الهند تعتمد نظام التقييم وليس الدرجات وتلغي اختبارات الفصل العاشر

تعتقد أن اختبارات المدرسة كانت غير لائقة «لمجتمع معرفي» في القرن الحادي والعشرين

وفقا لبيانات وزارة الصحة الهندية أقدم حوالي 18 ألف طالب خلال الأعوام الثلاثة الماضية على الانتحار بسبب الضغوط الدراسية والامتحانات (رويترز)
TT

أعلنت الهند عن بعض الإصلاحات الجذرية في نظام التقييم والاختبارات بالتعليم المدرسي لتقليل توتر الأطفال بالنسبة للامتحانات، من خلال مجموعة جديدة من الإجراءات التي سوف تعمل على تغيير عالم الطلاب القاسي الذي يتمحور حول الحصول على أعلى الدرجات.

بعد عام 2010، سوف يتم إلغاء اختبارات الفصل العاشر. وسوف يتم العمل من خلال نظام تقييم مختلف يعتمد على التقييم الشامل وليس على الدرجات مما يعني.

وتعد الهند واحدة من أكبر النظم التعليمية في العالم. وبالرغم من أن الولايات داخل الهند تتحكم في النظام المدرسي، فإن الحكومة المركزية تقدم المساعدات المالية والتخطيط. ويتمتع التعليم الابتدائي ـ المرحلة التي تتضمن الأطفال ما بين سن السادسة والرابعة عشرة ـ في الهند بالمجانية وبعد ذلك يكون على الطلاب أن يدفعوا مقابل التعليم، أما بالنسبة للبنات، فإن التعليم يصبح مجانيا حتى سن الجامعة. وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 32 في المائة من السكان تقع أعمارهم تحت سن الخامسة عشرة.

وبالرغم من أن نظام التعليم في الهند يتبع نظام التعليم البريطاني، فإنه يعتمد على الاختبارات المدرسية والدرجات وهو ما أصبح مصدرا للإزعاج لكل من الآباء والأطفال على حد سواء. وعلى مدار السنوات، كان نظام التعليم الذي يتمركز حول الدرجات المدرسية يضع ضغوطا كبيرة على الطلاب، مما جعل العديد منهم عاجزين عن تحقيق آمالهم وآمال آبائهم كذلك.

ولم يتم إدخال أي تغييرات على نظام الامتحانات بالمدارس منذ سنوات بعيدة، مما يجعل فترة التعليم سببا للتوتر، ويدفع كافة الصحف والمجلات إلى نشر العديد من المقالات المتعلقة بذلك الموضوع خلال فترة الامتحانات. ففي الهند، تتحدد قدرة الطلاب من خلال الاختبارات، ولا يوجد مكان في ذلك النظام لتقييم أداء الطلاب طوال العام المدرسي؛ فقد أصبح الحصول على المزيد والمزيد من الدرجات هو الهدف الوحيد للطلاب.

ولذلك النظام المجهد تأثيرات سلبية بالغة؛ حيث يدفع ذلك النظام العديد من الطلاب إلى الانتحار كل عام، ويرتفع معدل تلك الحوادث بمعدلات متسارعة؛ فوفقا لبيانات وزارة الصحة الهندية، أقدم حوالي 18 ألف طالب خلال الأعوام الثلاثة الماضية على الانتحار.

ومن جهة أخرى، فإن عقلية المجتمع مسؤولة كذلك عن تحول الاختبارات المدرسية إلى مصدر للإزعاج؛ فإذا حصل أحد الطلاب على درجات مرتفعة ينظر إليه المجتمع وكأنه بطل قومي، أما إذا حقق طالب آخر درجات مدرسية أقل فإن المجتمع ينبذه. وهنا يبرز سؤال هام. ما هي أهمية الحصول على المزيد والمزيد من الدرجات؟ أتقتصر أهمية ذلك على تمكين الطالب من الالتحاق بإحدى المؤسسات الجامعية المرموقة أو الحصول على انطباع جيد في مقابلات العمل لاحقا؟

تشير دراسة أجريت أخيرا لتحليل ضغوط الامتحانات بين طلاب المدارس من الصف التاسع إلى الصف الثاني عشر، إلى أن العديد من الطلاب كانوا يتعاطون أقراصا منشطة للذاكرة، ويدخنون ويتناولون الأطعمة السريعة ويتعرضون لنوبات من فقدان الذاكرة حتى خلال فترة الامتحانات.

