الباخرة «أوليس» تبحث عن روح التوافق في حوض المتوسط

فنانون فلسطينيون وإسرائيليون يشاركون «بصوت واحد» في أمسية بالرغم من أن بعض الموانئ ما زالت موصدة أمامهم

الرحلة قادت المشاركين إلى مرافئ قرطاج لمدة ثلاثة أيام وطرابلس ثم جزيرة قبرص قبل أن يحطوا الرحال في نهاية الرحلة في بيروت العاصمة الدولية للكتاب لسنة 2009
TT

في إطار الرحلة «أوليس 2009» إلى عدد من بلدان حوض البحر المتوسط، رست سفينة فرنسية تقل عددا كبيرا من الكتاب والمفكرين صباح أمس الاثنين في مرفأ ليماسول القبرصي ضمن جولتها الرامية إلى تعزيز «الحرية والسلام» وتشجيع الحوار المتوسطي.

والحدث الأبرز في المحطة القبرصية لهذه الرحلة على خطى بطل الأوديسا الهائم، الأمسية الموسيقية التي يحييها فنانون فلسطينيون وإسرائيليون من العرب واليهود، سيأتون خصيصا من قطاع غزة والضفة الغربية وإسرائيل ليضموا أصواتهم معا الاثنين في ليماسول في حفل بعنوان «بصوت واحد».

جاءت الباخرة «أوليس» قادمة من جزيرة مالطا الواقعة منتصف البحر الأبيض المتوسط، محملة بالمفكرين والمثقفين المنادين بثقافة المتوسط والمحملين بثقافة السلام والتعايش بين مختلف الحضارات.

الرحلة قادتهم إلى مرافئ قرطاج لمدة ثلاثة أيام (11 و12 و13 أكتوبر الجاري) على أن تتجه بعد ذلك إلى العاصمة الليبية طرابلس، ثم جزيرة قبرص قبل أن تحط الرحال في نهاية الرحلة في بيروت العاصمة الدولية للكتاب لسنة 2009.

«أوليس» استقبلت في العاصمة التونسية وكان معظم الجمهور من الفرانكفونيين.. اللقاء الذي نظم بالمناسبة استهلته التونسية هالة الباجي بكلمة ركزت من خلالها على تعريف مفهوم المتوسط متسائلة عن ماهية هذا المفهوم «هل المتوسط عبارة عن مكان أم زمان أم ثقافة أم تاريخ أم جغرافيا أم مسألة فلسفية؟». الباجي خلصت في نهاية المطاف إلى ضرورة النظر بإيجابية إلى مفهوم المتوسط وتفعيل ما يخدم الأطراف المطلة على هذا الحوض المائي الكبير.

وهذه الرحلة أرادها دانيال روندو سفير فرنسا لدى مالطا التي انطلقت منها السفينة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) «رمزية» و«محاولة أدبية وسياسية لإحياء أفكار وكلمات تجمع بيننا على ضفتي البحر» كما ذكر الدبلوماسي في مقدمة برنامج هذه التظاهرة التي نظمها بنفسه.

وتوصف هذه الرحلة التي تنتهي يوم الجمعة المقبل على متن السفينة التابعة للبحرية الفرنسية، بأنها «أدبية وسياسية».

لكن روندو الكاتب والصحافي والناقد الأدبي قبل أن يخوض العمل الدبلوماسي، انطلق من فكرة أساسها جمع عدد من الكتاب والمثقفين والفنانين من ضفتي المتوسط ليضم إليهم لاحقا صحافيين ودبلوماسيين، على ما أوضح مسؤول النشاطات الثقافية في المركز الثقافي الفرنسي في نيقوسيا برتران دوبار لوكالة «فرانس برس».

وقام عدد منهم بالرحلة على ظهر السفينة، بينما سينضم إليهم آخرون في كل واحدة من محطاتها.

ومن أبرز المشاركين في «أوليس 2009» الروائي الفرنسي الحائز جائزة نوبل للآداب 2009 جان ماري غوستاف لوكليزيو وشعراء منهم السوري أدونيس واللبنانيان صلاح ستيتية وفينوس خوري غاتا.

كما يشارك كتاب منهم اللبنانيان الكسندر نجار وأنطوان عساف والجزائري سليم باشي والفرنسيون روبير سوليه وشارل دانتزيغ واوليفييه فريبور واليوناني تاكيس ثييودوروبولوس والفيلسوف الفرنسي إدغار موران. وسينضم إليهم فيما بعد الصحافي والكاتب الفرنسي باتريك بوافر دارفور.

