«حيوات» وربما هواجس وطنية وفردية وحتى نفسية في حالات متناقضة اعتمدوا في تصويرها على حنينهم للتصوير بالأبيض والأسود.

ها هو البلغاري غريشا غريغوروف يجمع في أربع صور بالأبيض والأسود بين مرحلتي الطفولة والعجز، بين الابتسامة والترقب والانفعال في لحظات تعبيرية مؤثرة التُقطت في مدن بلغارية متعددة. ولم يبتعد الكندي جنفياف ثوفيت كثيرا عن زميله في الجمع بين متناقضين، فهو لم يعنون أعماله التي اعتمد فيها تصوير النساء والفتيات في مواضع مختلفة مفتعلة بعيدا عن التلقائية التي تجمع بين الرقص والفرح والموت.

وللوجه الإنساني والعنف بشكل خاص موقعه في أعمال كاشا موزنبي الآتي من الكونغو لينقل صورا قاتمة مؤثرة لعبيد يتعرضون للتعذيب والضرب. واحترفت «ماريلسا نيالس» موهبة اللعب على جماليات الضوء والظل في تصويرها آنيات ملونة على خلفية سوداء. حتى البحر فقد زرقته ومشهد غياب الشمس فقد احمراره في عدسة الـغيني أرتورو بيبانغ، على عكس اللبنانية إيف عطا الله إذ تركت وهج اخضرار الطبيعة مضيئا في مشاهدها التي تركزت على الطرق الجبلية اللبنانية، فيما جمع أورني ماثيوت بين المبدأين معا في أعماله التي التقطها على البحر وخلال عملية صيد السمك. وللحضارة والفلكلور النيجيري بشكل خاص، صورته في أعمال النيجيري أشيرو غاربا في احتفالات ومناسبات شعبية وتقليدية وتراثية. واختارت إيفا ديمسكا من مقدونيا الفتاة لتكون محور صورها متنقلة من وضع إلى آخر، فهي في حين متحررة من قيود الملابس تتمايل بجسدها النحيل وحينا آخر تتحول إلى امرأة حامل من دون أن تتخلى عن التحرر نفسه مع اختلاف في الألوان، ففي حين تستغني عنها في الحالة الأولى، تحافظ على طبيعتها في الحالة الثانية. ومن رومانيا جاء ناستازا ليجسد روتين الحياة ويوميات الإنسان في أربع أعمال مستسقاة من السلوك اليومي ولا سيما في حالات الضجر أحيانا واليأس أحيانا أخرى. وفي قسم النحت خرج النحاتون عن التقليد ليسجل كل منهم بصمته الخاصة التي تقترب من الأعمال اليدوية والفنية في الوقت عينه. فقدم البلغاري ستويان ديشيف منحوتته تحت عنوان «التصادم» على شكل قناني موزعة على طاولة ألمونيوم. وابتكرت الكندية سارة بيك عملها الذي حمل عنوان «القذرة لوني» وجسدته من خلال آلة لسحب المياه ثبت في طرفها إوزة تطل برأسها على برميل كبير. أما منحوتة مواطنها جولي بيكار التي أتت على شكل ثريا متدلية من السقف، فقد صنعت من ورق الصحف بألوانها الباهتة. أما المشاركة اللبنانية فجاءت عبر نادين أبو زكي التي استخدمت للغتها التعبيرية قضبانا معدنية علقت عليها أشكالا متساوية الأحجام بلونيها الأزرق والكحلي وهي مستقاة من معرضها الأخير «أنا أطير». كذلك حول اليوغوسلافي سلافكو سبيروفسكي آلة البيانو إلى «أكواريوم» للأسماك مستعيضا عن وظيفته الموسيقية بصوت خرير المياه. وقد جمع البلجيكي نازاري مارداغا العالم كله بما يحويه من الإنسان والحيوان والعادات والتقاليد تحت جناح ثوب مجسم رجل يفتح ذراعيه لاحتواء كل هذه المكونات المتناقضة. وفيما اختصر بابي سوكولو من الكونغو مشكلات الكرة الأرضية في عمل إبداعي مصنوع من مواد مختلفة مركزا فيه على الأخطار التي تحيط بنا ولا سيما التدخين، ترك المغربي عثمان فكراوي سؤاله مفتوحا على كل الاحتمالات والتوقعات، طارحا إياه على صحن لاقط مثبت على قاعدة خشبية «إذا كان الشمال في الجنوب والجنوب في الشمال...!»؟