وتقول الدراسة إن مثل هؤلاء الطلاب ـ الذين يخضع العديد منهم لاختبارات السنة العاشرة والثانية عشرة المهمة يعتقدون أنهم سيوصفون بالفاشلين إذا لم يحصلوا على درجات تتجاوز نسبة 80 في المائة.

ونظرا لوعيهم بتأثير النظام التعليمي الحالي على جيل المستقبل في البلاد، وافقت وزارة الموارد البشرية والتنمية في الهند أخيرا على إجراء عدة إصلاحات لتحديث نظام التعليم في الهند.

يقول كابيل سيال وزير الموارد البشرية الهندية: «يعد نظام التعليم الهندي الذي يعتمد على الاختبارات والدرجات مصدرا للإزعاج لكل من الآباء والأطفال؛ فالمعرفة، كأي شيء آخر يجب أن تتم في جو من الهدوء ولا يجب أن يصبح التحصيل المعرفي سببا للتوتر. فقد كان نظام الاختبارات السابق قد أصبح لعنة، وكان الأطفال يضحون بالأنشطة الإضافية والرياضية كي يتمكنوا من الاستعداد للامتحانات».

ويضيف أن «نظام التعليم كان يتعامل مع العقل البشري باعتباره جهازا لتخزين رقمي مثل الأقراص المدمجة؛ الغرض الرئيسي منه هو تخزين نصوص معينة واستعادتها خلال الامتحانات ولكن التوجه الجديد الذي يعتمد على التقييم المستمر ربما يحقق تغييرا جذريا».

ووفقا للنظام الجديد، فسيتم إلغاء اختبارات الصف العاشر، وسيمنح الطلاب الذين يرغبون في إجراء تلك الاختبارات الفرصة بعد أن يتقدموا بطلب خاص. وسوف يتم تعديل نظام الدرجات الموجود في النظام الحالي، حيث سيصبح سيشتمل على: إيه 1، وإيه 2، وبي 1، وبي 2، وسي 1، ودي وإي 1، وإي 2.

من جهته، يقول عالم النفس الشهير سمير بارخ الذي أجرى دراسة على عشرين مدرسة في دلهي والمدن المحيطة بها مثل غارغاون ونويدا، إن الآباء والمدرسين يمارسون على الأطفال ضغوطا هائلة. ويضيف بارخ رئيس قسم الصحة العقلية والعلوم السلوكية بماكس للرعاية الصحية بساكت بجنوب دلهي: «بدلا من أن تكون هناك بيئة مشجعة لمساعدة الطلاب على أن يشعروا بالهدوء والاسترخاء، يدفعهم المدرسون والآباء باستمرار لتحقيق أعلى الدرجات، وهو ما يضع ضغوطا هائلة على الأطفال كي يحصلوا على المزيد من الدرجات».

وتشير الدراسة التي اعتمدت على عينة تتكون من 944 ولدا و1056 فتاة، إلى أن الضغوط تجعل العديد من الطلاب يتعاطون الأقراص لتحسين الذاكرة والتركيز. ويشتكي العديد من الطلاب من أنهم يتعرضون لحالات من فقدان الذاكرة حتى وإن كانوا يستعدون لإجراء اختبار صغير بالفصل. كما اتجه حوالي 10 في المائة من الأولاد والبنات للتدخين اعتقادا بأنه سوف يساعدهم على الاسترخاء.