الكاتب اليوناني تاكيس ثييودروبولوس رأى في المتوسط مهدا للرحلات البشرية فـ«أوليس»، اسم الباخرة التي أقلت هذه المجموعة، والتي لا تعدو أن تكون شخصية خيالية نسجها الفكر الإنساني، إذ رحلت في البداية دون رغبة حقيقية منها ولكنها في نهاية المطاف أحبت رحلتها وعشقت البحر وحاورت حورياته حوار العاشق المتحمس لمن يحب.

المخرجة السينمائية المالطية ريميكا كريمونا اختارت موضوع الهجرة السرية لفيلمها الجديد، ولكنها كانت رحلة عكسية من الشمال إلى الجنوب، حيث إن بحارا يونانيا وابنه في فيلمها يرسو به القارب في شواطئ ليبيا وذهب إلى ظن مستقبليهم أنهم من المهاجرين غير الشرعيين فتغافلوا عنهم ولم يقدموا لهم المساعدة. وقالت إن المتوسط هنا هو عبارة عن علاقة قاتلة بين ضفتين تتصارعان بشكل متناقض.

وفي كل من محطات هذه الرحلة، تقام تظاهرات ثقافية ومحاضرات حول كتاب وفلاسفة «أثروا الضفتين بموهبتهم وشعاعهم الفكري».

والحفل الموسيقي «بصوت واحد» في ليماسول يحييه 35 مغنيا وموسيقيا يفرقهم نزاع مستمر منذ أكثر من نصف قرن، ولكن يجمعهم الحب نفسه للفن والحياة. وهؤلاء هم فنانون قادمون من رام الله وغزة وبيت لحم والقدس وتل أبيب، يصعب عليهم التلاقي في بلادهم فسيجتمعون في أحد مسارح ليماسول مساء أمس الاثنين ليغنوا ويعزفوا توقهم إلى السلام.

وبرزت هذه الفرقة التي تضم أساسا مائة فنان ينتمون إلى فرق موسيقية مختلفة، عند تسجيلها أسطوانة بعنوان «بصوت واحد» حازت جائزة سيلوي للموسيقى عام 2004 في فرنسا.

وفي 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004، أحيت حفلا موسيقيا في القدس، ثم قامت في مايو (أيار) 2006 بجولة في فرنسا تضمنت 14 حفلا موسيقيا ولقيت أصداء إعلامية كبيرة.

وفي 27 فبراير (شباط) 2009، بعد ستة أسابيع فقط على الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، التأم 35 من أعضاء الفرقة في حفل في مالطا حضره وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير.

ومن الشخصيات المتوسطية التي تحتفي بها تظاهرة «أوليس 2009»، يبرز الفرنسي ألبير كامو إذ تنظم طاولة مستديرة اليوم الثلاثاء في العاصمة القبرصية نيقوسيا حول هذا الكاتب والمفكر الذي ولد ونشأ في الجزائر.

وكان كامو سباقا في طرح رؤية لوحدة متوسطية. وقد كتب منذ 1937 في وقت كان يدير «بيت الثقافة» في العاصمة الجزائرية، أن «الجوهر الحقيقي في الروح المتوسطية ربما ينبع من ذاك التلاقي الفريد في التاريخ والجغرافيا، بين الشرق والغرب». ويضيف «كما أن شمس المتوسط تشع على جميع البشر على السواء، فإن مجهود الذكاء البشري ينبغي أن يكون تراثا مشتركا وليس مصدر نزاعات واقتتال».

ويشارك في الطاولة المستديرة دانيال روندو وصلاح ستيتية وسليم باشي وأستاذ الأدب الفرنسي والأدب المقارن رئيس قسم الدراسات الفرنسية واللغات الحية في جامعة قبرص يانيس يوانو.

وبينما يشهد الحوض المتوسطي أزمات ونزاعات، قد تكون الكلمة الأكثر تعبيرا عن فسحة الأمل المتبقية قد خطها كامو نفسه بقوله إن «ثقافة متوسطية جديدة متوافقة مع مثالنا الاجتماعي أمر يمكن تحقيقه. ويعود لنا ولكم أن نساعد على تحقيقه».

هذه الباخرة حملت رسائل إلى أهل المتوسط عبرت لهم عن المخفي من الصراعات التي لا نريد كشف الحقيقة عنها. أوليس تريد عبور المتوسط وإفراغ حمولتها الفكرية والسياسية في مختلف موانئها دون عناء. ولكن يبدو أن بعض الموانئ ما زالت موصدة أمامها، ولذاك الغلق أكثر من سبب.