يقول بارخ: «في العديد من الحالات، ينظر إلى أداء الطالب في الامتحانات كدليل على طبيعته الشخصية، ويحب معظم الناس أن يتذكرهم الآخرون بإحراز النجاح وحصولهم على الدرجات العالية».

يقول شيريان فيرغيس الأخصائي الذي يعمل مع منظمة الصحة العالمية بالهند: «يحتاج نظام الصحة العقلية في الهند إلى الإصلاح. فربما تمنح مدارسنا الطلاب تعليما جيدا ولكننا بحاجة إلى أن يمتد التعليم إلى مهارتنا الحياتية. فيجب وضع استراتيجية شاملة بدءا من الاستشارات وصولا إلى زيادة عدد العاملين بالصحة العقلية». مضيفا: «يعد الطلاب من الفئات المعرضة للمخاطر، حيث تساهم عوامل مثل السن، والمنافسة والعلاقة مع الأسرة في تزايد معدلات الانتحار بين طلبة المدارس. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الحاجة المغروسة في العديد منا بالرغبة في أن نحاط بأشخاص ناجحين».

ويضيف فيرغيس أن هذا الانشغال المسبق بدرجات الاختبارات له تأثير سلبي على الطلاب.

ومن جهة أخرى، يقول أميتا واتال عضو لجنة «سي بي إس إي» المختصة في إصلاح الامتحانات ومدير مدرسة سبرينغديلس بدلهي، إن نظام التقييم الجديد سوف يغير التوازن الحالي بين الجانب الأكاديمي والأنشطة المدرسية.

فلن يكون على الرياضي أن يتخلى عن شغفه بالكريكيت أو بكرة السلة لأنه مضطر للتركيز على الاختبارات المدرسية. وسوف يتم تقدير الراقصة على مهاراتها، كما أن مهارات الطلاب الأخرى مثل الشعر أو المهارات القيادية سوف تنعكس في تقاريرهم الشهرية.

ويرى رجال التعليم وعلماء النفس أن الأطفال ليسوا هم الذين تعرضوا للضغوط ولكن الآباء الذين يتسلل توترهم إلى المدرسين والأطفال. فتقول سواتي بوبات فاتس: «من خلال نظام التقييم الجديد فلن يقتصر الأمر على الدرجات». ومع ذلك تؤكد سواتي أن التوتر سيستمر. وهي تعتقد أنه إذا وصل ذلك النظام إلى الطبقات الدنيا بدلا من أن يظل مقصورا على الطبقة الراقية، فسيكون إنجازا عظيما. وتضيف: «سوف تظل الروح التنافسية كما هي».

وبعد اثنين وستين عاما من الاستقلال، أصبحت الهند تنظر إلى نفسها بكبرياء ليس فقط على مستوى التنمية التي استطاعت تحقيقها في الصناعة والطاقة والبنية التحتية وقطاع الصحة، ولكن كذلك في النمو الذي حققته في مجال التعليم. فسواء في التعليم الابتدائي، أو الثانوي أو الفني أو في مجال الأبحاث، استطاعت الهند إنتاج طبقة من المواطنين المتعلمين والباحثين بالرغم من افتقارها إلى الموارد. وأصبحت الدولة التي عانت من وطأة الاحتلال البريطاني لديها جامعات من أفضل الجامعات على مستوى العالم وكذلك المعاهد الفنية وذلك خلال ستين عاما فقط. فهناك سبعة معاهد لتكنولوجيا المعلومات وللإدارة في الهند يتخرج فيها أخصائيون مؤهلون على المستوى العالمي سنويا.

ومن جهة أخرى، يقول رجال التعليم إن إصلاح نظام الامتحانات كان أمرا ضروريا لأن اختبارات المدرسة كانت غير لائقة «لمجتمع معرفي» في القرن الحادي والعشرين، كما أنها ضرورية لتجديد قدرات حل المشكلات ولأنها لا تخدم العدالة الاجتماعية. إلى جانب أن مستوى الاختبارات الورقية كان ضعيفا؛ فقد كانت تتطلب استعادة المعلومات بدون فهم كما لم تكن قادرة على تقييم المهارات الأكثر تطورا مثل الفهم، والتحليل والتفكير المنطقي. كما عبروا عن مخاوفهم من نقص الأشخاص الذين يتمتعون بالقدرات التحليلية والقدرة على حل المشكلات. ويقال إنه كان يمكن استشعار التأثير السلبي لذلك من خلال نقص العمالة الماهرة. وظهرت دلالات تلك الأزمة في تقديرات «ناسكوم» التي أشارت إلى أنه سيكون هناك نقص قيمته 700 ألف مبرمج في 2010.

وإذا ما تم جعل نظام الاختبارات اختياريا، فسيطلب الجميع إجراء الاختبارات حيث إن هذه الدولة مولعة بالاختبارات. لماذا يريد الآباء أن يحصل أولادهم على ما يفوق 90 في المائة؟ تقول جاناكي راجان المديرة السابقة لمجلس الدولة لأبحاث التعليم والتدريب بدلهي ومديرة مركز «ساروجيني نيدو» لدراسات المرأة بجاميا ميليا إسلاميا: «جميعهم يريدون أن يروا أولادهم وهم يدخلون سانت ستيفين». وتضيف سيكون من الضروري أن نتأكد من أن يحصل كل طالب على تعليم مفيد ومناسب للأطفال كذلك حتى يصلوا للصف الثاني عشر «إن حل المشكلة لن يكون فقط من خلال استبعاد نظام الاختبارات. فهناك المسائل المتعلقة بالمناهج، وليس هناك شك في أن الولايات قد استشيرت في ذلك. وليس هناك من سبب يمنع إجراء الاختبارات باللغات الإقليمية».

ولكن ليس الجميع سعداء بذلك. ففي الحقيقة فإن حوالي 50 في المائة من الذين سألتهم إحدى الصحف المحلية في استقصاء أجري عبر المدن الهندية السبع، قالوا إنه لا يجب إلغاء لاختبارات. فيقول رافي شانكار نايك من مدرسة فيديا بال بافن في مايور فيهار المرحلة الثالثة: «إن إلغاء اختبارات الفصل العاشر لن يكون فكرة صائبة، لأنه سيقلل من الروح التنافسية بين الأطفال». وأكدت الدراسة التي أجريت في سبع مدن، أن معظم الطلاب والآباء والمدرسين كانوا يشعرون أن الطلاب سوف يكونون أقل تنافسية إذا ما ألغيت اختبارات الفصول.

ولكن بعض الآباء يقولون إن إلغاء اختبارات الفصل العاشر سوف يترك الطلاب بدون وسيلة لقياس تحصيلهم الدراسي. فمعظم المدارس حاليا معروفة بنتائجها الدراسية. تقول براناليا ميتا والدة أحد طلاب الفصل الثامن: «كيف يستطيع الفرد تقييم المدرسة إذا ما كانت الاختبارات اختيارية؟ وكيف نستطيع معرفة ما إذا كانت جودة المشروعات هي انعكاس حقيقي للتعليم؟ والأهم من ذلك فهل الحصول على درجة «إيه» بأحد المشروعات سوف يضمن لابني دخول الكلية»؟

ولا يشعر رجال التعليم بالدهشة. فمعظم الآباء يوافقون على أن التعليم الذي يعتمد على المشروعات سوف يجعل أولادهم أكثر وعيا. ولكنهم مازالوا قلقين من نظام الدرجات. فتقول نيلا مماليك: «أنا متأكدة من أن حوالي 90 في المائة من الآباء سوف يصرون على الحصول على الاختبارات. فالمسألة لها علاقة بالتكيف».